قاســـم أميــن وتحريــر المرأة
قاسم أمين أحد رجال الإصلاح المنتمين لمدرسة الإمام محمد عبده الذين يؤمنون بالإصلاح التربوي التدريجي، وهو واحد من الذين امتلكوا القدرة والمبادرة للتغيير والتجديد، ونظروا إلى الإسلام في مقاصده الكبرى ودعوا للخروج من التقليد الأعمى ودعا إلى تجديد الفكر الإسلامي.
ويقع قاسم أمين في دائرة الجدل الثقافي منذ أكثر من قرن من الزمان بعد إصداره لكتابه الشهير المرأة الجديدة، حيث طالب المرأة المصرية بالخروج إلى الحياة ودعاها إلى نبذ التقوقع في الدار.
ولد قاسم أمين (1863-1908م) لأب تركي وأم مصرية من صعيد مصر، من أسرة من أوساط المصريين، كان والده «محمد بك أمين» قبل مجيئه إلى مصر واستقراره بها والياً على إقليم «كردستان»، أتم تعليمه الابتدائي والثانوي والعالي في مدارسها، وأكمل دراسة القانون في (مونبلييه) بفرنسا، وقضى فيها أربعة أعوام من عام 1881م إلى 1885م، يدرس المجتمع الفرنسي، ويطلع على ما أنتجه المفكرون الفرنسيون من المواضيع الأدبية والاجتماعية والسياسية، وأعجبته في فرنسا تلك الحرية السياسية التي تسمح لكل كاتب أن يقول ما يشاء حيث يشاء.
وأثناء دراسته بفرنسا جدّد صلاته مع جمال الدين الأفغاني ومدرسته حيث كان المترجم الخاص بالإمام محمد عبده في باريس.
بعد عودته إلى مصر، عمل قاسم أمين في القضاء وتدرج فيه حتى أصبح مستشارا، أقام مبدأ الحرية ومبدأ التقدم على أسس من الثقافة العربية المسلمة، وكان من رأي الشيخ محمد عبده في الإصلاح، فقد رأى أن كثيراً من العادات الشائعة لم يكن أساسها الدين، وقد كتب العديد من المقالات في الصحافة عن العلل الاجتماعية في مصر.
كان قاضياً وكاتباً وأديباً فذاً، ومصلحاً اجتماعياً اشتهر بأنه زعيم الحركة النسائية في مصر ومحرر المرأة المسلمة، كما اشتهر بدفاعه عن الحرية الاجتماعية وبدعوته لتحقيق العدالة، وبإنشائه الجامعة المصرية، وبدعايته للتربية في سبيل النهضة القومية، وفي سنة 1898م أخرج كتابه (تحرير المرأة) وفي سنة 1900م صدر كتابه (المرأة الجديدة) وتكلم في كتابه الأول عن الحجاب وتعدد الزوجات والطلاق، وأثبت أن العزلة بين المرأة والرجل لم تكن أساساً من أسس الشريعة، وأن لتعدد الزوجات والطلاق حدوداً يجب أن يتقيد الرجل بها، ثم دعا إلى تحرير المرأة لتخرج إلى المجتمع وتلمّ بشؤون الحياة، ولقيت هذه الآراء عاصفة من الاحتجاج والنقد، وقام الكتاب والقراء يردون على كتابه الأول الذي أثار جدلا، على أن المترجم لم يتزعزع أمام هؤلاء النقاد، فقد ظل سنتين يدرس الكتب والمقالات للرد عليها.
وإنما رخص للمرأة في هذا القدر لأن المرأة لا تجد بداً من مزاولة الأشياء بيديها ومن الحاجة إلى كشف وجهها، خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والزواج، وتضطر إلى المشي في الطرقات، وظهور قدميها، وخاصة الفقيرات منهن.
وأن الشريعة خوّلت للمرأة ما للرجال من الحقوق، وألقت عليها تبعة أعمالها المدنية والجنائية، فللمرأة الحق في إدارة أموالها والتصرف فيها بنفسها. فكيف يمكن لرجل أن يتعاقد معها من غير أن يراها ويتحقق شخصيتها؟!
وكثيراً ما أظهرت الوقائع القضائية سهولة استعمال الغش والتزوير في مثل هذه الأحوال، فكم من امرأة تزوجت بغير علمها، وأجَّرت أملاكها بدون شعورها، بل تجردت من كل ما تملكه على جهل منها، وذلك كله ناشئ من تحجبها وقيام الرجال دونها يحولون بينها وبين من يعاملها.
كيف يمكن لامرأة محجوبة أن تتخذ صناعة أو تجارة للتعيّش منها إن كانت فقيرة؟ كيف يمكن لخادمة محجوبة أن تقوم بخدمة بمنزل فيه رجال؟ كيف يمكن لتاجرة محجوبة أن تدبر تجارتها بين الرجال؟ كيف يتسنى لزراعة محجوبة أن تفلح أرضها وتحصد زرعها؟ كيف يمكن لعاملة محجوبة أن تباشر عملها إذا أجَّرت نفسها للعمل في بناء بيت أو نحوه؟! وإذا وقفت المرأة في بعض مواقف القضاء خصماً أو شاهداً، كيف يسوغ لها ستر وجهها؟
وانقسم النقاد في الحكم على قاسم أمين إلى فريقين اثنين، ففريق رأى في مشروعه الفكري إصلاحاً حقيقياً للمرأة لإخراجها من عصور التخلف إلى عصر العلم، في حين يرى فريق آخر أن قاسم أمين هو الذي فتح نافذة «التغريب» الأوربي، بما تعنيه من مجافاة روح حضارتنا وتقاليدنا؛ فأورث بفعلته المنازل والحياة الزوجية والناشئة كل أمراض الحضارة الغربية التي يئن ويشكو منها أصحابها.
توفي قاسم أمين في 23 نيسان عام 1908 وهو في الخامسة والأربعين عاماً.
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد