درعا: الحوار الذي غاب يعود بين الأهالي والسلطة

16-05-2011

درعا: الحوار الذي غاب يعود بين الأهالي والسلطة

أبدى محافظ درعا محمد خالد الهنوس ارتياحه صباح أمس، لحركة المدينة. «اليوم هو أول يوم حياة طبيعية» يقول أحد السكان، إذ عادت الدوائر الرسمية للعمل، فتجمع المواطنون أمام مبنى المحافظة والمصارف، كما يشهد الشارع حركة حيوية لموظفي الخدمات من نظافة ومياه وكهرباء، فيما ترن الهواتف الجوالة في قاعات المباني الإدارية بعد أن أعيد تشغيل الشبكة أمس الأول، ولا يظهر الجيش في أي مكان، من المدينة، وإن تواجد الجنود على مداخلها  للتدقيق في أوراق الداخلين إليها.ساحة المحطة الرئيسية كما بدت أمس من على سطح قصر المحافظ(«السفير»)
«اليوم  الوضع ممتاز»، يقول الهنوس قبل أن يستكمل «بالمقارنة مع ما شهدناه سابقا». ثم يضيف وهو الذي «يسكن» مكتبه منذ ان التحق على عجل بعمله في الرابع من نيسان الماضي « لا يستطيع احد أن يتجاهل أن الوضع لم يكن طبيعيا الشهر الماضي، لذا عودة الحياة لطبيعتها هي تقدم إيجابي». في مكتب الهنوس الذي يطل على شارع عام رئيسي يصل مدخل المدينة تقريبا بساحة المحطة الرئيسية، تكثر الحركة. يتنقل الهنوس بين مكتب داخلي وآخر أكثر اتساعا. يبتهج لرؤية الإعلاميين، ويرحب بكل تساؤل. في القاعة الرئيسية أيضا ضباط ورجال شرطة ويبدو المكتب كـ«برج عمليات» . لا يخفي الرجل السبعيني دهشته مما وصلت إليه الأمور في المدينة، وهو الذي عاش فيها 27 عاما. إذ لم يسبق أن شعر الرجل الذي «يعرف المحافظة شبرا شبرا» - أو تخيل - بما آلت إليه الأمور فيها. وهو شعور عام ليس لدى السلطة فحسب، بل لدى عامة الناس في الشارع بمن فيهم المحتجون، الذين يجيبون بهز الرأس نفيا إن كان لأحد منهم أن «يتخيل» ما وصلت إليه الأمور من تعقيد.
يقول الهنوس إنه من الخطأ اعتبار ما جرى في درعا نابعا من خلفيات مرتبطة بطريقة تعاطي الدولة مع المحافظة، مشيرا إلى أن هذه المحافظة كانت دوما «مدللة» من قبل الدولة. ويوضح الهنوس أنه في العام 1979 لم يكن هنالك قرية في كل درعا لا تصلها طرقات معبدة، وأن الكهرباء دخلت كل بيت فيها في العام 1982، منوها أيضا بعدد كبير من المسؤولين السوريين الذين ينتمون للمحافظة. إذاً، ما هي العوامل الرئيسية التي يمكن استخلاصها من أحداث درعا؟ يرغب الهنوس أولا في أن يؤكد أن «الإعلام السلبي كان يشكل نصف» مسببات تفاقم الأزمة، فيما كانت العوامل الأخرى تمثل النصف الآخر، وبينها توافر السلاح في المنطقة بشكل مكثف بسبب «التهريب النشط» بين الأردن وسوريا في هذه المنطقة، ووجود تيارات إسلامية في بعض المناطق عملت على التجييش، كما دخول المال على خط التحريض وتوافر العامل الخارجي الذي لم يزود بالمال فحسب بل أيضا بشبكة الاتصالات التي تم تفكيكها ولا سيما الفضائية منها، الأمر الذي أشعل «الأضواء الحمراء» لدى القيادة السورية، خصوصا بعد أن شرح الهنوس أن «الفرقة الاجتماعية» بدأت بالظهور في المدينة وريفها بين فئتين، فئة أخذت على عاتقها «أخذ حوران إلى المجهول» وأخرى ترغب في عودة الهدوء والاستقرار للمدينة.
وقال الهنوس إن «وحدات الجيش  تدخلت بناء على طلب الأهالي فقامت بما هو بمثابة عملية جراحية بأقل قدر من التكاليف»، مشيرا إلى أن طول أمد العملية كان الغاية منه هو الحد من عدد الضحايا.  معلومات مشابهة تسمعها في طرق درعا، عن «مجموعات « تخالف تسميتها بين «مخربة ومسلحة ومتمردة» دخلت المؤسسات العامة في المدينة وفي ريفها مطالبة بإزالة رموز النظام والامتثال «لسلطة المحتجين»، وهي سلطة تغيب تماما بالطبع الآن، حيث يثني المحافظ على تعاون الأهالي مع السلطات في استعادة الأمن، مشيرا إلى أن «المحتجين يشكلون نسبة ضئيلة من المدينة « التي يشكل سكانها كمحافظة بدورهم 4 في المئة من سكان البلاد ويشغلون 2 في المئة من مساحتها. وأصوات الأحتجاج التي وجدت خلال الجولة التي نظمتها وزارة الإعلام السورية، كانت تركز بشكل عام على الأيام الثلاثة التي قضتها المدينة دون كهرباء، كما لحصر التجول في ساعات محددة. وفيما اشتكى البعض من غياب حاجيات أساسية في تلك الفترة قدم آخرون ممن تجمعوا حول الوفد الإعلامي أوراقا تثبت سماح الجيش وقوى الأمن لتجار الأغذية بإدخال الطعام وتوزيعه على التجار المحليين، فيما قالت امرأة ان الجيش هو من كان يتولى توزيع الخبز في المدينة.
لكن، ماذا عن الغد؟ يرغب الهنوس بأن يقدم جوابا متفائلا، خصوصا أن حوارا يوميا يجري مع الأهالي والوجهاء من مختلف المناطق. وهو يقول انه منذ يومين استقبل وفدا من «درعا البلد» التي شكلت بؤرة الاحتجاج والمواجهة المسلحة معا، ليستمع من اعضائه ويستمعوا منه. ويرى أن «الحوار» الذي كان اساس المعالجة بدأ يسترجع نشاطه بعد أن توقف بعد لقاء هام جمع الرئيس السوري بشار الأسد مع خمسين من ممثلي الأهالي والمحتجين من درعا، انتهى إلى تفاهمات ما لبثت أن خرقت في اليوم التالي من قبل ناشطي الاحتجاج. لذا يقول الهنوس إن كل وفد يستطيع أن «يضمن» امن واستقرار بلدته نتعاون معه، إلا في حال حصول مواجهات مسلحة «حينها يصبح مطلوبا تسليم كل من حاول الإساءة للأمن». ويعترف الهنوس بأن صوت الاحتجاج لن يتوقف وهو موجود لكن نسبته قليلة، ولا يستثني التذكير بأن مطالب الكثير من المحتجين كانت شرعية والسلطة مستعدة للاستماع. لكنه يبدي خشيته من «العامل الخارجي  ومن إمكان تصعيده» مشيرا إلى أن درعا تملك حدودا بطول 96 كيلومترا مع الأردن، وأن قرى بأكملها تعتاش على التهريب، الأمر الذي يفسر هذا الكم من السلاح في المنطقة، وأن «ساقية صغيرة يمكن اجتيازها قفزا تفصل بين حدود البلدين».

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...