سينما الـ"متواصل" بحلب تقدم عروضاً خاصة للمراهقين

30-10-2006

سينما الـ"متواصل" بحلب تقدم عروضاً خاصة للمراهقين

الجمل ـ حلب ـ باسل ديوب: ينتظر أصحاب دور السينما في حلب قدوم العيد، لكي يستعيدوا مشهد الاكتظاظ أمام صالاتهم، والذي غاب عنها تماماً في الأيام العادية  منذ عقدين وحتى الآن.
فخلا أيام قليلة مرتبطة بأفلام بعينها لم تملأ صالات العرض الحلبية بالمشاهدين، الأمر يتعلق بأزمة جذرية لم تفلح المراسيم ، والتسهيلات الكثيرة التي قدمت في إعادة طقس المشاهدة السينمائية إليها.
لكن الأمر أصبح  يختلف أيام الأعياد فكلمة " متواصل " تكاد تغيب عن ألسنة " الوشيشة " الواقفين أمام الصالات، وهي الكلمة السحرية التي تعني أن الداخل إلى دار العرض يمكنه تمضية النهار كله حتى ساعة متأخرة من المساء في الصالة، وذلك  دون مساءلة،وبإمكانه أن يشاهد أيضاً ثلاثة أفلام، وهي بالطبع (المتواصل) ما ينسب إليها مزيداً من تدهور أوضاع الصالات، وشروط المشاهدة، ففي أيام العيد فقط  يتم إخلاء الصالة فور انتهاء الفيلم  لأن عدد المشاهدين كبير، وعلى من يريد البقاء شراء تذكرة ثانية.
لكن إحدى الصالات حافظت على طقس المتواصل، يقف "محمد صابوني "أمام المدخل المؤدي إلى الصالة لينادي أربعة أفلام...  أربعة أفلام بأربعين الفيلم بعشرة ...الفيلم بعشرة !!
وهذا ما يدفع " سامر " وهو على ما يبدو عليه من أنواع المراهقين الذين انشقت الأرض وأخرجتهم، لإخراج عشر ليرات، والمطالبة بمشاهدة فيلم واحد. يفاجأ " محمد " بالعرض، ويعرض عن قبول العشر ليرات فالقطع بالجملة وليس بالمفرق.
على الرصيف يقف نور و رأفت قعدوني، وقد أشعل كل منهما سيجارة، يحاولان إخفاءها عند رؤية الكاميرا،  بحركة سريعة يحاولان إطفاء سيجارتيهما، التطمينات تجدي في نهاية المطاف حديثاً حول السينما، ففي البداية ينكر الاثنان رغبتهما في حضور أي فيلم، وبالأخص أن الأفلام فيها "مقاطع" ساخنة،  لكن نور يفضل الدخول إلى فيلم عادل إمام "السفارة في العمارة" فهو خال من "المقاطع"
والمقاطع لا تعني مشاهد غرامية، أو جنسية في سياق الفيلم بالضرورة، بل هي وصلات متفاوتة "الحرارة الجنسية " مقتطعة من شرائط أفلام بورنو 35 مم، و مضافة إلى الفيلم المعروض، تقطع سياق الفيلم وتلهب مخيلات المراهقين والحضور وأشياء أخرى أيضاً.
لا تقوم بذلك كل الصالات، فأحد ممن التقينا هم، ورفض بشدة ذكر اسمه قال " نحن لا نفعل ذلك لا في العيد ولا في غيره، لدينا موقف أخلاقي من ذلك، صالتنا تركز على أفلام الكاراتيه، والأفلام الهندية، وهذه ما زال لها جمهور مقبول، عرض المقاطع يرتبط بمديرية الثقافة ودرجة رقابتها على الأمر "
الثقافة مسؤولة عما يعرض في الصالات، يأتون معززين مكرمين و يغادرون بمثل ما استقبلوا به من حفاوة وتكريم.
يرفض محدثنا الخوض في تفاصيل أكثر عما يمكن أن يجري في الصالات من حالات تحرش جنسي، فمحمود وهو فتى في الرابعة عشرة من عمره ينتظر ابن عمه " حسان "، لا يجرؤ على الدخول بمفرده، والسبب كما يقول الخوف من التحرش الجنسي " يوجد زعران، وناس غير محترمين في السينما يحاولون الإساءة إلى صغار السن الذين يكونون بمفردهم، لقد تعرضوا العام الماضي لطالب من مدرستنا، وحاولوا معه لكي يذهب معهم إلى البيت، وحصلت مشكلة ... "
