عدم دستورية جلسة مجلس الوزراء اللبناني تبطل مفاعيل ما صدر عنها

15-11-2006

عدم دستورية جلسة مجلس الوزراء اللبناني تبطل مفاعيل ما صدر عنها

قد يتواجد أكثر من سبب لاعتبار جلسة مجلس الوزراء اللبناني المنعقدة أمس الأول بمن تبقى من الوزراء غير دستورية، وإذا كان بعض تلك الاسباب قابلا للنقاش، من حيث المبدأ، فإن واحدا منها يؤكد عدم دستوريتها ويعتبر عدم الاعتراف بذلك بإبطال مفاعيل ما صدر عنها، بمثابة إقدام على تعليق لأحكام الدستور من قبل الحكومة.
ويتأكد عدم دستورية الجلسة من جدول أعمالها المحدد بدرس مسودة إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي. فمثل هذا المشروع كما بات معروفا يندرج في إطار المعاهدات الدولية التي تحكم آلية اقراره المادة 52 من الدستور حصريا.
وأحكام المادة 52 دستور تُعتبر استثناء للنصوص التي يتحدد على ضوئها إعداد جدول اعمال جلسات مجلس الوزراء ودور رئيسي الجمهورية والحكومة فيها. فالقاعدة الاساسية هي ان يضع رئيس الحكومة جدول اعمال جلسات مجلس الوزراء ويطلع رئيس الجمهورية عليها. فبموجب النص ليس لرئيس الجمهورية اي دور في جدول جلسات المجلس وانعقادها إلا في أمرين حصريين، هما امكانية اضافة موضوع طارئ الى جدول الاعمال وحضوره الجلسة وترؤسها. اما المادة 52 فجاءت استثنائية في كل احكامها، ومنها ما يتعلق بآلية اعداد جدول اعمال الجلسة عندما يكون الأمر متعلقا بإقرار معاهدة دولية.
وفي هذا الإطار تحديدا تمكن الاشارة الى الاستثناءات التالية:
أولا: حصر المفاوضة لوضع صيغة المعاهدة وإبرامها برئيسي الجمهورية والحكومة اللبنانية وبالاتفاق بينهما. وهذا استثناء أساسي لصلاحيات الحكومة الدستورية.
ثانيا: ان موافقة مجلس الوزراء اللبناني على الابرام تكون في خطوة لاحقة تلي اتفاق رئيسي الجمهورية والحكومة اللبنانية حول ما جرى من مفاوضات وابرام. ولا بد من الاشارة هنا الى أمر أساسي ورد في المادة 52 ويتمثل في ذكر عملية الابرام مرتين: ففي الأولى يتولى رئيسا الجمهورية والحكومة عمليتي المفاوضة والابرام بالاتفاق بينهما، أما في الثانية فلا تصبح المعاهدة مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء.
ويبدو واضحا من إناطة الابرام بالرئيسين، ومن ثم بمجلس الوزراء، ان قصد المشترع من الابرام الأول التوصل الى اتفاق حول مسودة المعاهدة والموافقة عليها بالاحرف الأولى، وإلا فما معنى ان يتولى رئيسا الجمهورية والحكومة عملية الابرام، وألا تصبح المعاهدة مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء؟!
في هذا الإطار، تمكن الاشارة الى استثناء ثالث في احكام المادة 52 من الدستور، يتمثل في دور مجلس الوزراء في عملية الاقرار النهائي. فمن المعروف ان اقرار المشاريع لجهة الموافقة عليها او رفضها يعود للسلطة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب. أما في المعاهدات فإن الاقرار يتحول الى مجلس الوزراء الذي يأخذ عن مجلس النواب دوره الأساسي استثناء. ولا يمكن القول هنا ان القصد من موافقة مجلس الوزراء على المعاهدة (أي لا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء عليها) هو أمر مماثل لموافقة مجلس الوزراء على المشاريع العادية التي تكون الموافقة عليها نهائيا لمجلس النواب، بدليل ان الفقرة الأخيرة من المادة 52 نصت على ان إطلاع الحكومة مجلس النواب عليها أي على المعاهدة بعد موافقتها عليها لا يكون إلا حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة، أي بعد ان تكون المعاهدة قد أخذت صيغتها التنفيذية وأصبحت قيد العمل بمضمونها. وفي مطلق الأحوال، فإن الحكومة يمكن ان ترى ان سلامة الدولة ومصلحة البلاد تقضيان بعدم إطلاع المجلس على المعاهدة. وحتى إذا ما أقدمت الحكومة على اطلاع المجلس، فلن يكون له من دور إلا أخذ العلم فقط. وبهذا يكون مجلس الوزراء قد أخذ من مجلس النواب دوره في الموافقة النهائية على المعاهدات التي لا تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة... والمعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، كما ورد في النص. وبإناطة دور مجلس النواب اللبناني  في مثل تلك المعاهدات بمجلس الوزراء يكون على مجلس الوزراء إما ان يقر المعاهدة فيوافق عليها، وإما ان يرفضها كما في المعاهدات التي تحال الى مجلس النواب. ومن الثابت ان التفريق بين شكلي المعاهدات الوارد في الدستور يتطلب ان تكون أمام مجلس الوزراء اللبناني صيغة المعاهدة التي اتفقا حولها.
