زوكربرغ على خطى عصابات الهاغانا: فايسبوك يحجب صوت فلسطين

02-07-2016

زوكربرغ على خطى عصابات الهاغانا: فايسبوك يحجب صوت فلسطين

عانى الناشطون في لبنان خلال الشهر المنصرم من إقدام إدارة الفايسبوك على إغلاق صفحاتهم الشخصية (profile) كما العامة (Page) بمجرّد نشرهم صورة الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله أو صوراً تظهر تأييدهم للمقاومة ضد العدو الصهيوني.

في البداية، كان الأمر يمرّ بإغلاق الصفحة الشخصية (كما العامة) لأيامٍ معدودة. إلا أنَّ الأمر أصبح «قطعياً»، مما يجبر صاحب العلاقة على تأسيس صفحة جديدة (شخصية أو عامة) من الصفر. هنا، يلجأ الفايسبوك بالطبع إلى التأكد من هوية صاحب الحساب الجديد عبر الطلب منه تارةً «بطاقة هويةٍ» تعريفية رسمية (Id card)، أو حتى قد يكون أكثر «حزماً» معه بدعوى أنّه «ينشر فكراً متطرفاً» (Terror, Extremist, or Harmful Content)، مما يقضي حكماً ــ وفق سياسة الموقع (أي الفايسبوك مثالاً) بإغلاق الصفحة بالكامل. يحدثنا الخبير في مواقع التواصل الاجتماعي والناشط باقر كركي أنّ «البنية التحتية للشبكة وتحديداً الشبكة التي تتيح لهذه المواقع تقديم خدماتها، تسيطر عليها الولايات المتحدة الأميركية بطريقة أو بأخرى. كما أنّ شركة فايسبوك تحديداً تستقر تحت سيادة حكومة الولايات المتحدة. تصميم سنان عيسى
وبالتالي، فهي ترتبط بشكلٍ لا يمكنها الفكاك منه بالدوائر الأمنية في الحكومة الأميركية. وهذا يستدعي عدم انتهاكها - بشكل مزعج- للسياسات التي «تتمناها» عليها وكالات الامن والاستخبارات الأميركية، كونها هي بذاتها من أهم الزبائن الاستراتيجيين لدى فايسبوك على مستوى شراء المعلومات والخدمات». لكن الأمر لا يقتصر على التنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة فحسب، بل يتعداه إلى أكثر من ذلك.
هنا يُطرح سؤال: هل تأتي خطوات مواقع التواصل الاجتماعي كالفايسبوك والتويتر (وسواهما لاحقاً كغوغل مثلاً) «بريئة» من دون أي ضغط صهيوني من أي نوع؟ يحضر إلى الذهن التصريح الذي أدلت به وزيرة العدل الصهيونية ــ شديدة العداء للعرب ــ عيليت شاكيد (في 6 يونيو /حزيران 2016) في المجر إثر مشاركتها في مؤتمرٍ لمكافحة معاداة السامية والصهيونية. يومها، قالت بأنّ الفايسبوك والتويتر سيغلقان أكثر من «70 في المئة ليس من الحسابات المؤذية والمضرّة فحسب، بل ومن المشاركات (posts) حتى». وبحسب موقع «يديعوت أحرونوت» الذي أفرد مطولاً للحديث عن الفكرة، أشارت الوزيرة الصهيونية إلى أنَّ موقعي التواصل الاجتماعي العملاقين سيعملان على إزالة أي مواد من شأنها «التشجيع على العنف والقتل». شاكيد عادت وأكدت الفكرة بعد أيام، مشيرةً إلى «نجاح» ما طلبته بشكلٍ «مباشر» و«رسمي» من مواقع التواصل الاجتماعي وبأنَّ الأمر سيظل كذلك لأنَّ «هناك رابطاً أساسياً بين التحريض والتشجيع على العنف عبر تلك المواقع وما يحصل على الأرض لدينا».
