عودة التنوير العربي من بوابة «فايسبوك»

13-06-2013

عودة التنوير العربي من بوابة «فايسبوك»

انطلقت شرارة التنوير العربي بداية القرن العشرين مع كتاب ومفكري عصر النهضة أمثال الشيخ محمد عبده، والأفغاني، والكواكبي، وقاسم أمين وغيرهم... لكنّه يعود اليوم ليطل علينا من جديد، لكن هذه المرة من بوابة فايسبوك. فمع وصول مد «الربيع العربي» إلى أوجه، عاد الكثير من الشباب العربي إلى موروث التنويريين العرب، كأنّهم يتسلحون به لمواجهة خطر التشدد الديني الذي بات يهدد أوطانهم ومجتمعاتهم.عن صفحة "الناقد العربي" على "فايسبوك"
باتت صفحات فايسبوك ساحة حرب فكرية ومعرفية بين دعاة التنوير من ليبراليين وعلمانيين ويساريين وقوميين وإسلاميين معتدلين من جهة، وبين أنصار التيارات الدينية بشكليها السلفي والإخواني من جهة اخرى. في معركتهم الضروس هذه، يجد دعاة التنوير في كتابات فرج فودة، ومحمد أركون، وطه حسين، وأدونيس، ونوال السعداوي، ورجاء بن سلامة، وغيرهم من التنويريين خير سلاح يمتشقونه في وجه خصومهم الفكريين.
تشكّل الصفحات التي تتبنى خيار التنوير أقلية بين صفحات فايسبوك العربية، مقارنة بنظيراتها التي تتبنى الخطاب الديني التقليدي وتحظى بإقبال واسع. من أهم صفحات فايسبوك في هذا المجال، تبرز صفحة «الناقد العربي» التي استطاعت أن تجمع أكثر من 115 ألف معجب على مدى عامين ونصف العام. تتبنّى الصفحة خطاباً فكرياً شعاره «المعرفة المعتكفة أسوأ من الجهل النشط». وستجد في هذه الصفحة اقتباسات لكبار التنويريين العرب بالإضافة لمقالات وكتب ووثائقيات ورسوم كاريكاتور وغيرها.
ومن الصفحات الناشطة أيضاً، صفحة «قضايا فكرية» التي يقارب عدد متابعيها الـ 14 ألفاً. وما أن تدخل الصفحة، مقطع من مسرحية منصور الرحباني «آخر أيام سقراط» يقول: «يا عالمنا القديم ندر علينا تتغير، لا الحقيقة بتتخبى ولا الحرية بتتأخر، ما بيوقف بوجه الكلمة لا سيوف ولا خيل ولا عسكر».
عشرات الصفحات الأخرى تتبنى الشعارات التنويرية عينها، لكن أسلوبها لا يقل تطرفاً وانغلاقاً عن خطاب المتشددين دينيا، وتعتمد في أسلوبها غالباً على السخرية من كل ما يمت للدين بصلة، وعلى إقامة مقارنات شديدة السطحية ما بين الشرق والغرب... تكون في مصلحة الغرب دائماً. خوضُ هذا الأسلوب في القشور، من دون التغلغل إلى أعماق العقل بحثاً عن جذور مشاكلنا الفكرية والسياسية والاجتماعية، يستهوي البعض، لكنّه يبدو في النهاية أشدّ خطراً على التيار التنويري من خصومه الفكريين، حيث يقدم التنوير على أنه استبداد معاد للدين، مفتتن بالغرب، بعيد عن هموم وأوجاع المجتمع العربي الحقيقية.
عودة التنوير العربي ليطل من خلال صفحات فايسبوك، ظاهرة تستحق التوقف عندها. ظاهرة قد تشكل بداية استفاقة للعقل العربي الذي عاين خلال العقود الأخيرة ويلات الطائفية والتطرف، والذي حان له أخيراً أن يبدأ بتلمس طريقه خارجاً من عصر الظلمات.

وسيم عبد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...