استنادا لهذه التوضيحات حول أحكام المادة 52 من الدستور واستثناءاتها، يبدو انه لا مثال لها في الدستور إلا في المادتين 76 و77 المتعلقتين بتعديل الدستور، وذلك في الحالات التالية:
أ استحالة تقديم مشروع لتعديل الدستور إلا من رئيس الجمهورية اللبنانية، بدلا من ان يكون ذلك مناطا بمجلس الوزراء وفق القاعدة الأساسية.
ب فرض شروط على المبادرة النيابية لتعديل الدستور هي عكس او تتعارض مع الشروط المفروضة للتقدم بالمبادرات للتشريع في كل المجالات الأخرى.
ج إعطاء مجلس الوزراء صلاحية رفض او قبول المبادرة النيابية لتعديل الدستور وهي صلاحية تتعارض مع أسس وقواعد النظام برمته.
بهذا المعنى، يكون المشترع في الاستثناء الذي حدده في المواد 52 و76 و77 دستور، قد اختار موضوعين استثنائيين بطبيعتيهما، ليجعل من اقرارهما استثناء للقواعد العامة. فكما ان تعديل الدستور لا يكون مرارا وتكرارا في فترات زمنية متقاربة كما في اقرار المشاريع، فإن عقد المعاهدات، ومنها التي يجيز الدستور نفاذها من دون علم مجلس النواب حتى بمضمونها، لا يكون إلا نادرا. تجدر الإشارة هنا الى ان المشترع في المادة 52 لم يفرق بين آلية اقرار المعاهدات بالاحرف الأولى التي يمكن للحكومة ان لا تحيلها على مجلس النواب، وتلك التي يجب احالتها. ولهذا فإن آلية المفاوضة والابرام تبقى واحدة لجهة وجوب ان لا ينعقد مجلس الوزراء للموافقة على المعاهدة، ومن باب أولى الدعوة لانعقاده إذا لم يكن ذلك مبنيا على أمرين أساسيين هما:
أ ان تكون المفاوضات قد تمت من الفريق اللبناني المتمثل برئيسي الجمهورية والحكومة.
ب ان يكون الاتفاق بين الرئيسين قد حصل حول ابرام المعاهدة بالأحرف الأولى، أي بالتوقيع عليها باعتبار ان الدعوة لا يمكن ان ترتكز على موافقة شفهية يمكن ان يستند اليها الوزراء للحضور الى الجلسة. ويمكن القول هنا، وبالتأكيد، ان واحدا من هذين الشرطين الملزمين على الأقل لم يتوافر للدعوة وانعقاد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، وبالتالي فإنها غير دستورية.
واللافت في هذا المجال ان مجلس الوزراء قد حاول في اقراره مشروع المعاهدة ان يُسقط امكانية القول بعدم دستوريتها عندما اعتبر ان الاقرار قد تم على مسودة مشروع المعاهدة، كما احيلت من الجهات الدولية. فوضع مسودة المعاهدة تبقى مناطة حصرا بالجهة المعنية بالمفاوضة والابرام بالاحرف الأولى، ولا يمكن ان يفاوض الرئيسان ويبرما ليعود مجلس الوزراء الى ابرام ما هو مبرم. فدور مجلس الوزراء بعد ان يتفق الرئيسان على ابرام المعاهدة بالاحرف الأولى، ينحصر في اقرارها. أما القول بأن الموافقة قد تمت على المسودة فقط ففيه ما تعتبره اوساط سياسية تحايلاً على الواقع، خصوصا انه إذا كان الطرف الأول في المعاهدة، الذي هو الجهة الدولية، قد أحال مشروع المعاهدة من قبله الى الطرف اللبناني، فهذا يعني انه قد وافق على المشروع. فموافقة مجلس الوزراء لا تصبح اقرارا للمسودة إنما للمشروع النهائي، باعتبار ان الطرف الدولي لن يعود الى تغيير ما كان قد تبناه في المشروع. ويبدو واضحا ان مثل هذا التحايل لا مبرر له إلا وجود قناعة في داخل مجلس الوزراء حول عدم دستورية انعقاد الجلسة، وجاء اعطاء مثل هذه الصيغة للاقرار لايجاد تبرير للرد على الطعن بدستوريتها.
أمام هذه المعطيات يمكن الإشارة الى أمرين أساسيين هما:
أولا: ضرورة ابلاغ الأمانة العامة للأمم المتحدة بأن موافقة مجلس الوزراء اللبناني على مشروع المعاهدة لم يتم وفق الاصول الدستورية النافذة الاجراء، وبالتالي طلب إعادة الاحالة كي تأخذ مسار اقرارها دستوريا.
ثانيا: ان ما جرى على هذا الصعيد جاء مسبوقا بممارسات عديدة أكدت في نتائجها ومراميها عملية تعليق الاحكام الدستورية. وإذا كانت المآرب السياسية تستبيح مثل هذا التعليق، فإن التخوف اليوم من استعمال بعض اصحاب الاختصاص القانوني والدستوري كمتاريس بشرية للدفاع عن تعليق احكام الدستور، وفي ذلك خسارة وطنية لا يستهان بها على غرار ما حصل في المجلس الدستوري عندما قدمت السياسة أكثر من قربان على مذبحها، كان قد بنى اختصاصه القانوني بعرق الجبين، وكثير من الجهد، وقدم في حياته العملية نموذجا للمناقبية واستقلالية الرأي. فهل يتجنب مثل هذا النوع من الرجال الذين ما زالوا يحظون بالاحترام، ان يكونوا قرابين جديدة على مذبح السياسة؟!

أحمد زين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...