بروكسيل العاصمة المجهولة للفن المعاصر

04-04-2007

بروكسيل العاصمة المجهولة للفن المعاصر

حقّق متحف «أرميتاج» (لوزان) نجاحاً إذ استقطب اهتمام الأحداث التشكيلية للموسم الأوروبي الراهفرناند كنوف: بورتريه مارغريت (زيتية على قماش، 1887)ن، وذلك من خلال معرض استعادي بعنوان «كشف الحجاب عن المعاصرة البلجيكية». ترددت اصداؤه في باريس من خلال عدد من المعارض النظيرة، فاحتلت اخباره صفحات رحبة من النقد والإعلام.

تقع اهمية المعرض في انه الأول من نوعه، يؤكد للمرة الاولى ان بروكسيل هي العاصمة المخفية للفن المعاصر. ربما يرجع السبب في هذا الغياب «ان بلجيكا كانت آخر دولة اوروبية تحصل على استقلالها كمملكة عام 1830، لذلك فإن صعود ريادتها في الفن يعود الى الازدهار الاقتصادي الذي أعقب هذه المرحلة، لذلك تخصص المعرض بنهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، أو بشكل متزامن مع التيارات النظيرة في باريس والتي فتحت بوابة الفن المعاصر.

مع بواكير «الانطباعية»، ولا بد هنا من متابعة هذا التوازن حتى لا يبدو سياق المعاصرة في بروكسيل معزولاً على رغم تميز فنانيه، تختص الأعمال الفنية المعروفة (من لوحات ورسوم ومحفورات طباعية) بالتحول في تلك الفترة الانعطافية من «الانطباعية» الى «ما بعد الانطباعية» ومن «الرمزية» الى «التعبيرية».

يناظر هذا التحول بصيغة مثيرة ما جرى في باريس قبل عقدين، نذكر ان «صالون المرفوضين» الذي أعقب رفض لجان التحكيم لأعمال رواد المعاصرة في الصالون الرسمي كان عام 1863 في باريس، هو ما جرى في بروكسيل في رفض محكمي الصالون الرسمي في بروكسيل عام 1851، أعمال الأسماء المعروفة، يعبّر احد المحكمين عن رجعية نقدهم بقوله: «من يقرر ان يعرض لدينا عليه اولاً ان يتعلم الرسم وإلا يعرض في بيته». وهكذا قامت «حركة العشرين» التي تمثل هؤلاء الرواد المرفوضين لتعلن خصومتها «مع كل ما هو اكاديمي أو ببغائي مكرور».

قامت هذه المجموعة بدور الزلزال الذي انعطف بالترهل الأكاديمي باتجاه رحابة المناظر المحلية وقزحية اللون وصولاً حتى غلبة التعبير والحدس عن الواقعية والمثالية، عبوراً من الإلماحات الرمزية التي أتت بتأثير بعض الأدباء القادمين من باريس، الواقع ان «جماعة العشرين» استضافت انواع مبدعين وتأثرت بهم ابتداء من الأديبين: بول فيرلين ومالارميه وانتهاء بالموسيقيين غابرييل فوريه وتشايكوفسكي، واستضافتهم خاصة لرواد المعاصرة التشكيلية في هذه الفترة في باريس، فبعد واقعية كوربيه عبرت الى اساليبهم «التجزيئية – التنقيطية» التي حملها معرض جورج سورا، عرض الأول لوحة «الحجارون» وعرض الثاني «يوم أحد في منتجع غات».

ثم أخذ «الصالون الرسمي» يدعو بدوره بنوع من التنافس والعدوى أقطاب «الانطباعية» الفرنسية، وعلى رأسهم كلود مونيه ثم رنوار وبيسارو وموريزو وغيرهم. انتشرت بذلك مبادئ الانطباعية الفرنسية التي تقتنص لحظياً خصائص النور والطقس الضوئي العابر في المناظر. الى جانب النحت الانطباعي بتأثير رودان. كما انتقلت الانطباعية الأميركية من طريق عرض ويسلر.

وهكذا بدأ الاحتكاك التشكيلي وتبادل المعارض بين باريس وبروكسيل. فان روسلنبرغ يلتقي لوتريك في باريس، ثم يعرض بول جوجان في بروكسيل، يليه فان غوغ، آنا بوش العضو في «جماعة العشرين» اشترت في حينها من فان غوغ لوحتين بمبلغ متواضع. ثم يبدأ جيمس انسور (1860 – 1940م) العرض في باريس مع لوحته: «دخول المسيح الى بروكسيل».

الواقع ان هذا الفنان هو الوحيد الذائع الصيت خارج الكوكبة من «جماعة العشرين» عرف بحشود اقنعته وكرنفالاته القيامية التي تعبر عن عبثية الموت، وكان الملك قلده عام 1925 لقب «بارون». يشتمل المعرض على لوحته الشهيرة «الأقنعة التآمرية» منجزة عام 1930. مر هذا الفنان بشتى المراحل المذكورة، بل وظل يتراوح بينها حتى انه كان يصوّر بشكل متزامن المناظر الانطباعية مع تشكيلاته الرمزية – التعبيرية المشار الى نماذجها.

بدأنا نتعرف على اسماء لم تكن معروفة، تملك خصائص ليلية متمايزة، مثل لومين وهنري فان فيلد ودوكوف وروسلبرغ وكنوف وغيرهم. وهنا نعبر الى الجماعة الثانية التي كانت المحرك الجديد للمعاصرة، وهي جماعة «الجمالية الحرة» التي تأسست عام 1894 وظلت ناشطة حتى بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914. وذلك بعد ان حلت «جماعة العشرين» تجمعها بصيغة طوعية خوفاً من السقوط في التكرار بعد عشر سنوات من احتلالهم للعرض في «قصر البوزار» في بروكسيل.

أسعد عرابي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...