الهجوم على حماس وتأثيراته على سورية

17-05-2007

الهجوم على حماس وتأثيراته على سورية

الجمل:    تواصل قتال الشوارع الفلسطيني- الفلسطيني، بين حركة حماس وحركة فتح، محولاً غزة إلى مدينة أشباح، وذلك على نحو باتت تداعياته تحمل المزيد من نذر الشؤم، داخل وخارج الساحة الفلسطينية.
اندلاع الصراع الفلسطيني الداخلي المسلح، الذي تصاعد بشكل مفاجئ، حمل معه الكثير من المفاجآت الأخرى، ومن أبرزها خطة الاقتحام العسكري الإسرائيلي، التي أصبحت على وشك التنفيذ.
• خطة الاقتحام العسكري الإسرائيلي- الأبعاد المعلنة:
صادق رئيس الوزراء الإسرائيلي يوم أمس على خطة الرد العسكري الإسرائيلي القوي على صواريخ القسام التي تم إطلاقها مؤخراً ضد إسرائيل، وتتضمن خطة الاقتحام تنفيذ الاغتيالات المستهدفة ضد قادة حماس الموجودين في قطاع غزة.
كذلك عقد أولمرت اجتماعاً للمشاورات الأمنية مع وزير الدفاع عامير بيريتس، ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، ورئيس الأركان غابي أشكينازي، ورؤساء أجهزة المخابرات. وذلك من أجل تبادل وجهات النظر حول التنسيق من أجل القيام بسلسلة من الإجراءات الهادفة إلى استهداف أولئك الذين يطلقون الصواريخ وقادتهم على النحو الذي يستأصل قدراتهم ويدمر البنى التحتية الإرهابية.
• خطة الاقتحام العسكري الإسرائيلي- الأبعاد غير المعلنة:
في المرات السابقة كانت اقتحامات القوات الإسرائيلية للمناطق الفلسطينية، تقوم على أساس اعتبارات الرد الإسرائيلي على هجمات الفصائل المسلحة، والآن برغم تصريحات الحكومة الإسرائيلية بأن خطة الاقتحام تهدف إلى الرد على هجمات صواريخ القسام، إلا أن الأداء السلوكي السياسي الإسرائيلي يعكس شيئاً مختلفاً هذه المرة، ومن مؤشرات ذلك:
- شاركت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في المشاورات العسكرية الأمنية التي أجراها ايهود أولمرت، ولما كانت مشاركة وزيرة الخارجية في خطة الاقتحام تعتبر أمراً جديداً في السياسة الداخلية الإسرائيلية، فإن هذه المشاركة تشير إلى أن خطة الاقتحام الجديدة سوف تندرج نتائجها ضمن أجندة السياسة الخارجية الإسرائيلية، وهو أمر تؤكده بوضوح عملية قيام وزيرة الخارجية بدءاً من مساء الأمس بإصدار التعليمات لسفراء إسرائيل في الخارج من أجل الشروع في إجراء المقابلات مع المسؤولين الدوليين ومسؤولي الحكومات الأجنبية، وأجهزة الإعلام الدولية، وشرح معاناة إسرائيل من الصواريخ والإرهاب، والعمل من أجل كسب وحشد الدعم والتأييد الخارجي لخطة الاقتحام العسكري الإسرائيلي.
- صرح شيمون بيريز نائب رئيس الإسرائيلي قائلاً بأن إسرائيل سوف تقدم المساعدة لمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، طالما أن فصيل فتح الذي يتزعمه محمود عباس يخوض الآن قتالاً ضد حركة حماس. و(استدرك) شيمون بيريز تصريحه أمام الصحافة العالمية، فأضاف قائلاً: إن إسرائيل لن تتدخل في القتال الدائر حالياً، ولكنها سوف تستجيب إلى أي طلب خاص يتقدم به محمود عباس طالما أنه يقاتل الإرهاب والإرهابيين.
- تحدث شلومو بروم المحلل بمعهد دراسات الأمن الوطني في جامعة تل أبيب، والرئيس السابق لإدارة التخطيط الاستراتيجي بالجيش الإسرائيلي) قائلاً بأن إسرائيل ليس لها الحق في القيام بعملية الاقتحام العسكري لقطاع غزة، طالما أنه في مقدورها استخدام الضربات الجوية للحد من الهجمات الصاروخية. وحذر من مغبة تورط إسرائيل في القتال الدائر حالياً بين حركتي فتح وحماس. وأضاف شلومو بروم قائلاً: إن الصراع بين فتح وحماس هو صراع دائر منذ فترة طويلة، وإذا كانت الفصائل الفلسطينية تقتل بعضها بعضاً، فلماذا تريد إسرائيل التدخل في هذا الوقت بالذات.

الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة:
على ضوء الموازنة والمعايرة بين الأبعاد (المعلنة) والأبعاد (غير المعلنة) لخطة الاقتحام الإسرائيلي الوشيكة، يمكن القول: إن تطبيق هذه الخطة يأتي ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية القديمة- الجديدة، فهي قديمة لأنها تمثل امتداداً لمشروع إسرائيل في مطلع الألفية الجديدة، الذي وضع مخططاته جماعة المحافظين الجدد المناصرين لتيار الليكود، بمعهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتطورة، في واشنطن، وقد حمل المشروع عنوان: (تخلص تام) أي ان تتخلص إسرائيل من كل التزام وتعمل على الاستفادة من المزايا الإقليمية والدولية المتاحة أمامها بسبب هيمنة أمريكا على النظام الدولي الجديد الذي اعقب سقوط القطبية الثنائية وانتهاء الحرب الباردة.
• تحليل الفرص والمخاطر:
تسعى إسرائيل لاستغلال وتوظيف الفرص المتاحة أمامها حالياً، وأيضاً تسعى إلى خلق المزيد من الفرص الجديدة التي تدعم أجندتها، ويمكن تحديد ذلك على النحو الآتي:
• الفرص المتاحة:
- بالنسبة للحكومة الإسرائيلية: هناك فرصة لاستعادة شعبيتها التي فقدتها طوال الفترة الماضية التي أعقبت حرب الصيف الماضي مع حزب الله اللبناني، وذلك لأن تنفيذ عملية عسكرية قوية تقوم بقتل المزيد من الزعماء الفلسطينيين وتدمير قدراتهم هو في حد ذاته عامل يؤدي إلى تعبئة وحشد الرأي العام الإسرائيلي لصالح حكومة أولمرت وتحالف كاديما الحاكم حالياً.
- بالنسبة للجانب الفتحاوي: هناك فرصة للقضاء على مركز القوة الرئيسي لحركة حماس، والتي تتمركز قوتها بشكل رئيسي في قطاع غزة، وذلك لأن اغتيال قادة حماس السياسيين والميدانيين والدينيين، وتخريب وتدمير المنشآت الخدمية والاستثمارية التابعة لحركة حماس سوف يؤدي إلى إضعاف الحركة بقدر كبير. كذلك الفرصة المتاحة أمام إسرائيل تعتبر هذه المرة أكثر جودة من المرة السابقة، وذلك بسبب الموقف المصري الجديد المتواطئ مع محمود عباس، والمتشدد إزاء حماس، وهو موقف برز بعد لقاء كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية بالمسؤولين المصريين على هامش مؤتمر شرم الشيخ الأخير، وأعقبته زيارة ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الأخيرة للقاهرة ولقاءه مع الرئيس المصري حسني مبارك، والذي صرح بعد  أيام من زيارة ديك تشيني، معلقاً على تصاعد التوترات بين الفلسطينيين في غزة (بأنه ينظر باهتمام بالغ لتزايد وتصاعد قوة ونفوذ حركة حماس في غزة).. وهذا معناه بوضوح أن مصر هذه المرة عند احتدام المواجهة مع قوات الاقتحام الإسرائيلي سوف تغلق أبواب الانسحاب والمناورة.. وإضافة لذلك يتطلع الإسرائيليون إلى فرصة تقوية منظمة فتح عن طريق القضاء على قوة حماس.
- بالنسبة للجانب العربي: تهدف إسرائيل إلى أن يؤدي إضعاف حماس وتقوية فتح إلى خلق فرصة تفكيك مبادرة السلام العربية، وذلك لأن إضعاف حماس معناه إضعاف الجانب الفلسطيني المتشدد في حق العودة، وعلى ضرورة التمسك بالموقف العربي الموحد إزاء الصراع العربي- الإسرائيلي.. أما تقوية فتح فمعناه تقوية الجانب الفلسطيني المطالب بالمضي قدماً في عملية أوسلو، وخارطة الطريق، وحل الدولتين، واعتبار أن الحسم النهائي لفضاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني هي قضايا ترتبط حصراً بمفاوضات الوضع النهائي التي سوف تتم فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبكلمات أخرى: هذا معناه تثبيت المسار الفلسطيني- الإسرائيلي كمسار منفصل عن مبادرة السلام العربية، وهذا ما تحدث عنه شيمون بيريز باعتباره أحد المطالب والأهداف الإسرائيلية الاستراتيجية في التفاوض مع العرب (راجع منظور شيمون بيريز لمبادرة السلام) وفي حالة انفصال المسار الفلسطيني يكون المطلب الإسرائيلي الثاني قد تحقق تلقائياً، وذلك لأن فصل المسار الفلسطيني معناه ضرورة وجود مسار عربي- إسرائيلي في المفاوضات، وهو أمر يتيح لإسرائيل الحق في عدم مناقشة القضايا الفلسطينية مع العرب طالما أن هناك مساراً خاصاً مع الفلسطينيين باعتبارهم أصحاب الشأن.