الأمر ذاته تكرر قبل أيامٍ قليلة (23 يونيو، مما يدل على عمل الكيان العبري الدؤوب على الموضوع من دون إهمال أو تراجع) حين اجتمعت الوزيرة المذكورة يرافقها وزير الأمن العام جلعاد أردان بمسؤولين من الفايسبوك لحثهم على المزيد من التعاون. وكانت وكالة «جيانهو» الصينية قد أوردت الخبر، مؤكدةً أنَّ الوزيرة قد أشارت إلى أنَّ «مواقع التواصل الاجتماعي تستعمل كأداةٍ أساسية للتحريض على العنف ضمن موجات الاعتداءات المتكررة». وبحسب الخبر، فإنَّ اللقاء كان بهدف تمرير قانون يسمح للدولة العبرية بإرسال «تحذيرات» إلى هذه المواقع بوجود «مواد محظورة» عليها (سواء أكانت صفحات أو مجرد مشاركات). وإذا لم تحذف ضمن وقتٍ محدد، فإن القضاء سيلجأ إلى إصدار قرار ملزم «بالحذف». إذاً، هذه الرقابة الالكترونية تستهدف بشكل مباشر الناشطين المؤيدين للقضية الفلسطينية والمقاومة ضد الكيان العبري.
وكانت هذه القضية قد بدأت في العام الفائت إبان أحداث الهبة الفلسطينية (وتحديداً في أكتوبر وفق ما أوردت صحيفة «أوقات إسرائيل»)، حين تعرض الفايسبوك إلى المقاضاة من قبل مركز «شورات هادين» (ٍShurat HaDin) القانوني المقام احتلالاً في تل أبيب. تقدّم المركز بدعوةٍ لتمثيل أكثر من 20 ألف «مواطنٍ» من الكيان العبري لإيقاف الموقع عن «التحريض على العنف من خلال سماحه لمجموعاتٍ فلسطينية بالتواجد على صفحاته»؛ مطالباً بحذفها ومنع تواجدها بشكلٍ قاطع.
ورغم أنّ عدد الشهداء الفلسطينيين تعدى المئتين (بحسب المقال نفسه) وعدد قتلى الصهاينة لم يتجاوز الثلاثين، فإن الدعوى القانونية ــ على ما يبدو- قد زعزعت ثقة الفايسبوك بنفسه، مما جعله يغلق هذه الصفحات لاحقاً.
التطبيق الأوّل لهذه السياسة بدأ بإغلاق صفحة الناطق الرسمي بلسان كتائب الشهيد عز الدين القسام أبو عبيدة. وكانت تلك المرّة الأولى التي تتعرض فيها صفحات «رسمية» فلسطينية للإغلاق بهذه الطريقة (رغم أنّ أبوعبيدة عاد وظهر على صفحاتٍ أخرى أنشئت حديثاً، مؤكداً بأنهم- أي كتائب القسّام- سيكونون «متواجدين بطرقٍ خلاقة أكثر، وسيصل صوتنا إلى الملايين»). في المقابل، أغلق تويتر عدداً كبيراً من «الصفحات» الشخصية والعامة، كما محا عدداً كبيراً من التغريدات تحت المنطق والحجّة ذاتهما.
ضمن الإطار عينه، نَشَّط الموقعان نوعاً جديداً من التقنيات الرقمية الحديثة التي تمكنهما من ملاحقة هذه المواد «غير المرغوب بها» و«المضرّة» بحسب الاتفاق مع الصهاينة. وفق ما جاء في مقالة نُشرت على موقع BGR الإلكتروني المختص بالتقنية، فإنَّ فايسبوك سيغلق أي صفحة تعود إلى منظمة «إرهابية»، كما إنَّ أي «ابتهاج» (احتفال/ تأييد/ مشاركة) بهذا النوع من «الأنشطة الإرهابية» سيؤدي إلى حذف الحساب تبعاً لسياسة الموقع. اللافت أنَّ الموقعين المذكورين يتجاهلان بشكلٍ واضح أنشطة جبهة «النصرة» التي يتحرك نشطاؤها بحريةٍ كبيرة، مشاركين العديد من الصور والفيديوهات بلا حسيبٍ ولا رقيب. بالتأكيد لا يمكن نقاش «علاقة» النصرة (كما كثيرٌ من فصائل المعارضة السورية) بالكيان العبري، إذ لا يزال جرحى «الجبهة» (وبعض قادتها الرئيسيين من ضمنهم) يعالجون في الكيان العبري حتى اللحظة!
ضربني وبكى!

