المعارضة والغربيون يبحثون مرحلة ما بعد القذافي: خريطة طريق سياسية وتنافس على الثروات

03-09-2011

المعارضة والغربيون يبحثون مرحلة ما بعد القذافي: خريطة طريق سياسية وتنافس على الثروات

بدا أن المعارضة الليبية، ومعها العديد من حكومات العالم، ماضية في تعاملها مع التطورات الليبية كما لو أن حقبة معمر القذافي طويت نهائيا، ولهذا فقد شرعوا سريعاً في الإعداد لمرحلة ما بعده، على كافة المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، حيث أعلن المجلس الوطني الانتقالي خريطة طريق لانتقال السلطة في غضون 20 شهراً، عبر انتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور تجري على أساسه الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فيما يواصل الغربيون مشاوراتهم للبحث في سبل «بناء ليبيا الحرة»، وهو الشعار الذي يعكس في واقع الأمر رغبة في اقتسام خيرات البلاد في المرحلة المستقبلية.
وتتجه الأنظار اليوم إلى ما يمكن أن يجري على جبهة سرت مع انتهاء المهلة التي منحها الثوار الليبيون للقذافي لكي يستسلم. ويفيد الثوار بأن زعماء قبائل موالين للمعارضة وآخرين موالين للقذافي يجرون محادثات لتجنيب منطقة سرت مواجهة عسكرية، لكنهم لم يقدموا أي تفاصيل حولها.

