طلاب التمثيل يتمرنون مسرحياً بخيال تلفزيوني

16-04-2007

طلاب التمثيل يتمرنون مسرحياً بخيال تلفزيوني

ربما من حسن الحظ أنها لم تكن مقابلة عادية. كانت دردشة سبقت أمسية شعرية. بدا حديثه مفاجئاً، لدرجة تطلبت التأكد مراراً أنه يقصد فعلاً ما يقول، ولا يسخر. الممثل السوري عبد المنعم عمايري أكد أن العمل التلفزيوني «ليس فناً على الإطلاق». وعلى رغم التنويه المستمر ببراعته في الأداء. قال إنه يعمل في التلفزيون ليعيش، أما الجانب الفني فيحصره بعمله في المسرح. مع العلم أنه يشارك في أكثر من عمل تلفزيوني كل عام، فيما كانت آخر مشاركة مسرحية له منذ سنة تقريباً، عندما أخرج وكتب نص مسرحية «فوضى» الحائزة على الجائزة الأولى في مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة.

عمايري هو ابن المعهد الوحيد في سورية الذي يدرّس التمثيل. فهل هذه حال بقية خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية؟ ثم ما الذي يجعل «ما ليس فناً» ينتشر ويستحوذ على اهتمام من تم تأهيلهم لحمل راية الفن؟ وفي المقابل، هل يمكن التعويل على مشروع فني، بديل أو موازٍ، يحفظ ماء وجه القيم الفنية والثقافية؟

إذا افترضنا، جدلاً، وجود قيمتين ملموستين في الوسط الفني. المعايير والقيم الفنية من جهة، والشرط المادي ونموذج النجم من جهة أخرى، فأيهما سيكون الأوفر حظاً في الحصول على الفرص، وهل يمكن أن ينتجا نموذجاً مشتركاً؟ يضحك شيروان حاجي، طالب التمثيل في السنة الثالثة، من هذه الفكرة. ينصح بألا يتم طرحها على زملائه لأنهم عادة «يتهكمون بسخرية لاذعة على المُنادين بالحــــفاظ على القيم الفنية وما شابه ذلك من مفردات الالتزام، فأول تعليق ستسمعه أنك ما زلت تعيش في السبعينات»، بحسب ما يقول. ويضــــيف أن التلفزيون يشكل محور اهتمام كل طلاب المعهد، مع أن الأخير يعمل على «تحجيم ميل الطلاب إلى التغني بالنجومية وحذفها من قاموس طموحاتهم، عبر الإصرار على روح التعاون والعمل الجماعي».

يقصد هذا الشاب تماماً صورة «النجم التلفزيوني». إذ يعتبر أن «ما من طالب تمثيل لا يتمنى أن يكون نجماً، إنه المطلب الأوحد تقريباً، فحتى هاجسنا في السنة الثالثة أصبح تلفزيونياً، ونشتغل تماريننا المسرحية بخيال تلفزيوني». ويعزو ذلك إلى أن عصر الصورة اقتحم كل شيء»، ويضيف محاولاً إثبات وجهة نظره: «حتى المسارح الحديثة يضعون فيها شاشات عرض». علماً أن المعهد لا يقدم أي محاضرات، أو تمارين عملية، حول التلفزيون وتقنيات العمل فيه؟!

يؤيد هذه الفكرة من صار خارج المعهد. الممثل مجد فضة تخرج عام 2005، وساعدته الصدفة والحظ في لعب بطولة فيلم سينمائي (»الهوية» للمخرج غسان شميط)، بعد أن حضر مخرجه عرض تخرج تلامذة دفعته، وقام بإجراء اختبارات لهم، لينتقي بعضهم للتمثيل في فيلمه. مجد يدعم فكرة أن تكون النجومية هدفاً، لكن من خلال وجهة نظره الخاصة، معتبراً أن «شرط مهنة التمثيل، وليس عيبها، هو الاستعراض، وانتظار رد فعل الآخرين، لأن الممثل ليس كاتباً كي يعيش حالة إبداع فردية». لكنه في المقابل يشترط أن تكون الشهرة نتيجة طبيعية للطموح، ويعرض مثالاً على ذلك ممثلين «صاروا»، ولكنهم كانوا أيضاً موهوبين وبارزين خلال دراستهم. ويضيف أنهم «أعطوا بُعداً جديداً لفن الأداء التلفزيوني عندما تعاملوا مع شخصياتهم برؤية مسرحية».

يحاول أهل الاختصاص أن يقدموا قراءة في هواجس يعتقدون بأنها تلازم الممثلين الجدد، وطلاب معهد التمثيل. قراءة تبدو متشائمة. ومنهم أسامة غنم الذي لم يتجاوز الـ 31 من عمره. تخرج في المعهد، ونال شهادة الدكتوراه من فرنسا، في اختصاص «المسرح الفرنسي المعاصر». ويعمل الآن في المعهد، أستاذاً في قسم الدراسات المسرحية. يستغرب غنم أنه فيما يشكل المسرح والالتزام بالفن، قيماً جمالية متفق عليها، إلا أنه «صار هنا يعبّر عن قيم مبتذلة، ومفردات الالتزام صارت مرذولة». ويوضح أن السبب هو «تصدير تصور واحد عن الممثل النجم، متلازماً مع نمط حياته الفارهة». لذلك فإن الممثلين الشباب «يعتبرون هذا النموذج مثلاً لهم، فإن حققوه ظنوا أنهم ناجحون، وإن تأخروا عنه يحبطهم اعتقادهم بالفشل». ويشير إلى أن الأثر يتجاوز الممثلين الجدد، ليشمل الشخصية الفنية لشباب أثبتوا حضورهم في الدراما التلفزيونية، معتبراً أن هؤلاء «سحبوا عملهم في التلفزيون، وألبسوه لباس المسرح، عندما حاولوا العودة إلى الخشبة. فبرأيهم كل شيء يتبع مركزية النجم، والعمل الجماعي بات غير مألوف لديهم». كما يعود ليؤكد أن النجوم الشباب «صاروا أقل تطلباً من الناحية الفنية، ولم يعودوا يوجهون لأنفسهم أسئلة جدية، طالما أن الجميع يصفق لهم ويدللهم!».