السينما في العيد طقس مقدس عند المراهقين فبإمكانهم تجريب التدخين العلني كـ " رجال " أمام الملأ بزهو، ودون خشية الأهل، يقول الدكتور " عمر ألتنجي " الأستاذ في كلية التربية - جامعة حلب: " من سمات المراهقة إثبات الشخصية، ومن وجوه ذلك تقليد الكبار بأفعالهم، كالتدخين، وارتياد السينما يمكنهم من التدخين في الخفاء أو بعيداً عن أعين الرقباء، الطقس السينمائي حاجة لهم للتواصل، وممارسة الحرية، كما هو طقس مهم للكبار أيضاً في عصر الأتمتة، وضعف التواصل البشري الحي، ومن المؤسف أن تتحول دور السينما في حلب إلى أماكن خاصة بالمتسكعين والشواذ، ويغيب عنها طقس المشاهدة العائلي الذي كان سائداً فيها "
المشهد مختلف أمام " سينما حلب" فالشريحة التي تدفع 100 ليرة، ثمناً للتذكرة هي غير تلك التي تدفع 40 أو 60 ليرة  ، و يوجد حضور مقبول للجنس اللطيف جئن مع العائلة أو الأصدقاء أو كصديقات معاً.
لا أفلام مميزة هذا العام تقول " سماح ": بعد افتتاح سينما حلب وعرضها لأفلام جميلة مثل "آلام المسيح" ، تشجعنا وجئنا مجموعة من الطالبات والصديقات، في هذه الصالة لا يجري شيء مما ينسب إلى السينما في بلادنا، لم يحصل معنا أي شيء غلط، ويبدو أن نوعية روادها جيدة، لقد أقنعنا مدرّستنا أن تأتي و تحضر بناتها إلى السينما، وأن تزيل الصورة السلبية المتكونة لديها عن السينما، سعر التذكرة مرتفع إلا أنه ثمن مقبول لنا كفتيات لا يمكنهن الدخول إلى الصالات الأخرى، فسمعة السينما هناك مطابقة للواقع "
"أم شادي " تتذكر أن رضا والدها في السبعينيات أيام الأسبوع كان يعني ذهاب العائلة كلها إلى السينما ليلة الخميس، وبعد زواجها ذهبت عدة مرات كان آخرها لمشاهدة فيلم " عمر المختار " قبل أكثر من 25 سنة
" لم أدخل السينما طيلة ربع قرن سوى مرة واحدة خارج سورية، أمور كثيرة تغيرت لكن في بلدان أخرى مشاهدة السينما شيء محبب، فقط في بلادنا تدهورت السينما، لقد أصبحت كلمة سينما تعني مراهقين و زعران وسلوكيات مشينة "
صالة سينما الكندي المستأجرة من قبل المؤسسة العامة للسينما عادت إلى صاحبها بحكم قضائي منذ أكثر من سنتين، وتوزع عمالها وموظفوها على أقسام مديرية الثقافة في حلب،
هذه الصالة كانت تنتظر قدوم العيد لكي يتجاوز عدد حضور عروضها العشرة أفراد في كل عرض.
أحد موظفيها يحن إلى أيام السبعينيات والثمانينات يوم كانت تملأ الصالة " بدأ التدهور مع بداية التسعينيات، وزاده افتتاح ملهى ليلي " كبريه " بجوارها، يجعل من أي سيدة أو عائلة محترمة تبتعد عن هذا الرصيف، كانت سينما الكندي تستقطب العائلات والطلاب والمثقفين، ثم عششت العناكب فيها، قبل أن يستردها صاحبها "
رغم المراسيم والتسهيلات الكبيرة التي حظي بها قطاع العرض السينمائي، إلا أن مدينة حلب وريفها لم يشهدا بناء أي صالة أو دار عرض سينمائية تضاف إلى صالاتها التسع ( تجاوز عدد صالاتها في الخمسينيات 40 صالة )   صالتان فقط قامتا بالتحديث، وصاحب إحداهما نادم، إذ أن المردود أقل من المتوقع ومن حجم الاستثمار.
 الأستاذ " كمال " السبعيني الذي لا يزال يحتفظ بأناقة غير اعتيادية، يستعيد على طريقته ذكريات الخمسينيات والستينيات، فقد حضر، ومعه أحفاده الثلاثة بنتان وصبي لا يتجاوزون العاشرة، وقف أمام الصالة وحمد الله على عرض فيلم لعادل إمام يمكن لأحفاده مشاهدته وهو مرتاح الضمير.
الأزمة كبيرة وقد يكون غياب الإنتاج المحلي سبباً جذرياً لذلك ، وكيف لا يكون حال السينما كذلك، وما زال هنالك سينمائي يمنع من السفر ؟

