صابئة العراق

03-05-2007

صابئة العراق

برع صابئة العراق في صناعة مصوغات المعادن الثمينة كالذهب والفضة وتوارثأحد الصابئة يقوم بتحديد قياس لأحد المشترين وها أبا عن جد، فكانت أعمالهم كلوحات مشاهير الفنانين يقتفى أثرها، لكن الغزو الأميركي للعراق وتردي الوضع الأمني دفع معظمهم للانتقال والرحيل خوفا على حياتهم.

يقول صائغ الذهب غضبان مناتي السهيري إن أسماء الصاغة الصابئة الذين أجادوا التعامل بمهارة مع الذهب والفضة أمثال زهرون وفرحان الخميسي وحرج مدلول وخالد مال الله تجعلنا نحن الصاغة نقف احتراما للمهارة والخبرة والفن الذي لا يضاهى أبدا في الصياغة واختيار أساليبها ونقشاتها المزركشة.

ويضيف السهيري الذي ما زال يتعامل مع هذا المعدن الثمين في محله في شارع النهر التجاري أنه لم يسبق أن تعامل صائغ مع الفضة خاصة مثلما تعامل معها المرحوم زهرون الذي أقام ومات وبرع في فنه الذي لا يضاهيه أحد فيه في مدينة العمارة بجنوب العراق، فهو الوحيد الذي كان يجيد نقش المينا في الفضة, مشبها أعماله بلوحات كبار الفنانين.

ويعتقد الصائغ الشاب حسان الذي مازال في طريقه لتعلم المهنة عن جده أن الصابئة شعب صغير وصبور وتعلم من تقلب الأحوال ومن الاضطهاد أن ينزوي على نفسه فاختار التعامل مع أكثر المعادن ندرة عند البشر.

الصبر والتأمل -يضيف حسان- هما فقط من قاد الصابئة إلى هذه المهنة التي تحولت في ظل الظروف الحالية في العراق إلى مصدر خطر كبير على حياة من تبقى منهم في بغداد حتى الآن.

الدكتور رعد الناشئ صابئي يعمل مدرسا للفنون التشكيلية في معهد الفنون الجميلة ببغداد يستعرض الجذور التاريخية لهذا الشعب الصغير الذي تقدر عدده بـ65 ألف نسمة حسب إحصاء عام 1975 ولم يتبق منهم سوى 12 ألفا في جميع أنحاء العراق حاليا حيث هاجر معظمهم إلى أوروبا.

يقول الناشئ إن الصابئة شعب هاجر من أورشليم سنة 70 ميلادية بعد أن تعرض للاضطهاد هناك، فعاد إلى موطنه الأصلي الذي كان غادره قبل ذلك وهو وادي الرافدين.

ويوضح الناشئ الذي يملك دائرة معارف متكاملة عن أبناء شعبه الصغير وهو يتحدث عن العلاقة بين الذهب والصابئة وعن تسمية الصابئة في الأصول التاريخية إن هذه التسمية جاءت من الفعل الآرامي القديم سبا أو صبا ويعني الغاطس في الماء أو الذي يرتمي في الماء, وهي تسمية تفسر العلاقة بين الصابئة والماء.

ويلفت إلى أن الصابئة لا تعرف مهنة أكثر قدما من التعامل مع الذهب, حتى إن تسمية المندائية المرتبطة بالصابئة المندائيين تدل هي الأخرى على النقاء والصفاء الذي هو من الصفات التي يتصف بها الذهب، فالمندائية تعني فيما تعنيه أيضا العالم والعارف بدين الحق.
وتتسم حياة الصابئة بالترحال فنحو 44 عائلة كانت تسكن مدينة السليمانية وكذلك العوائل الـ12 التي هاجرت إلى أربيل هربا من المعاناة والقتل والسلب بسبب تعاملها مع الذهب, اختارت مهنة الأجداد فبرعت في أسواق منطقة كردستان العراق.

وعن رغبة النزوح الدائم يقول مازن عبد الله إن الصابئة بحكم تخصصهم بصناعة الذهب وحملهم خزينتهم أينما ذهبوا، فهم هدف دائم للصوص وقطاع الطرق الذين نشطوا مع الانفلات الأمني في العراق وفي بغداد بشكل خاص، فكان أن قتل واختطف واختفى وسرق العديد من الصاغة الصابئة ما اضطرهم إلى الهرب إلى الدول المجاورة كسوريا والأردن أو إلى أوروبا, فيما اختار آخرون شمال العراق مكانا لإقامتهم الجديدة وربما الدائمة.

غير أن الشيخ طاعن مداح (72 عاما) اعتبر أن لا وطن للصابئة سوى العراق، فهو البلد الوحيد الذي يشقه نهران عظيمان هما دجلة والفرات وتتوزع فوق أرضه الأهوار، مشيرا إلى ارتباط الصابئي بالماء في حالات التعميد الثلاث، وهي تعميد الطفل بعد الولادة وطلب المغفرة من الله وطقوس العبادة. 

فاضل مشعل

المصدر: الجزيرة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...