المطعون في شرفهم لوفيق يوسف

19-06-2007

المطعون في شرفهم لوفيق يوسف

تجربة الكاتب السوري وفيق يوسف الروائية الثانية، "المطعون في شرفهم"، سياسية بامتياز. تجانب الدخول إلى الفضاء الروائي من بواباته الاجتماعية والإنسانية لتصل في النهاية إلى مبتغاها السياسي. هي تفعل العكس تماماً حين يختار الكاتب لأبطال روايته وقائع سياسية مباشرة كي يضعهم في حريق المواجهة فيصل من خلال الحريق بالذات إلى تنويعات متعددة للهم الإنساني والاجتماعي، مشيراً بوضوح إلى مقولته الأساسية التي يريدها من الرواية، ومفادها أن كل شيء إنما يبدأ من هناك وينتهي هناك، من سقف السلطة السياسية التي تصبغ المجتمع كله بألوانها وتضعه على سكة شعاراتها وسياساتها.
"المطعون في شرفهم" رواية جارحة تستقصي مواجهة نهائية بين بطلها والسلطة، في إطار من الغلبة المسبقة والمتوقعة للسلطة. فـ"البطل" الذي يقدمه وفيق يوسف يحمل في "ثورته" كل مواصفات البطل المهزوم، إذ هو ابن شرعي وطبيعي لحالات القسوة السياسية والحظر الطويلة. هو في هذا المعنى، مزيج متناقض من الوعي وضدّه، من الإقدام والتردد، من البطولة المطلقة والنكوص العاصف.
يختار وفيق يوسف أن يزج ببطل الرواية في أتون معركة غير متكافئة، بل محسومة النتائج سلفا. يفعل ذلك من أجل تأكيد المقولة الأساسية للرواية: نحن في زمن الانكسارات والخيبات حيث لا مكان للبطولة ولا جدوى من اجتراح صورها من المخيلات المريضة والمسكونة بالأوهام. البطل نموذج طبيعي لضياع المعارض السياسي وعجزه عن مواجهة واقعه بجدية وكفاءة. هو يشير في هذا المعنى، إلى بوار مفاهيم وشعارات سياسية لم تعد قادرة على مواجهة الواقع الراهن. إنها رواية الهزيمة، لا في ميادين الحروب والمعارك العسكرية ولكن في دروب العمل والوظيفة مثلما في دروب الحب. يختار وفيق يوسف إقامة علاقة وطيدة بين خيبات بطله الراهنة وسلسلة الهزائم العربية الكبرى، منذ نكبة فلسطين إلى الانفصال بين مصر وسوريا، وصولا إلى هزيمة عام 1976 واجتياح بيروت. يكتب رواية عن الأثر العميق ، الهائل والمدمر، الذي تركته تلك الهزائم في روح بطله، أو في الأدقّ، مواطنه الزاحف بسرعة نحو نهايته التراجيدية.
"المطعون في شرفهم" رواية سياسية لعالم المثقفين المسكون بأحلام التغيير والذي يكتشف مع كل خيبة جديدة انه هو ذاته الذي يحتاج إلى التغيير والتخلّص من أوهامه وبؤس وعيه وتردده وعجزه شبه التام عن رؤية الواقع بعينين مفتوحتين على الحقيقة.
رواية خيبة المعارضات العربية التي "تثور" على سلطاتها، لكنها تنسى خلال ثورتها تلك أدواتها الخاصة فتستعين لتحقيق النصر بأدوات السلطة ومفاهيمها بل حتى ثقافتها. المعارض الذي يرفض السلطة ويطمح إلى تغييرها، يفعل ذلك وهو منكسر، يحلم بالنصر من أجل امتلاك السلطة ذاتها والتي يراها مصدر تأكيد لكيانه.
هي مرة أخرى رواية جارحة تذكّرنا برواية الكاتب الأردني الراحل تيسير سبول "أنت منذ اليوم" (جائزة جريدة "النهار" للرواية عام 1968) من حيث الأجواء النفسية التي تنداح في سطورها من بوابة الهزيمة واليأس وظلمة النهارات الخائبة.
مصعب، بطل الرواية، هاملت عربي آخر يذهب إلى صراعه مع الآخرين قبل أن يصفّي حسابه مع ارثه الشخصي المجبول بالوعي البائس والتردد وقصر الرؤية. وهو لذلك يحث خطاه منذ الصفحات الأولى نحو خسارات شاملة في الحب أولا ثم في العمل والسياسة، ليتوّجها بخسارة حياته الشخصية ومصيره الفردي.
من المهم الإشارة إلى حجم الفوارق الفنية الجدية والملحوظة بين هذه الرواية والتجربة الأولى، فوفيق يوسف ينجح هنا في تقديم أبطال حقيقيين يحملون ملامح واقعية، مثلما ينجح في "إدارة" حوادث روائية بجمالية عالية المستوى وفيها قدر كبير من فنيات التشويق، في سياق معمار روائي مشغول بعناية وكفاءة. رواية تفلت ببراعة من سلبيات الرواية السياسية بمباشرتها لتذهب نحو عالم من الأدب الحقيقي يمتلك مبرره وجدارته على حد سواء.

 

راسم المدهون

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...