على الرغم من كل الدعم الذي يقدّمه الفايسبوك للكيان العبري بشكلٍ علني ومباشر، فإن ذلك لا يعني بأن لا يلجأ بعض الناشطين العبريين إلى أسلوب «التدليس». هذا ما حصل مع صفحة The Israel Network التي تعرضت لحملة من التبليغات من ناشطين مؤيدين للقضية الفلسطينية بهدف إغلاقها وفق ما يؤكد صاحبها أوري سيلبرمان. أشار الأخير إلى أنَّ «هناك هجماتٍ منظّمة لناشطين مؤيدين للقضية الفلسطينية ضد الصفحات العبرية». بحسب سيلبرمان، فإن القضية بدأت حين نشر صورةً لجنودٍ صهاينة «يطعمون» طفلاً فلسطينياً بعدما «ضلّ» طريقه. ينشر هذا النوع من البروباغندا على مواقع التواصل بهدف تحسين صورة جيش الاحتلال وتقديمه على أنّه «حميم» و«حنون». هذا الأمر لم يرق للناشطين المؤيدين للقضية الفلسطينية، فبدأوا بكتابة مشاركاتٍ هجومية، فما كان من سيلبرمان إلا أن بدأ بحذفهم وطردهم من الصفحة؛ مما جعلهم يبدأون بتلك الحملة من التبليغات ما أدى الى إغلاق الصفحة. طبعاً لا يبدو أن الخبر أكثر من زوبعةٍ في فنجان لإضفاء بعضٍ من «المظلومية» على ما يحدث للصهاينة كعادتهم.

قرار مخيف

يوضح لنا الناشط باقر كركي بأنَّ القرار الصهيوني (إلزام الفايسبوك بحذف بعض المواد «للإشتباه فيها») مخيف فعلاً إذا ما حللناه، إذ «يمكن للفايسبوك مثلاً إزالة صفحتك الشخصية بلمح البصر لمجرّد أنك وضعت صورةً عادية تحمل فيها علماً فلسطينياً، أو حتى كلمة فلسطين، أو أياً من الكلمات المفتاحية المعتادة التي ترمز للقضية الفلسطينية أو للمقاومة». وقد يتحوّل الأمر بعد فترةٍ إلى «ملاحقة» الأشخاص الذين يضعون هذه الصور «إلكترونياً» أي غلق حسابك على الفايسبوك، ليتبعه التويتر، ولو كنت لا تستعمله في أيٍ شيءٍ «ضار» بحسب الفكرة ذاتها، ليصار إلى القضاء على وجودك على الشبكة العنكبوتية الكترونياً واجتماعياً. هذه «الملاحقة» الافتراضية للناشطين ليست الأولى من نوعها التي يقوم بها الكيان العبري. هو كان قد خصص خلال حرب غزّة الماضية (2014) وحدةً تختص بالهجمات الإلكترونية/ الاجتماعية الموجّهة تحت مسمّى «الهاسبارا». ضمت آنذاك أكثر من 4500 تلميذ جامعي تم تجنيدهم بهدف الدفاع عن مصلحة دولة الاحتلال افتراضياً على مواقع التواصل الاجتماعي.

عبد الرحمن جاسم

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...