وفي موازاة ذلك، يواصل الثوار استعداداتهم للمعركة الفاصلة على أمل القضاء على آخر معاقل كتائب القذافي في سرت، وهي مسقط رأس الرئيس الليبي المتواري عن الأنظار منذ أن سقطت العاصمة طرابلس الأسبوع الماضي.
وقد وصلت تعزيزات عسكرية طيلة الأسبوع من بنغازي، معقل الثوار في شرقي البلاد، إذ شوهد الآلاف من المقاتلين وقد تمركزوا في منازل تركها أصحابها على طول الطريق الموازية لخليج سرت. وأمام هذه المنازل المصادرة كان الثوار يعاينون أسلحتهم الخفيفة والثقيلة، وقد شوهد بعضهم وهم يعبئون قذائف من عيار 20 و30 مليمترا في أمشاط حديدية خاصة برشاشات ثقيلة ورشاشات مضادة للطائرات.
وتقوم فرق من المتطوعين بتأمين الطعام للثوار، والذي يتبرع به تجار أثرياء من المؤيدين للثورة، في حين يتوغل بعض الثوار داخل الصحراء، فيما ينتشر آخرون على طول الساحل تخوفا من أي تسلل يقوم به المقاتلون المناصرون للقذافي.
ومن الصعب معرفة ما هي الخطة العسكرية التي ستعتمد للهجوم على مواقع كتائب القذافي، مع العلم أن الكل يدرك أن الضربات الجوية التي سيقوم بها الحلف الأطلسي سيكون لها دور أساسي في التمهيد للهجوم البري على سرت.
في هذا الوقت، أعلن المتحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي الليبي جمعة القماطي أن الغالبية العظمى من الأراضي الليبية باتت مؤمنة، مشدداً على أن اعتقال القذافي أو قتله ما هو إلا مسألة وقت.
ولعل المعطيات الميدانية تلك تفسر بشكل أو بآخر إسراع المجلس الانتقالي الليبي والقوى الغربية في وضع قواعد اللعبة في ليبيا في مرحلة ما بعد القذافي على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية.
وفي إطار الترتيبات الأمنية، دعا مسؤول الداخلية في المجلس الوطني الانتقالي أحمد ضراط المتمردين الذين أتوا إلى طرابلس من مدن مختلفة إلى مغادرة العاصمة. وشدد على أن «طرابلس تحررت لذا يتعين على الجميع مغادرة المدينة والعودة إلى مدنهم»، مضيفاً أن «الخطر زال ومغادرة الثوار الآخرين أمر طبيعي»، وأن «ثوار طرابلس قادرون على حماية مدينتهم».
وكانت مجموعة من الثوار أعلنت مساء أول من أمس في العاصمة عن تشكيل «مجلس ثوار طرابلس» داعية الثوار من المناطق الأخرى إلى مغادرة المدينة.
أما في ما يتعلق بالترتيبات السياسية، فقد أعلن جمعة القماطي انه سيتم انتخاب مجلس تأسيسي في ليبيا في غضون ثمانية أشهر، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون 20 شهرا.
وقال القماطي مفصلا الجدول الزمني الانتخابي للمجلس الانتقالي «وضعنا خريطة طريق بفترة انتقالية من 20 شهرا». وأوضح أن «المجلس الانتقالي سيدير ليبيا لمدة ثمانية اشهر قبل أن يتولى مجلس منتخب من الشعب» السلطة لصياغة دستور، و«في غضون عام (من ذلك) سيتم تنظيم انتخابات»، مشيراً إلى أن «أمامنا ثمانية أشهر وعاما قبل الانتخابات النهائية التشريعية والرئاسية. ومع قليل من التوفيق سينتخب الشعب الليبي في غضون نحو 20 شهرا القادة الذين يرغب بهم».
وشدد القماطي على أن «العملية الانتقالية بدأت»، برغم استمرار المعارك بين الثوار والقوات الموالية لمعمر القذافي، موضحاً «طالما ان طرابلس مستقرة وآمنة، وهو واقعها الآن، وكذلك شأن معظم المدن، فبإمكان الليبيين بدء العملية الانتقالية».
أما على مستوى الاقتصاد وإعادة الإعمار، فقال المسؤول البارز في لجنة إعادة الاستقرار في المجلس الوطني الانتقالي عارف علي النايض، خلال اجتماع بشأن ليبيا مع الجهات المانحة وخبراء أجانب في باريس، إن خمس شركات نفطية عالمية، من بينها شركة «ايني» الإيطالية، عادت إلى البلاد وتسعى لاستئناف عملياتها.
وأشار النايض إلى أن تلك الشركات «لديها بنية تحتية قائمة... وقد أرسلت طواقم وفرقا متقدمة لإعادة تشغيل مصافي النفط، كتلك الواقعة في رأس لانوف».
وتابع «لقد استؤنف نقل الغاز إلى مشروع مليتة وبدأ الخام يتدفق مجددا إلى مصفاة الزاوية، ونتوقع مستوى جيدا من التشغيل قريبا جداً»، لافتاً إلى أن «الأمور تعود إلى طبيعتها».
وأشار النايض إلى أنه تم إجراء تقدير أولي لحالة المصافي في رأس لانوف والبريقة في شرقي البلاد، وأن الأضرار «ليست كبيرة»، معرباً عن اعتقاده بأن قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات عن الموانئ الليبية وشركات النفط سيساعد على استئناف الإنتاج البحري.
يذكر أن ليبيا، الدولة العضو في منظمة «أوبك» كانت تنتج 1,6 مليون برميل من النفط يوميا قبل اندلاع الثورة في السابع عشر من شباط الماضي، والتي دفعت بالعاملين الأجانب للفرار، في حين أسفرت المعارك عن إصابة بعض حقول النفط ومرافئ التصدير بأضرار.
