ظاهرة «هاكرز» بين خراب «داعش» وازدهار الصين

10-07-2015

ظاهرة «هاكرز» بين خراب «داعش» وازدهار الصين

في حزيران (يونيو) 2015، بدت مدافع الحرب الافتراضيّة كأنها لا تكف عن القصف المتبادل على «الجبهة» الأميركية. إذ ضربت وثائق «ويكيليكس» مُجدداً، لتهز العلاقات الأميركية- الفرنسية عبر كشف التجسس الإلكتروني الأميركي على وزيري اقتصاد فرنسا في ولايتي الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. واندفعت صحيفة «ليبراسيون» اليساريّة المقرّبة من الحزب الاشتراكي الحاكم إلى وصف الأمر على صدر صفحتها الأولى بعنوان «وكالة الأمن القومي الأميركيّة: التجسس القذر». وتجدّد التوتر على «الجبهة» الألمانية مع كشف وثائق «ويكيليكس» أيضاً أن أميركا مارست التجسّس على عدد كبير من وزراء ألمانيا. وبادرت المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل إلى استدعاء السفير الأميركي في بلادها لتستفسره الأمر، مع ملاحظة أن ميركل نفسها هزّت «الجبهة» الألمانية- الأميركية بعنف في 2013، عندما كشف الخبير المعلوماتي الأميركي إدوارد سنودن تجسّس «وكالة الأمن القومي» على الهاتف الشخصي للمستشارة الألمانية.

والأرجح أن الجبهة الأميركية - الصينية شهدت «القصف» الافتراضي الأعنف في الشهر المنصرم، إذ تمكّن «هاكرز» صينيون من سرقة 4 بلايين ملف فيها لموظفين حكوميين سابقين وحاليين، بينها ملفات لمسؤولين في مواقع عليا في الإدرات الأميركيّة. وأثارت الضربة الساخنة حفيظة واشنطن التي اتهمّت الصين بأنها أشرفت مباشرة على مجموعة الـ»هاكرز» التي سرقت تلك الكمية الهائلة من البيانات، وردّت الصين ببرود بنفي التهمة، وهو مشهد طالما تكرّر على الجبهة الافتراضية الأميركية- الصينية التي يرجح أنها لا تهدأ أبداً!

وفي مطلع الصيف أثبتت ظاهرة الـ»هاكرز» أنها أضحت في صلب توازنات القوى في الأزمنة المعاصرة، عبر «ثلاثي» جوليان أسانج (مؤسّس «ويكيليكس»، وهو يفتخر بكونه من الـ»هاكرز» الساعين للحريّة)، وإدوارد سنودن (وينتمي تعريفاً إلى ظاهرة الـ»هاكرز»، خصوصاً في مسعى الدفاع عن الحرية ونشر المعرفة)، و»هاكرز» الصين الذين يعرف عنهم أنهم يعملون ضمن وحدات محترفة يرعاها «جيش التحرير الصيني». واستطراداً، يصعب عدم التنبّه إلى المشهد الموزاييكي في ظاهرة الـ»هاكرز»، بمعنى أنه غير منسجم، وغير موحّد، ومتعدد إلى حدّ التناقض والتضارب، ما يتفّق مع ذائقة ثقافات رائجة في زمن ما بعد الحداثة.

 العالم الافتراضي وأحوال العمران الفعلي

ماذا لو نظرنا إلى المشهد نفسه، لكن بعين أخرى؟ ماذا لو نظرنا إلى أحوال الناس في ظل تلك الحرب؟ تصعب مقارنة الاقتصاد الأميركي حاضراً بأي اقتصاد آخر على الأرض (تذكيراً، بورصة «نازداك» تجاوزت معدلات قياسيّة، بل صار بقاؤها فوق رقم قياسي هو 18 ألف نقطة، أمراً مألوفاً)، لكن منطق الصراعات اللامتكافئة Asymmetric Conflicts على الانترنت، أظهرت بلاده في هيئة المشلول والضعيف أمام قوى أشد ضعفاً منه في الاقتصاد وأحوال العمران كافة، بما لا يقاس! وينطبق ذلك الوصف على قدرة كوريا الشمالية الغارقة في البؤس والجوع والتخلّف عمرانها، على توجيه ضربات افتراضية إلى أميركا. ولا يغيب عن البال أن تنظيم «داعش» تباهى تكراراً بقدرته على توجيه ضربات إلى مواقع عسكرية ورسمية أميركية.

