قراران متناقضان يطيحان بأحلام30ألف سوري بالحصول على مسكن تعاوني

10-12-2009

قراران متناقضان يطيحان بأحلام30ألف سوري بالحصول على مسكن تعاوني

لعل من البدهي القول: إن التعاون السكني هو قطاع أهلي يُعنى بالبناء والتشييد، ويؤدي دوراً وطنيَّاً جليلاً، من خلال رفده خطط الدولة الإسكانية، بمشاريع هامة، وتقديمه المسكن الجيد لأعضائه بسعر معقول ومقبول، وقد حقق في هذا المجال إنجازات جعلته موضع اهتمام كبير، من الجهات العليا في الدولة، التي عملت على إنهاضه من الكبوات التي تعرض لها خلال مسيرة عمله، ومعالجة المعوقات التي وقفت أمام تنفيذ المشاريع الإسكانية، التي أنيطت مهمتها به.
 ومنذ عام 2000م، أصبح التعاون السكني جزءاً من سياسة الدولة وإستراتيجيتها في تكريس مفهوم التعاون بشكل عام وفي كل المجالات، وأصدرت عدة قرارات وتشريعات تجسد ذلك الاهتمام الرسمي بهذا القطاع التعاوني، وكان أبرزها المرسوم 26 لعام 2006 م، القاضي بـ«تحديد فترة سداد أقساط المساكن الشعبية من 15 إلى 25 سنة، وتخفيض معدل الفائدة من 7.5 إلى 5.5 بالمئة كحد أقصى» وهو ما أدى إلى تخفيض أقساط المساكن بحدود 40 بالمئة.
والقانون رقم 17، بتاريخ 8/7/2007م، الذي أكد على الجهات المختصة، عند إعداد وتصديق المخططات التنظيمية والتفصيلية، لحظ مناطق خاصة بالسكن الشعبي والتعاوني، وفي حدود حاجة الجهات العامة والتعاونية للمقاسم المعدة للبناء.
وأما الخطة الخمسية العاشرة فقد كلفت التعاون السكني بتنفيذ 60 ألف وحدة سكنية على مستوى سورية، نظراً لحضوره المهم كما قلنا بداية في سياسة الدولة وإستراتيجيتها. ما دعانا إلى هذه المقدمة الطويلة، هو ما يتعرض له التعاون السكني في محافظة حماة من معوقات مقصودة، الغاية منها إرباكه وتقويض عمله، وتحقيق منافع خاصة ضيقة من وراء ذلك!!. وحتى لا نُتَّهم بالمبالغة أو التجني، سنعرض لكم في التحقيق التالي، وقائع ما يجري بالوثائق والتواريخ الرسمية.
لقد كُلِّفَ التعاون السكني بحماة- في إطار الخطة الخمسية العاشرة- بتنفيذ 8 آلاف وحدة، لم ينجز منها ولا حتى شقة واحدة، لعدم توافر الأرض، ولسعي قناصي الفرص، لتعطيل عمل هذا القطاع بحماة، من خلال سحب الأراضي المخصصة له منه، لتحقيق مكاسب شخصية، على حساب الجمعيات وأعضائها!.
فالأرض- ومساحتها 104 هكتارات- التي خصصها مجلس مدينة حماة منذ 5 سنوات، للجمعيات السكنية المشهرة في المدينة، وعددها 100 جمعية تضم قرابة 30 ألف عضو تعاوني، ثمَّة من عرقل استملاكها للجمعيات، رغم أن جزءاً من العقار الذي يضم هذه الهكتارات الـ104 استُملك لمصلحة المؤسسة العامة للإسكان، وهو ما جعل التشاؤم يتسرب إلى أفئدة العديد من أعضاء التعاون السكني في مدينة حماة، وحلمهم بالحصول على مسكن لائق وبسعر معقول يناسب دخولهم المحدودة يذهب أدراج الرياح، وهو أيضاً ما دفع بالعديد منهم إلى بيع أدوارهم في الجمعيات المسجلين فيها على شقق سكنية بعيدة المنال، وإلى الانسحاب من التعاون السكني، الذي كانوا يعدونه الملاذ الآمن من جشع تجار البناء وخطر المضاربات العقارية.