من جهته، قال وزير إعادة الإعمار في المجلس الوطني الانتقالي أحمد الجهاني إن ليبيا تعول على استئناف إنتاج النفط سريعا لتنشيط اقتصادها. وأضاف أن «مسألة الأضرار ليست كبيرة ويمكن الحصول على المشتريات سريعا، وهذا تسهله حقيقة أن عقود الآبار المنتجة ممنوحة لشركات عالمية، ويمكن لهذه الشركات إرسال العاملين لديها إذا رأت أن ذلك ممكن».
وأعرب الجهاني عن أمله في أن يؤدي الإسراع في فك تجميد أموال ليبية قيمتها الإجمالية 15 مليار دولار إلى تقليل الحاجة إلى القروض، موضحاً «لا نسعى لأي تمويل مؤقت في الوقت الراهن... نسعى للحصول على أموالنا».
وكان الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات التي فرضها على المرافئ وشركات النفط والمصارف في ليبيا. وأدرجت النشرة الرسمية للاتحاد الأوروبي 28 كيانا ليبيا تم رفع القيود عنها، ومن بينها مرافئ طرابلس والخمس والبريقة ورأس لانوف والزاوية وزوارة، بالإضافة إلى شركة الخطوط الجوية العربية الليبية، وشركات نفطية من بينها «رأس لانوف لتصنيع النفط والغاز»، و«سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز»، و«الواحة للنفط»، و«المصرف التجاري الوطني»، و«مصرف الجمهورية»، و«مصرف الصحاري»، و«مصرف الخليج الأول الليبي».
وجاء قرار رفع العقوبات رسميا بعد يوم من اجتماع القوى العالمية في باريس، حيث تم الإفراج عن مليارات الدولارات لمساعدة حكام ليبيا الجدد في إعادة إعمار البلاد.
ومن المقرر أن يصدر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذين بدأوا أمس في إجراء محادثات في منتجع سوبوت البولندي توصيات حول كيفية المساعدة على استقرار ليبيا بعد انتهاء المعارك. وقال وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي إن الأمم المتحدة سيكون لها دور رائد في المساعدة في نزع السلاح واستتباب الأمن، لكنه أشار إلى أن الاتحاد الأوروبي أبدى استعداده للمساعدة في هذا المجال.
من جهته، قال وزير الخارجية الفنلندي اركي تيوميويا إن «الجميع يتفق على أن هذا يجب أن يكون تدخلا تقوده الأمم المتحدة، وليس من المرجح أن يكون ذا أي طبيعة عسكرية، فالليبيون قالوا لا للمراقبين العسكريين، ولا أي مهمة حفظ سلام»، لافتاً إلى أنه «ربما تبدو مهمة الشرطة الأكثر إمكانية في الوقت الراهن».
بدوره، شدد مبعوث الاتحاد الأوروبي لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط برناردينو ليون على ضرورة أن تضطلع دول أوروبا بمساعدة قادة ليبيا الجدد على إقامة حكومة جديدة وبناء الديموقراطية، مشيراً إلى أن مسألة بسط الأمن وإعادة الأعمار تحتل «مكانا مهماً» في سلسلة أولويات التعامل مع الملف الليبي.
وكانت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بدأت، خلال الأسبوع الحالي، البحث في السبل التي يمكن للحلف أن يدعم من خلالها المجلس الوطني الانتقالي في ضمان حدوث انتقال سلمي للسلطة في البلاد. ومن بين الخيارات التي تتم مناقشتها احتفاظ حلف الأطلسي بحظر على السلاح في ليبيا حتى بعد انتهاء تفويض الأمم المتحدة بفرض منطقة لحظر الطيران.
ويبدو أن التنافس على خيرات ليبيا قد بدأ فعلاً، فإلى جانب المحادثات التي تجري على مستوى مجموعة الاتصال الدولية والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، أعلنت كوريا الجنوبية أنها تعتزم إرسال خبراء في مصادر المياه إلى ليبيا خلال الشهر الجاري وسط مساع من جانبها للمشاركة والمساعدة في إعادة بناء ليبيا الجديدة.
وفي صوفيا، قال رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف إن بلاده ستسعى لاسترداد أموال تبرعت بها لليبيا في اطار صفقة أدت إلى الإفراج عن ممرضات بلغاريات كانت حكومة معمر القذافي قد حكمت عليهم بالإعدام.
وأطلق سراح خمسة ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني في العام 2007 بعدما أدينوا بالتسبب بإصابة ما يزيد عن 400 طفل ليبي بفيروس «اتش.آي.في».
وشطبت بلغاريا 56,6 مليون دولار من ديون الحقبة السوفياتية المستحقة على ليبيا مساهمة منها في الصندوق الدولي بعد ستة اشهر من الافراج عن الممرضات.
وفي موسكو، دعا مبعوث الكرملين إلى افريقيا ميخائيل مارغيلوف مسؤولي المجلس الانتقالي الليبي لزيارة موسكو، وذلك لإجراء محادثات بشأن مستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية بين ليبيا وموسكو.

المصدر: وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...