قوى معقدة وراء الحجاب

20-07-2009

قوى معقدة وراء الحجاب

 يمكن لتجاور وجهات نظر الرئيسين أوباما وساركوزي حول لبس المرأة المسلمة الحجاب أن يجرّنا إلى إدانة موقف ما وامتداح الموقف الآخر ببساطة. ويمكن، من خلال منظور واحد، وصف مواقفهما بأنها تحترم الحريات الدينية من ناحية وتتدخّل بشكل غير مبرر في الشؤون الدينية من ناحية أخرى. ولكن يمكن رؤية هذه المواقف نفسها، من منظور آخر، على أنها ليبرالية ساذجة متعددة الثقافات مقابل تفهم براغماتي لمخاطر مواجهة الدولة الفرنسية العلمانية.

نجمع ببساطة زائدة مفهوم الفصل بين الكنيسة والدولة في فرنسا والولايات المتحدة في الوقت الذي أعطى التاريخ المختلف لكل من هاتين الدولتين دفعة لفروقات دقيقة وهامة حول كيف يُفهم هذا الفصل.

تتجذر قناعة الرئيس أوباما بأنه يتوجب على الدولة ألا تعيق "المواطنين المسلمين عن ممارسة دينهم كما يرون ذلك مناسباً" في عبارات "الممارسة الحرة والإنشاء" في التعديل الأول للدستور. وتاريخ هذه العبارات هو تاريخ المهاجرين الذين هربوا من قيود وضعتها الدولة على حرياتهم الدينية في العالم القديم.

عبّرت رسالة توماس جيفرسون عام 1802 إلى جمعية دانبري المعمدانية عن هذه القناعة كما يلي: "إيماناً مني معكم بأن الدين قضية تكمن فقط بين الإنسان وربه، وأن الإنسان ليس مسؤولاً أمام أحد غيره فيما يتعلق بعقيدته وأسلوب عبادته، وبأن السلطة الشرعية للحكومة لا تتعدى مجال الأعمال فحسب وليس الآراء والأفكار، أستذكر بتبجيل سيادي ذلك العمل الذي قام به الشعب الأمريكي بأكمله والذي أعلن أنه يتوجب على السلطة التشريعية ألا تسن أي قانون يتعلق بمؤسسة دينية أو تمنع ممارسة هذه المؤسسة لدينها، الأمر الذي يبني جدار فصل بين الكنيسة والدولة".

الأمر الشيطاني الذي يُقصد استثناؤه في المفهوم الأمريكي بالفصل بين الدين والدولة هو طغيان الدولة على الدين. يتماشى موقف الرئيس أوباما فيما يتعلق بالثياب التي يُسمح للمرأة المسلمة لبسها، يتماشى بشكل كامل مع هذا المفهوم في الفصل بين الكنيسة والدولة. يجب ألا تفرض الدولة ما يتطلبه دين من أتباعه.

تطور المجتمع العلماني الفرنسي (Laïcité)، من ناحية أخرى، ليس نتيجة للخوف من سلطة الدولة وإنما من خوف وتوتر فيما يتعلق بسلطة الكنيسة الكاثوليكية. كان تاريخ الحروب الدينية في فرنسا، ثم حملات الكنيسة الكاثوليكية التي تلت ضد الجمهورية، هي التي وفرت المعرفة للفصل بين الكنيسة والدولة في فرنسا. الأمر الشيطاني الذي يُقصَد أن يستثنيه هذا الفصل هو سلطة الدين المنظّم ضد حقوق المواطنين المدنية.

تستحق جهود الرئيس أوباما في الوصول نحو المسلمين الكثير من الثناء. إلا أن توجهه الواسع قد يتركنا أحياناً نتساءل حول عمق فهمه بالقضايا المطروحة على المحك. قد تشكل طروحاته المتعلقة بالحريات الدينية في لبس الحجاب تصريحات عظيمة، إلا أنها تتجاهل كذلك واقع القمع وعدم التسامح في بعض المجتمعات المسلمة.

عندما قامت هيئة ستازي التي عينها الرئيس شيراك عام 2003 بالتصويت بالإجماع تقريباً لصالح قانون يمنع لبس الحجاب في المدارس الفرنسية، كان أكثر الجدل قوة وإفحاماً قدمه أعضاء اللجنة هو أن القانون الجديد يحمي الفتيات اللواتي لا يرغبن بلبس الحجاب من الضغوطات لعمل ذلك.

هذا الضغط حقيقي وموجود في العديد من المجتمعات الإسلامية. ففي ماليزيا على سبيل المثال، تتعرض الفتيات المسلمات اللواتي لا يرغبن بلبس الحجاب في المدارس إلى ضغوطات اجتماعية قوية من المعلمين والمعلمات وزميلاتهن في الدراسة. وقد قامت الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا بإدخال قانون عام 2004 يفرض حتى على غير المسلمات من الطالبات لبس الحجاب.

ويشكّل هذا النوع من الضغط انعكاساً للإسلام الموجّه والمراقب بشدة بدعم من الدولة في ماليزيا، حيث يمكن لفرد يحاول رفض الإسلام أن يتعرض للاعتقال فيما يسمى مراكز إعادة تأهيل، ويفرض عليه غرامات وقضاء حكم في السجن. باختصار، لا يملك المسلمون في ماليزيا الحق في تقرير دينهم أو ممارسة حرية الضمير.

قد يكون الأمر أن بعض النساء المسلمات يخترن لبس الحجاب طوعاً، كمؤشر ظاهر وبفخر لهويتهن، أو نتيجة لاعتقاد صادق بأن دينهم يتطلب هذا اللباس. لا تُشكل هذه القناعة وغياب الضغط ظاهرة عالمية بأي حال من الأحوال في المجتمعات الإسلامية. قد يكون الرئيس أوباما قلقاً فيما يتعلق بالدولة التي تفرض على المرأة المسلمة لبس ثياب معينة. ولكن ما الذي يجب عمله بالسلطات الدينية أو الآباء المسيطرين على الأسرة، الذين يفرضون هذه الشروط على المرأة؟

هل نحمي المؤمنين المسلمين من سلطة الدولة؟ أم هل نحمي المواطنين المسلمين من سلطة المؤسسة الإسلامية؟ هنا تكمن القضية الحقيقية، التي تجاهلها الرئيس أوباما، والتي حلها الرئيس ساركوزي بأسلوب وحشي زائد: كيف يتسنى للدولة أن تضمن احترام ضمائر النساء المسلمات ليس فقط من قبل الدولة وإنما كذلك ممن قبل سلطاتهن الدينية. يجب عدم التغاضي ببساطة عن مصادر قلق هؤلاء الذين يدافعون عن النموذج الفرنسي للمجتمع العلماني (Laïcité) على أنهم دعاة لتدخل الدولة غير المبرر في الشؤون الدينية.

ليس لبس الحجاب أبداً مجرد تعبير بسيط عن الإيمان من قبل النساء المسلمات.

يمكن للحجاب من منظور إيجابي أن يشكل تعبيراً عن التمكين الأنثوي، حيث ترفض النساء اعتبارهن سلعاً جنسية من قبل الرجال، ويقمن بالسيطرة على أجسادهن. يمكن للبس الحجاب كذلك أن يشكل تحدياً وتحديداً ضرورياً للهوية في عالم تنتشر فيه عدم الثقة بالمسلمين.

من ناحية أخرى، يمكن للحجاب كذلك أن يشكّل وسيطة سيطرة في مجتمع أبويّ محافظ، ويمكن أن يشكل، بالنسبة لبعض النساء اللواتي يدّعين لبسه طواعية، تعبيراً عن الشك الداخلي بجنسويتهن.

يتوجب علينا أن نفهم ذلك قبل أن نقترح أن ننتقد منع الحجاب.

 

اليوسيوس موي*

المصدر:: واشنطن بوست/نيوزويك OnFaith 29 حزيران/يونيو 2009

* اليوسيوس موي قسيس يسوعي وعالِم في الإسلام. وهو أيضاً باحث وكاتب في مركز الشرق الأوسط للخريجين في ماليزيا. تقوم خدمة Common Ground الإخبارية بتوزيع هذا المقال بإذن من الواشنطن بوست/نيوزويك OnFaith.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...