يعتبر الممثل الشاب مجد فضة أن معهد التمثيل طالما احتضن فريقين من الطلاب، فهناك «فريق أبدى حاجة فعلية لصقل موهبته، واعتمد على المعهد في تكوين أساس معرفي عن مهنة التمثيل. وهناك فريق آخر يعتبر سنوات الدراسة الأربع بمثابة مطبّ إجباري لبلوغ الأضواء، وهؤلاء يتعاملون بهزء واستخفاف مع المعلومة والمكان». ويعود ليوجه السؤال بطريقة مغايرة، فيقول إن المعهد هو الذي يمارس خيانة مستمرة بحق من تبناهم على أنهم الأكثر موهبة. ويتساءل لماذا لا يقوم بالتسويق لهم، بعد أن أعطى ثقته بهم وتعب على تدريبهم؟ وعلى أقل تقدير، يطلب الممثل الشاب أن يسوّق المعهد لعروض تخرج طلابه، على أوسع نطاق ممكن. ويشرح هنا عن حالة اليأس التي يصاب بها الخريجون، لا سيما الذين لم يحصلوا على فرص جيدة. ويوضح أن هذه التجربة المرهقة تجعل الممثل يشك بوجود أدنى قيمة لكل ما تلقاه في معهد التمثيل.

يؤيده المخرج الشاب طلال ديركي حول وجود «ظروف تعسفية» يعيشها الممثلون الجدد. بالنسبة لديركي هناك معيار آخر يقيس عليه. إذ أنه درس الإخراج من معهد «ستفراكو» في اليونان. ويشير إلى ظروف أنضج تنتظر خريجي معاهد التمثيل هناك، حيث «يوجد دائماً ممثلون يكرسون فنهم للعمل في المسرح أو السينما، وليس التلفزيون الاحتمال الوحيد أمامهم كما هو حالنا».

ومن خلال عمله في أكثر من فيلم سينمائي، لمصلحة مؤسسة السينما، يوضح طلال أن الممثل الجديد يعمل في السينما من دون أدنى حقوق، مقارنة بنجوم التلفزيون المشاركين في الأفلام نفسها، ويتابع ان «الممثل الجديد يُلزم بالتواجد في موقع التصوير طوال الوقت، فيما يأتي النجم ليصور ويمضي إلى ارتباطاته الأخرى.

ويتقاضى النجم ثلاثة أضعاف أجر الخريج الجديد، حتى لو كان الأخير يلعب البطولة»، مضيفاً أن الممثل الجديد يصاب بالإحباط، بعد أن كان رسم تصورات وردية لعمله في السينما، فيما يحوله المخرج إلى «مجرد موديل فوتوغرافي يتحرك ويحكي بالإيعاز، ويعنفه القاصي والداني من فريق العمل».

»طالما كانت الثقافة الحقيقية مشروعاً مادياً خاسراً، والمسؤولية الأكبر تتحملها الدولة، ففي كل بلدان العالم الربح هو ربح إنساني، وللمواطنين كل الحق في المطالبة والحصول عليه»، هذا ما يؤكده أسامة غنم، ويضيف أن هناك «ضرورة ملحّة» لمشاريع بديلة، من قبيل أن تنشئ الدولة صندوقاً لدعم السينما وآخر لدعم المسرح، ويشترك القطاع الخاص في التمويل «حتى لا يكون هناك تحكّم، أو تفرّد في الخيارات الإنتاجية والشروط الفنية».

طلال ديركي لا يعول على توجه شركات الإنتاج الخاصة أخيراً إلى الإنتاج السينمائي، إذ يؤكد أن تلك الشركات «تقدّم فيلماً وكأنها تعمل على سهرة تلفزيونية. فهم يصورونه في أسبوعين!»، كما يلفت إلى أن الشركات لا ترى أدنى قيمة للفيلم السينمائي خارج حسابات الربح «المرتهنة أساساً لشروط العرض التلفزيوني على الفضائيات، وليس لشباك التذاكر». ويضيف الممثل مجد فضة هنا أن تلك الشركات «تتعامل مع الممثلين وكأنهم دكاكين، فهم يساومون على الأجر و «يكاسرون» وكأن ما نقدمه سلعة».

يمكن تكثيف صورة «الممثل النجم»، التي يستميت الجميع لبلوغها، في صورة ذلك الشخص الذي «يجلس في عيد الفطر ويتلقى التهاني على شاشات الفضائيات». فهكذا آليات عمل مهووسة بالربح، ولا ترسي أي تقاليد أو قيم فنية تثري المهنة، لا يُنتظر منها أن تنتج إلا نجوم الأعياد، وتعطي لبعض عارضات الأزياء أدوار بطولة، على رغم فشلهن الفاضح في المهنتين.

وسيم إبراهيم

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...