فقد نجح البعض بمسعاهم، وعطلوا استملاك الـ104 هكتارات بموجب أحكام المرسوم 20 لعام 1983 م، رغم أنه يحفظ حقوق أصحاب العقارات المستملكة واستفادتهم من المقاسم الناتجة عن الاستملاك، وذلك ليحققوا مصالح ضيقة على حساب المواطنين المساكين والوطن الذي يتغنون بحبه ليل نهار فقط، من خلال أمنياتهم بأن تدخل تلك المنطقة والعقارات في مشروع التطوير العقاري، بعد أن أوعزوا إلى بعض الخواص والمقربين، وبتمويل منهم إلى شراء بعض من تلك العقارات وأجزائها بأسمائهم كما يتردد بين الأوساط الشعبية اليوم، وهو ما جعل سعر الدونم في تلك المنطقة يقفز من مليونين إلى 7 ملايين ل. س!!. ولم يكتفِ أولئك بذلك، بل دفعوا البسطاء لتحرير وتحريك الشكاوى إلى جهات عديدة وعملوا على إصدار قرار من وزارة الزراعة رقمه 2220/ش.ز.1 تاريخ 13/9/2009 م، يقضي بإعادة النظر بموافقة زراعة حماة على استملاك العقارات وأجزائها الواقعة بين ضاحيتي الأمين والوفاء، وضمن المخطط التنظيمي لمدينة حماة لعام 2010 والمصدق بالقرار رقم 83 تاريخ 15/1/1996م!!.
فالوثائق التي بين أيدينا، والممهورة بأختام رسمية، تؤكد ما نعرضه في هذه المادة الصحفية، والبداية من كتاب، يحمل الرقم 336/و تاريخه 2/2/2009م، وجهه مجلس مدينة حماة، إلى وزارة الإدارة المحلية، يعلمها فيه بأنَّه:
بناءً على توجيهات الحكومة، تم تعديل الصفة التنظيمية للمنطقة الواقعة جنوب ضاحية الأمين «النقارنة» التي تبلغ مساحتها 178 هكتاراً، من سكن إلى سكن شعبي، وذلك حسب أحكام المرسوم 5 لعام 1982م، بعد استكمال كل الإجراءات المطلوبة، وصدور تعديل المخطط التنظيمي العام عن وزير الإسكان والتعمير بالقرار رقم 1415 تاريخ 19/4/2004م.
وخصص مجلسُ المدينة المؤسسةَ العامة للإسكان بـ74 هكتاراً، والاتحاد التعاوني السكني بـ104 هكتارات، وبناءً على ذلك، استملكت مؤسسة الإسكان هكتاراتها وفق المرسوم 20 لعام 1983م، وصدر عن السيد رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 1104 لعام 2006 م، القاضي بالموافقة على استملاك المؤسسة تلك الهكتارات وفق المرسوم المذكور، لتنفيذ مشاريع سكن شعبي عليها.
وأعدَّ مجلس المدينة إضبارة استملاكية للجزء المخصص للجمعيات التعاونية السكنية 104 هكتارات، وفق أحكام المرسوم 20 لعام 1983م، لكونه استكمالاً لمشروع الاستملاك الصادر بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1104 لعام 2006م.
وأنَّ مجلس المدينة حقق الانسجام بين الغاية من الاستملاك، بموجب الفقرة ه من المادة 34 من المرسوم 20، التي حفظت لأصحاب العقارات المستملكة حقوقهم من المقاسم الناتجة عن الاستملاك. وأن المنطقة المذكورة لا يوجد لها مخطط تنظيمي تفصيلي مصدق حتى تاريخه، وأن ثمَّةَ مانعاً قانونياً لتطبيق أحكام القانون 26 لعام 2000م، هو أن المنطقة المذكورة لا تقع ضمن مناطق التوسع السكني، استناداً للمخطط التنظيمي للمدينة لعام 2010م، بل ضمن المخطط التنظيمي لعام 2010 المصدق بالقرار 83 لعام 1996م، وبالتالي فاستملاكها لا يتم إلا وفق أحكام المرسوم رقم 20 لعام 1983م.
وهو ما أكدته وزارة الإدارة المحلية والبيئة، في كتابها رقم 335/4/ع تاريخ 15 شباط 2009م، الذي أرفقت فيه ربطاً كتاب محافظ حماة رقم 6069/ص.خ تاريخ 15/12/2008م، وكتاب مجلس مدينة حماة رقم 8943 وتاريخ 23/11/2008، المتضمنين أن استملاك العقارات وأجزائها من المنطقة المذكورة، لا يمكن أن يتم إلا وفق المرسوم 20 لأن منطقة الاستملاك هي من المناطق المصدقة قبل صدور القانون 26 لعام 2000م، وليست منطقة توسع سكني، وأن حقوق أصحاب العقارات المستملكة حفظها مجلس المدينة.

