عيدي أمين «آخر ملوك اسكتلندا»!

24-02-2007

عيدي أمين «آخر ملوك اسكتلندا»!

عاد الرئيس اليوغندي الراحل عيدي أمين، بعد وفاته بنحو أربع سنوات، ليشغل الدنيا مثلما فعل طوال حكمه المثير للجدل وبعده، حاملاً هذه المرة صفة «آخر ملوك اسكتلندا»، وهو عنوان الفيلم الذي تشاهده أوروبا والولايات المتحدة منذ أسابيع. ومع أن أمين دأب على خوض معاركه وحده، إلا أن الفيلم الذي أعاده إلى الوجود حمل أحد أنجاله الذين يقدر عددهم بـ 60 ولداً وبنتاً على الظهور علناً، ليرفع راية الدفاع عن والده الذي نجح الغرب، خصوصاً بريطانيا، في إلصاق أبشع الصفات الدموية به.

قال جعفر أمين البالغ من العمر 40 عاماً، إنه لم يكن سهلاً عليه اتخاذ قرار بانتهاك اتفاق جماعي مع أشقائه وشقيقاته يقضي بعدم الكلام عن الرئيس الراحل. وزاد: «يستطيع الناس أن يصفوا والدي بأنه كان طاغية ومنبوذاً، لكنني أريد أن أظهر الوجه الإنساني لتلك السلطة المطلقة. أريد أن أظهر كيف كان والدي إنساناً من لحم ودم، وكيف كان بالنسبة إلي على الدوام أباً طيباً».

وأبلغ جعفر أمين صحيفة «ذي ميل أون صانداي» البريطانية أنه لا يرى غرابة في كثرة أنجال والده، «نحن الأفارقة متعددو الزوجات بطبيعتنا، ونقبل أطفالنا من داخل الزوجية وخارجها». وزاد: «الزواج ليس مهماً لأن لدينا في أفريقيا عرفاً يسمى جائزة العروس، إذ يذهب والد الفتاة التي تحمل سفاحاً إلى عائلة والد جنينها ويطلب منه تعويضاً، ربما يكون بقرة. ولعل والدي دفع جوائز مماثلة كثيرة خلال حياته».

وأضاف أن والده كان محباً لأطفاله، ويحرص وهو في عز مشاغله الرئاسية على تمضية القيلولة معهم، يتمدد بجسمه الضخم على سرير ويطلب منهم أن يقوموا بتدليكه. وذكر أن عيدي أمين كان شغوفاً بإلقاء النكات، وممازحة الآخرين بتخويفهم بتكوينه الجسماني الضخم. وكشف أن أمين كان معجباً أكثر من الأطفال بأفلام «الكارتون». وقال إن فيلمه المفضل كان سلسلة «توم آند جيري».

وأوضح جعفر أن الرئيس الراحل كان يعنى بأناقته إلى درجة الهوس، «فقد كان لديه خادم خاص للعناية بخزانة ثيابه. وكان مغرماً بارتداء ربطات العنق. أنا لا أعرف الفارق بين تصاميم لويس فويتون وهيرميس أو كريستيان ديور. لكن والدي كان يعرف ذلك من الوهلة الأولى. ذات مرة أمر بأن يحضر إليه هؤلاء من بريطانيا. كان يحب أي شيء مصنوع في بريطانيا». وامتد ذلك ليشمل حرصه على اقتناء سيارات من طراز «لاندروفر» و «رانج روفر» و «رولز رويس».

لكن جعفر أمين قال إن السيارة المفضلة لوالده كانت «مرسيدس» من طراز «300 كوبيه»، تلقاها هدية من الزعيم الليبي معمر القذافي. وقال إن أكبر هوايات والده التي كان يجد سعادة غامرة في ممارستها، هي أخذ زوجاته وعشيقاته على متن سيارته البرمائية صوب إحدى البحيرات، حيث يعتقدن أن مصيرهن الغرق، لكنهن يفاجأن بالسيارة تطفو فوق الماء، ما كان يثير سعادة الرئيس الراحل.
وحكى جعفر أمين كيف كان مع والده في آخر عهده بالرئاسة. «دأب والدي على إرسال عدد كبير من أبناء قبيلته في بعثات تعليمية وتدريبية في روسيا والولايات المتحدة، لكنهم عندما يعودون بتعليم أفضل كانوا يرون أنهم أفضل تعليماً من والدي، ويبدأون الحديث عن رغبتهم في مشاركته السلطة. وأخذت القوى العظمى تذكي نيران الغيرة والتنافس بين كبار مساعديه. ونجح والدي في القضاء على كثير من المحاولات الانقلابية». لكن قرار أمين في عام 1978 غزو تنزانيا كلّفه رئاسته.

«كنت معه في غرفته عندما تلقى اتصالاً هاتفياً. أعاد سماعة الهاتف إلى مكانها بعصبية وعنف. والتفت نحوي وقال: لقد هاجموني مرة أخرى. التنزانيون. إنها قوة ضخمة هذه المرة».