 

الجمل 

إلى الندوة
 

التعليقات

الفرق بين هذا المشهد و مشهد آخر من مشاهد الفساد هو أن هذا المشهد ليس ذو بنية هرمية و الى خير و شر و انما هو تعبير عن تنوع مجتمعي. فصاحب الصالة يلبي حاجات مراهقين و بالغين هم نفسهم غير مقبولين أو قادرين على الانخراط في بيئات مغايرة لمنطقهم في الحياة . و من الخطأ الفادح التعامل مع أي ظاهرة من منطلق تنويري أو تصحيحي -تربوي- لأن هذا أثبت عدم صحته كأسلوب في الخطاب الاجتماعي ابتداءا بالشيوعية و انتهاءا الآن بالمجتمعات الاسلامية التبشيرية التوجه. المراهق يذهب الى السينما ليرى الجنس و هذا فعل غريزي و فطري سليم و يختلف كل فرد في تعاطيه مع حاجاته و طموحاته باختلاف ثقافته و بيئته و ظروفه الجسدية و المادية . المشهد طبيعي بل حتى يحمل نوستالجي و بدلا من أن يدعوا الى النفور ربما دعا الى التعاطف و الإبتسام. في مجتمعنا تنتشر الجنسية المثلية و سفاح المحارم و يكون الموضوع الجنسي غالبا هو أفراد الدائرة الأقرب. و لا يمكن أن يواجه هذا بالعنف و عقدة الذنب و التبكيت . انه حقيقة شديدة الشيوع رغم تحفظ الجميع. و هي مسألة تزول مع النضج حيث ينموا الضمير مع تقدم العمر و يتم تعريف الأشياء و العناصر في كل مرحلة من مراحل الحياة و التغير الزمني أم الجغرافي أم الجتماعي . و ليس ثمة داع لاطلاق الرصاص بلا هوادة على الأمس لمجرد أنه لم يعد يشبهنا اليوم. في طفولتنا تعلمنا أن نكره الصرصور ونقتله لأنه بشع و كسول و تعلمنا أن نغسل أيدينا بعد الطعام ثلاث مرات و تعلمنا أن الشرطي صديق المواطن و أن المعلم أشرف من في الدنيا و أن و أن... و لهذا أصبحت هذه المقولات الجاهزة و المؤطرة بصلابة حديدة لمعنى وجودنا و قيمة الأشياء من تفاهتها أصبحت لعنة على حياتنا تمنعنا من استقبال المختلف و الغريب و تؤخر من فاعليتنا و تقد مضجع الآخرين فالصرصور ليس كسول و الفأر ليس كسول و لا أحد كسول و لا يجب قتل الصرصور لأنه بشع و ضرب النحلة لأنها ممكن أن تعضنا و تربية أصحاب السينمات لأنهم يمنحون المراهقين ما يريدونه. حتى هذه اللحظة أتذكر عندما كنت تلميذا كنت أرغب بمعلمتي و اليوم أكتب و أرسم و أمارس عملي بنشاط و أقلل أدب مع مدرائي في العمل!!!!!!! لأنهم لا يعرفون شيأمن أصول الإدارة للمشاريع الفنية و لأنهم تورطوا ضد كل أبناء جيلي من السينمائيين بطريقة تجعلنا نقول أن ممارسة العادة السرية عند مراهقي حلب و أربع أفلام بأربعين.. و غيرها.. ليست هي ما يهدد صناعة السينما السورية و لا ثقافة الوطن. بل الاستمناء الذهني عوضا عن العمل و شراء أجهزة ب 200 مليون ليرة بينما ثمنها الفعلي هو أربعين ليرة . هذا ما يسيء للسينما و الحل عند وزير الثقافة و ليس عند الصفوري خصوصا عندما تقدم الدولة و رئيس الدولة دعما غير مشروط لتصعد السينما الى الفلك في زمن الطوفان في حين يقف مدراؤنا مثل الجباة على سلم السفينة لاعنين الفن و الفنانين مكتفين بإنقاذ جوز من كل نوع من الحيوانات تشبها بسيدنا نوح عليه السلام.

واقع السينما في سوريا بائيس جداً الصالات مرتع للشاذين والأمر معقد جداً ويتطلب استثمارات كبيرة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...