ورغم كل تلك الكتب والمذكرات، فقد أعادت الجهات المعنية، الإضبارة الاستملاكية لـ104 هكتارات، إلى مجلس مدينة حماة، لإعادة النظر فيها وإعدادها للاستملاك وفق أحكام القانون 26 لعام 2000م، لا وفق أحكام المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 1983 م، الذي استُملكت بموجب أحكامه 74 هكتاراً من ذات المنطقة العقارية- النقارنة- الصادر بالقرار 1104 لعام 2006م، عن رئيس مجلس الوزراء، لتنفيذ مساكن شعبية لمصلحة المؤسسة العامة للإسكان.

وقد أعدَّ اتحاد التعاون السكني بحماة، مذكرةً للجهات المعنية، فنَّدَ فيها تلك المغالطات القانونية، ودحض مزاعم المتباكين على مصالح وحقوق المواطنين المستملكة عقاراتهم في المنطقة المذكورة، وبيَّنّ فيها الحقيقة كاملة، وقد جاء فيها:
يقع هذا الحي ضمن المخطط التنظيمي العام لمدينة حماة 2010 المصدق بموجب القرار رقم 83 تاريخ 15/1/1996، وبمساحة 178 هكتاراً، منطقة تنظيمية «سكن شعبي»، وقسم منه بمساحة 74 هكتاراً خصص للمؤسسة العامة للإسكان. واستملك بالقرار رقم 1104 تاريخ14/3/2006م، الصادر عن السيد رئيس مجلس الوزراء وفق أحكام المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 1983م. أما القسم الباقي من العقار وبمساحة 104 هكتارات، من نفس المنطقة والمخصص للجمعيات السكنية، والملحوظ على المخطط التنظيمي لمدينة حماة 2010 المصدق بالقرار 83 لعام 1996 «بصفة تنظيمية سكن شعبي»، فقد أعدَّ مجلس مدينة حماة إضبارة لاستملاكه إلى وزارة الإدارة المحلية والبيئة، وفق أحكام المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 1983، ورفعت الوزارة الاضبارة بكتابها رقم 1141/4/ت.ع تاريخ 26/8/2008م. ولكن الاتحاد التعاوني السكني فوجئ بكتاب وزير الدولة لشؤون المشاريع الحيوية رقم 2838/2 تاريخ 9/4/2009 والمتضمن أن «مجلس الوزراء وجه بالموافقة على استملاك المنطقة موضوع البحث وفق أحكام القانون رقم 26 لعام 2000 مع إعادة الإضبارة».
وسبب المفاجأة تجاهل رأي مجلس مدينة حماة، وكل المذكرات التي أعدها والمرفقة مع الإضبارة الاستملاكية، وكل القوانين والأنظمة النافذة، والمخطط التنظيمي لمدينة حماة والمنطقة لعام 2010 المصدق بالقرار 83 لعام 1996، والأهم من هذا وذاك تجاهل المانع القانوني لاستملاك المنطقة موضوع البحث وفق أحكام القانون 60 لعام 1979 المعدل بالقانون 26 لعام 2000 للأسباب التالية:
لكون القسم المراد استملاكه لا يمكن عده منطقة توسع عمراني، لكونه منظماً ومقسماً وواقعاً ضمن المخطط التنظيمي لمدينة حماة 2010 المصدق بالقرار 83 لعام 1996 وهذا ما أشار إليه كتاب رئيس مجلس مدينة حماة رقم 8943/و تاريخ 23/11/2008 وكتاب محافظ حماة رقم 6069/ص ع/10/4 تاريخ 15/12/2008.
إن المنطقة المراد استملاكها لمصلحة الجمعيات التعاونية السكنية في مدينة حماة والبالغة مساحتها 104 هكتارات والقسم المستملك منها وبمساحة 74 هكتارا لمصلحة المؤسسة العامة للإسكان بموجب القرار رقم 1104 تاريخ 14/3/2006 تشكل وحدة متكاملة «سكن شعبي» منظمة ومقسمة ضمن المخطط التنظيمي لمدينة حماة لعام 2010 المصدق بالقرار 83 لعام 1996. إن مرسوم الاستملاك رقم 20 لعام 1983 وخاصة المادة 34 فقرة (هـ) منه تحفظ حقوق المالكين سواء لجهة التعويض العادل أو الاستفادة من مقاسم خاصة بهم. وأكد الاتحاد في مذكرته أنه حتى تاريخه لم تتمكن الجمعيات من تأمين المساكن لأعضائها التعاونيين وتنفيذ ما كلفت به من الخطة الخمسية التاسعة والعاشرة بسبب عدم توافر الأراضي اللازمة.

والسؤال الذي يُطرح في هذا المجال، هل ستقف الجهات المسؤولة مكتوفة الأيدي، أمام مساعي البعض للإفادة من هذه المخالفة القانونية وعرقلة استملاك هكتارات الجمعيات، وهل ستدعهم يثرون على حساب الوطن والمواطن؟

محمد أحمد حمادي

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...