المنشآت الصغيرة في طريقها إلى الإفلاس

25-07-2006

المنشآت الصغيرة في طريقها إلى الإفلاس

يندفع السوريون نحو إقامة المشروعات الصغيرة لأسباب كثيرة، وقد يكون اهم هذه الاسباب على الاطلاق عدم قدرتهم على إقامة مشروعات كبيرة

لكن هذا السبب الرئيس لايحجم الاسباب الكثيرة الأخرى التي تجعلنا شعباً يلهث وراء صناعات لايعترف أحد بأهميتها ولاتولى الاهتمام والرعاية الكاملة وعلى العكس تتعرض لجملة من المشكلات التي تنوء بحملها والتي ستدفعها في نهاية الأمر الى الافلاس أو الاغلاق وكلاهما أمران أحدهما مر. ‏

إن أهم الاسباب لاندفاع الناس نحو الصناعات الصغيرة هو حجم رأس المال المنخفض المطلوب لإقامتها وبالتالي تشجيع الاشخاص الذين يملكون مبالغ محدودة خوض غمار هذه التجربة خاصة اذا كان هؤلاء الاشخاص من بيئة صناعية و تجارية لذلك نراهم فيها يتهافتون على إقامة مشروعاتهم الخاصة التي ينظرون اليها على أنها أحلام العمر.
وبطبيعة الحال فإن المنشآت لاتحتاج الى ادارة منفصلة فصاحبها يديرها بنفسه بمرونة مطلقة ونرى سهولة التحول نحو تكييف الانتاج حسب حاجات الزبائن. ‏

ومما يشجع أيضاً على إقامة هذه المشاريع عدم الحاجة الى منشآت كبيرة لذلك نراها موجودة في المحلات الصغيرة وأحياناً في البيوت وهي لاتحتاج الى قدر كبير من العمالة ولاتحتاج الى آلات كثيرة ‏

ويجب أن نعترف صراحة ان عدداً لايستهان به من هذه المنشآت يعمل في الظل وغيرمسجل في سجلات وزارة الصناعة بل إن وزارة الصناعة عاجزة عن معرفة أماكن وجود الكثير منها ولاتملك معلومات احصائية دقيقة عنها ‏

اما المسجل منها في وزارة الصناعة فيقدر بـ 120 ألف منشأة تقريباً وقد يزيد هذا العدد او ينقص حسب الظروف الاقتصادية لكن هذا هو العدد التقريبي لهذه المنشآت التي يتم تصنيفها عادة حسب عدد عمالها أو حسب حجم رأس مالها أو حسب نشاطها ونوعية منتجاتها ‏

هذه المنشآت بطبيعتها ضعيفة وتواجه صعوبات في الانتاج والتسويق لذلك نلاحظ أن عدداً من أصحاب هذه المنشآت يعملون في الظل بسبب الاجراءات الحكومية المتشددة التي ترتب عليهم التزامات ضريبية عالية ويعمل معظم هؤلاء بشكل خفي بعيداً عن أعين الرقابة وغالباً ماتشكل الاعباء المرتفعة التي ترفع كلفهم السبب الأهم لنشاطهم هذا. ‏

أما العاملون بشكل نظامي فلهم أيضاً مشكلات كثيرة تبدأ من تسجيل العمال في التأمينات ومروراً بتطبيق اجراءات السلامة أو التعليمات الخاصة بالرقابة الصحية والبيئة. ‏

وحقيقة الأمر أن الاعباء التي يفرضها التكيف مع القوانين والانظمة النافذة اكبر من قدرة هذه المنشآت على التحمل خاصة اذا أخذنا بعين الاعتبار ان الجهات الحكومية المسؤولة عن تطبيق الانظمة والقوانين لاتعطي هذه المنشآت امتيازات خاصة وتعاملها معاملة المنشآت الكبيرة ذات الإمكانات الضخمة ‏

وحرمان هذه المنشآت من أي امتياز خاصة في مجال الاعفاءات المالية والجمركية يدفعها للتحاليل على القانون وللعمل بعيداً عن رقابة الاجهزة الحكومية أو التعامل مع الثغرات ومع ضعاف النفوس فيها. ‏

والمشكلة الاكبر التي تواجهها هذه الصعوبات هي عدم قدرتها على مواكبة التطورات التكنولوجية الضرورية لرفع سوية وجودة المنتج ويجب ألايغيب عن البال أن هذه المنشآت بالأصل نشأت واقيمت لسد حاجة الناس من السلع الاستهلاكية ذات النوعية المتناسبة مع مستويات المعيشة. ‏

ولعل نقطة ضعفها الرئيسة في بلدنا انها ليست صناعات مغذية للصناعات الكبيرة كما هو الحل في الدول المتقدمة، وتعتمد هذه المنشآت في بقائها على تقديم سلع رخيصة الثمن وهذا الرخص سببه انخفاض الجودة وسوء الصنع. ‏

تدفع مجمل الظروف العامة التي نعيشها بهذه الصناعات الى طريقين لاثالث لهما: ‏

إما الافلاس نهائياً. أو العمل في ظل مديونية قد تستمر لبعض الوقت قبل أن تغلق أبوابها ‏ وهذا مايفسر إقامة منشآت صغيرة باستمرار وانقراض الكثير منها في حركة غير طبيعية وهذه ظاهرة غير صحية وليس دليل عافية. ‏