- أما بالنسبة للمخاطر فإن إسرائيل سوف تواجه المزيد من الانتقادات  الدولية، كذلك سوف يؤدي تحيزها إلى حركة فتح إلى تحيز الفلسطينيين والرأي العام العربي لصالح حماس، وسوف يضر ذلك بموقف حكومات المعتدلين العرب، بحيث تتوتر علاقات حكومات مصر والأردن مع الشأن المصري والأردني، وسوف يؤدي ذلك أيضاً إلى انهيار اتفاق مكة بشكل يترتب عليه انهيار مؤسسات السلطة الفلسطينية، وسيطرة التطرف على الرأي العام الفلسطيني، وانتقال عدوى الصراع الفلسطيني- الفلسطيني، والفلسطيني- الإسرائيلي من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، بشكل سوف تمتد تداعياته السلبية عاجلاً أم آجلاً إلى الشارع الأردني.
• إدارة الفرص والمخاطر:
تسعى إسرائيل إلى إدارة الفرص المتاحة أمامها من أ جل ضمان استقلالها بشكل مفيد يتيح لإسرائيل التقدم خطوة للأمام، على المسرح الفلسطيني، بحيث يترتب على ذلك التقدم خطوة عن طريق توليد واستغلال الفرص الجديدة، والتي تتمثل في الآتي:
- فرص ما بعد تفكيك مبادرة السلام العربية: وتتمثل في دفع العرب للقبول بتفكيك المسارات كأمر واقع، والانخراط في المفاوضات حول التطبيع والتعاون الاقتصادي مع إسرائيل، دون التمسك بالملف الفلسطيني، أو التمسك بموضوع حدود إسرائيل طالما أن الحكومة المصرية ليس لها مشكلة حدود مع إسرائيل، وأيضاً الأردن، وحكومة السنيورة، وفقط تبقى مشكلة الجولان، وفي هذه النقطة سوف تلجأ إسرائيل إلى المراوغة والحديث عن أن موضوع الجولان يجب أن يتم حصراً ضمن إطار المفاوضات الثنائية بين إسرائيل وسوريا، والتي سوف تنظر إسرائيل في أمرها بعد انتهاء التفاوض مع العرب.
- مخاطر ما بعد تفكيك المبادرة: وتتمثل في التغذية العكسية التي سوف تؤدي إليها تداعيات العمليات الوحشية التي سوف تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة وربما في الضفة الغربية، كذلك سوف تتمثل في احتمال تمسك الأطراف العربية بموقفها الموحد أكثر فأكثر، إضافة إلى أن مساندة إسرائيل لحركة فتح، سوف تؤدي إلى جعل الأطراف العربية والفلسطينية تنظر إلى حركة فتح كحركة متعاملة مع إسرائيل على النحو الذي يفقدها مصداقيتها الوطنية الفلسطينية وتصبح تماماً مثلها مثل جيش لبنان الجنوبي السابق الذي كان يقوده أنطوان لحد.
بالنسبة لسوريا، يمكن القول: إنه برغم أن الحكومة الإسرائيلية في تصريحاتها الخاصة باقتحام قطاع غزة لم تشر لا من بعيد ولا من قريب إلى سوريا، فإن سوريا تمثل النقطة الأكثر أهمية والتي تقع في قلب (اللعبة الكبرى) الإسرائيلية- الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ولكي نوضح ذلك نقول: إن كلاً من الفرص المتاحة حالياً أمام استغلال إسرائيل، وأيضاً الفرص التي ستتولد أمامها، هي جميعها تهدف إلى:
- إضعاف حماس والجهاد الإسلامي، وبالتالي إضعاف الأطراف الفلسطينية المؤيدة لسوريا، وهذا معناه إضعاف الدور السوري في الملف الفلسطيني.
- تقوية حركة فتح على خلفية تغييب حماس، معناه تقوية موقف حلفاء أمريكا وإسرائيل في المنطقة العربية، والذين يجمعهم (تحالف المعتدلين العرب)، وهذا معناه تقوية نفوذهم في الملف الفلسطيني، وأيضاً ملف مبادرة السلام العربية.
- تفكيك مبادرة السلام العربية، معناه فصل المسارات، وهذا معناه أن تدخل إسرائيل في اتفاقيات مع الدول العربية الأخرى وبالتالي تقضي على ملفات عدم التطبيع، وتنخرط في علاقات اقتصادية مباشرة مع بقية دول المنطقة، وسوف تضغط أمريكا بشدة على ضرورة المضي قدماً في هذا التعاون.
- فصل المسارات سوف يدعم توجهات فصل مسار ملف الجولان، وسوف تكون إسرائيل أكثر رفضاً لمبدأ الانسحاب من الجولان، طالما أنها حصلت على ما تريد من العرب.
- لبنان سوف يكون المحطة القادمة للاحتلال العسكري الإسرائيلي، وذلك لأن اقتحام غزة بالقوة العسكرية سوف يؤدي لحشد التعبئة الفاعلة في الشارع الإسرائيلي العدواني.. وسوف تنطلق طاقة العدوان هذه المرة للقصاص والانتقام من حزب الله اللبناني.. خاصة أن شيمون بيريز قد صرح بشكل غير مسبوق بأنه لا داع للمزيد من القرارات الدولية لكي يتم نزع سلاح حزب الله ومراقبة الحدود السورية- اللبنانية.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...