في المقابل، ترافق تباهي كوريا الشمالية و»هاكرز»ها، مع صورة قاتمة في الحياة اليومية للبشر فيها، إضافة إلى ما يعرف عن نمط الحياة المتراجع في ذلك البلد. وجاء مثال واضح على تلك المفارقة بين قوة العضلات الافتراضية لكوريا الشماليّة وتقهقرها في العيش وأحوال العمران، في أن يوم فشل «ستاكس نت» في اختراق برنامج بيونغبانغ النووي، ترافق مع تحذير إسحاق زاي، منسق الأمم المتحدة في كوريا الشمالية من خطر مجاعة بعد صيف يتوقع أن يكون فائق الجفاف، بأثر من تقلّب المناخ، بل أنه أشار إلى أن العام 2016، ربما كان أشد سوءاً لجهة نقص الغذاء عن كوريا الشمالية.

وأشار زاي إلى عناصر بنيوية كشفتها قلة سقوط الأمطار أخيراً، خصوصاً افتقار كوريا الشمالية إلى بنية تحتية زراعية ملائمة، تبرز بجلاء عند حدودها مع الصين، حيث تتلاقي حقولها الجافة الخشنة مع السهوب الصينية الخضراء. وتزيد المفارقات تعقيداً عند تذكّر أن الصين هي إحدى الحواضن الكبرى لظاهرة الـ»هاكرز» الذين يعملون مع مؤسّسات الدولة، على غرار ما يفعل أندادهم في أميركا والأطلسي و«داعش» و«الجيش السوري الإلكتروني» وغيرهم! واستطراداً، لا داعي للخوض في التفاوت الهائل بين القوة في الساحة الافتراضيّة للنظام السوري الدموي و»الجيش الإلكتروني»؛ وعلى غرارهما «داعش» وقوتّها في العوالم الافتراضية، وبين الحال الكوارثية المأسوية التي تفوق آلامها الوصف، بداية من القتل والموت الجماعي والمذابح بالسكاكين والمقتلات بالكيماوي والكلور، ومروراً بالنازحين والمشردين واللاجئين، ومن دون ختام عند مشاهد المدن والبلدات والقرى المهدمة عن بكرة أبيها، وتدهور أحوال العيش في أنحاء سورية كافة وغيرها.

إذا أردنا التفكير على طريقة المؤرّخ العربي إبن خلدون، لا يسعنا سوى ملاحظة التناقضات في مشهدية الصراع بين الـ»هاكرز» المندمجين في مؤسسات رسمية (وشبه رسمية أيضاً، مع تذكير بأن إسم «داعش» يشير حرفه الأول إلى «دولة»)، وبين وقائع العمران وأحواله في البلدان التي تنتمي إليها تلك المؤسّسات.

في ذلك المشهد الفوّار بالتناقضات، من المستطاع ملاحظة ما يمكن تسميته بـ»الاستثناء الصيني»، على رغم أن الوصول إلى استنتاج من ذلك النوع يحتاج إلى بعض التروي. وفي المقابل، من الواضح أن الصين تملك استثناءً ما في ظاهرة الـ«هاكرز» المندمجين في مؤسساتها الرسمية التي يهيمن عليها «الحزب الشيوعي الصيني»، إذ يخوض هؤلاء حروباً افتراضية على مدار الساعة مع أميركا والأطلسي، بل يحقّقون نجاحات متفاوتة فيها إلى حدّ أن أميركا في 2014، انتقلت من مواجهتهم إلى تنسيق مناورات أميركية - صينية عن حروب الإنترنت.

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...