في مقدمة الاسباب التي تدفع لهذا الوضع عدم قدرة المنشآت على تأمين موادها الأولية بأسعار مناسبة فغالباً مايسيطر كبار التجار على اسواق المواد الاولية، وفي بلدنا ظاهرة معروفة فعندما نتحدث عن الحديد تعرف ان هناك ستة اسماء لكبار التجار الذين يسيطرون على تجارة الصنف ،وينطبق هذا الأمر على كل المواد الأولية حيث يحصل التاجر والموزع على نصيب كبير من الأرباح التي تؤمنها الصناعة، وهؤلاء يساهمون بشكل رئيس في تقليل هامش الربح ‏

ولاتستطيع هذه المنشآت الحصول على تمويل مصرفي مناسب بسبب عدم وجود ضمانات لديها مقابل القروض وارتفاع نسبة المخاطرة وقلة الخبرة وغياب الوضوح والشفافية في عمل المصارف والجهات الحكومية الأخرى، ويساهم ضعف كفاءة أصحاب هذه المنشآت التسويقية وحتى الفنية وعدم توفر خبرات عالية المستوى تعمل في هذه المنشآت.. معظم أصحاب هذه المنشآت يعملون بعقلية صاحب المحل الصغير ولايجيدون مسك الدفاتر والمحاسبة ولايملكون القدرة على التسويق الناجح، وغالباً مايتعرضون لمنافسة شديدة من نظرائهم ومن الشركات الكبيرة التي تخرجهم من الأسواق فوراً، وهذه المنشآت بطبيعتها معرضة للضغط اكثر من غيرها من العاملين في الدولة رقابة ـ صحة ـ مالية ـ ضمان ـ مواصفات.. الخ ‏

ويؤدي سوء التخطيط الى انخفاض انتاجية هذه المنشآت كما يؤدي استعمال الالات القديمة وارتفاع اسعار المواد الأولية الى تردي نوعية المنتج وارتفاع كلفته وبالتالي صعوبة تسويقه. ‏

السؤال الذي يطرح نفسه اذا كانت هذه أوضاعها فماهو مبرر وجودها؟ ‏

حقيقة الأمر ان الصناعات الصغيرة موجودة في كل دول العالم وخاصة في الدول المتقدمة ،وقد أظهرت تجارب جميع الدول الحاجة الى هذه المنشآت على الرغم من أهمية المنشآت الكبيرة ودورها: ‏

ويبرر وجود هذه المنشآت ضيق الاسواق المحلية ووجود نسبة مرتفعة من البطالة ‏ وتستطيع هذه الصناعات التي لاتحتاج الى رؤوس أموال كبيرة أن تتوزع في كل المحافظات وان تستقطب الآلاف من العاطلين عن العمل وتستقطب شرائح مختلفة من المجتمع وتستطيع تعبئة رؤوس الاموال المحدودة وتدل تجارب الدول الأخرى على قدرة كبيرة للدول على الاستفادة من هذه الصناعات وتوجيهها في المنحى المناسب، ففي الهند على سبيل المثال اتخذت تشريعات كثيرة لحماية هذه المنشآت ،وهناك اكثر من 1200 نشاط ممنوع ان تمارسها المنشآت الكبيرة، أما في مصر فقد ساهمت في استقطاب العشرات من الخريجين الذين لم يجدوا فرص عمل، وهناك برامج خاصة معدة لمثل هذه الصناعات، أما في سورية فهناك دعم محدود لهذه المنشآت وباستثناء ماقدمته الهيئة العامة لمكافحة البطالة فإن المنشآت الصغيرة تعامل في كل مؤسسات الدولة ووزاراتها تماماً كما تعامل المؤسسات الكبيرة، سواء من ناحية الترخيص او مزاولة العمل أو الضرائب أو الرسوم. ‏

ولانملك في سورية دراسات علمية معمقة لأوضاع هذه المنشآت ولا لعائد رأس المال المستخدم فيها ولا لعدد العمال باعتبارهم يتغيرون باستمرار ولا لحجم انتاج هذه الشركات ولا لأسواقها ولا للمنشآت التي تعمل في الظل ، لكن هناك دراسات تقديرية تشير الى ان 60 ـ 70% من هذه المنشآت تؤمن وفورات تزيد عن حاجة مالكي المنشأة، والى أن ذلك يتحقق عندما لاتلتزم المنشآت بالمواصفات القياسية في انتاجها ولا بالاجراءات والضوابط التي تضعها الجهات المختصة وتشكل صناعة الألبسة النسبة الأكبر من المنشآت التي تؤمن فائضاً مناسباً، كما ان معظم هذه المنشآت تبحث عن تمويل وحوالي 80 % يسعى لتطوير العمل دون ان يستطيع، ‏

لكن ثمة حقائق أخرى يجب ألا تغيب عن البال أولاً... أن الجزء الاكبر من هذه المنشآت رابح بدليل استمراره في العمل لكن هذا الربح معرض للذوبان عند أول تذبذب في أسعار العملات والانتاج ،ويتعرض لصدمات قوية عندما تتجه الاستثمارات نحو مجالات أخرى ‏

ثانياً: إن المنافسة الشديدة ستكون قادرة على ضرب هذه المنشآت ضربة قاسية خاصة عند السماح بالاستيراد ‏

ثالثاً: إن التجار يأخذون النسبة الاكبر من الربح على حساب الصناعيين ‏

ومن الملاحظ ان السبب الرئيس الذي يعوق نشاط هذه المنشآت هو نقص التمويل وعدم القدرة على الحصول على قروض مصرفية بسبب عدم امتلاك الوثائق الثبوتية اللازمة والضمانات التي تؤمن الحصول عليها. ‏

لذلك لابد من القيام بإعداد دراسة شاملة عن هذه المنشآت واتخاذ اجراءات تساعد هذه المنشآت على الوقوف على قدميها بعيداً عن الأعمال الخارجة عن الانظمة والرقابة.

جهاد النعسان

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...