وأضاف جعفر: «عندما اقتربت النهاية أضحى والدي قليل الثقة بقادته العسكريين. أحضرت قافلة من المركبات العسكرية كبار القادة إلى منتجع في العاصمة كمبالا للاجتماع بوالدي، الذي حرص على اصطحابنا إلى هناك. كان وقتاً عصيباً. على رغم صغر سني فطنت إلى ان شيئاً ما يحدث. كان أركان القيادة يحاولون إقناع والدي بالتنحي عن السلطة. رد عليهم بالقول: «كيف لكم أن تطلبوا مني القيام بذلك؟»

وأوضح جعفر أن والده أرسلهم بعد ذلك الاجتماع العاصف إلى مبنى مدرسة كاثوليكية خارج العاصمة. غير أن القوات التنزانية الزاحفة قطعت الطريق بين الرئيس وأبنائه، ما اضطر أمين إلى إرسال قوة خاصة لإنقاذهم. وأشار إلى مغامرة قوة الإنقاذ بنقل عائلة الرئيس على متن شاحنات عسكرية إلى الحدود مع رواندا، ومنها إلى كمبالا، حيث كانت أصوات قذائف المدفعية التنزانية تقترب أكثر فأكثر.

«انطلقت القافلة العسكرية الضخمة من كمبالا إلى مطار عنتيبي. هناك تبين لي للمرة الأولى كم هو كبير عدد الأطفال الذين أنجبهم والدي. فقد ثبتوا 80 مقعداً على متن طائرة عسكرية لنقلنا جميعاً. وأذكر أن والدي كان يتحدث على الهاتف إلى القذافي، وقال له إن أولادي آتون إليكم. وكان يريد البقاء في يوغندا ليخوض معركته الأخيرة، على رغم إدراكه أنها خاسرة».

وبدلاً من ذلك هرب أمين إلى ليبيا حيث مكث عاماً. ويقول جعفر: «جئنا من سلطة مطلقة إلى لا شيء بتاتاً. كان والدي يشعر بأنه كمن كان رئيس شركة في نيويورك انتقل بعد تقاعده إلى شواطئ فلوريدا، حيث لا همّ له سوى اصطياد الأسماك. ومع أن القذافي كان كريماً للغاية، إلا أن والدي شعر باستحالة تعايشه مع الأجندة الاشتراكية التي يضمرها القذافي. وأضحى يشعر بأنه لم يعد يثق بالرئيس الليبي. وبدأ يتحدث عن رغبته في الانتقال إلى السعودية».

وذكر نجل الرئيس اليوغندي الراحل أن السلطات السعودية وفرت لأمين وعائلته قصراً يضم 15 غرفة. وقال إن الرياض كانت تمنح والده 30 ألف دولار شهرياً ليعيل بها 30 من أنجاله الذين رافقوه. وكان يجمعهم كل يوم ليطلب منهم تحرير يوغندا بتنفيذ «عمليات فدائية».

وأضاف أن والده كان مغرماً بالتبضّع وزيارة الأسواق في جدة، خصوصاً «هايبرماركت سيفواي». وقال: «كنا نجر عربة تسوّق (ترولي) ونملأها بالبضائع إلى درجة أن حراس الأمن اللبنانيين كانوا يتطلعون إلينا بشيء من الدهشة والذهول». ونتيجة لخلوده الى الدعة وعدم الحركة زاد وزن الرئيس الراحل في جدة، «وأضحى الأمر مشكلة، لأن عائلتنا تعاني وراثياً من التهاب المفاصل. وصار والدي يتألم كثيراً من ركبتيه وكاحليه». وذكر جعفر أن والده كان يملك شهية لا تفتر لالتهام أطباق البيتزا، ومع أنه كان محباً لأكل اللحوم، إلا أنه وقع في غرام وجبات «دجاج الكنتاكي». وكانت أسعد لحظات حياته حين يصطحب أسرته الكبيرة إلى أحد مطاعم الوجبات السريعة في جدة.

وفي جدة، يكشف جعفر، انغمس الرئيس اليوغندي الراحل في محاولة تعلّم العزف على الأكورديون، منقطعاً لتجويد عزف «المارشات» (ألحان السير) العسكرية الاسكتلندية. وقال إن أمين وجد فرصة في منفاه لتأمل مسيرته، لكنه لم يكن نادماً على ما قام به. وكان الرئيس الراحل يقول: «سيأتي يوم يقدِّر فيه الناس ما حاولت القيام به من أجل السكان الأفارقة الأصليين، والله وحده هو الذي سيحكم عليّ».

ورأى أن السلطة المطلقة التي تمتع بها والده هي التي أفسدت نياته الطيبة «لأنه كان يستطيع اتخاذ أي قرار بمفرده، إذ لم يكن لديه مستشارون». ويرفض جعفر المزاعم بأن والده قتل 500 ألف يوغندي خلال سني حكمه. ويقول: «هذه الأرقام لا تعني شيئاً. أبي كان يقول إنها دعاية مضادة. حتى اليوم لم يتمكن أحد من تقديم لائحة بأسماء قتلى. والدي كان يرى أنه يخدم شعبه، لكن النخبة كانت تقاتله لأنه سلبها امتيازاتها. الحكم ليس نزهة».

ويقول جعفر إن أسرة الرئيس الراحل دفعت ثمناً باهظاً، «إذ إن المنفى جحيم لا يطاق. أنا شخصياً أضحت ثقافتي انكليزية أكثر منها يوغندية، بل لا أستطيع التحدث بلغة قبيلة والدي». وكان جعفر تلقّى تعليمه في بريطانيا إبان الثمانينات.

وفيما أبدى حرصاً على مشاهدة فيلم «آخر ملوك اسكتلندا»، وهي إشارة إلى عرض عيدي أمين في أوج مجده مساعدة الاسكتلنديين على الانفصال عن بريطانيا، قال إنه كان يتمنى أن يستند منتجو الفيلم إلى الحقائق بدلاً من الخيال وتخليد الأنماط. وزاد: «سهل جداً أن تقوم بتحويل والدي إلى كاريكاتور، لكنه في الواقع كان شخصاً ذا جوانب شديدة التعقيد».

معاوية يس

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...