كأس العالم 2022: محاكمة حقوقية لقطر والخليج

15-02-2014

كأس العالم 2022: محاكمة حقوقية لقطر والخليج

أيضا كان هناك دموع. المحاكمة تضج بالإدانات من جميع الأطراف، والقاضي وجد نفسه مضطرا للانضمام إلى فريق الادعاء. لا مناص، فالجميع يلوحون بحقائق وليس فقط بأدلة. مأزق جعل المتهم، دولة قطر، تختار عدم الحضور تقليلا للخسائر.
لم يبق شيء لم يقل في العاصمة البلجيكية بروكسل على مسامع قاضي الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا": عبودية حديثة، إقطاعية، العمل بالسخرة. صخب جذب تغطية إعلامية مكثفة وجعل الجمعيات الحقوقية تتمنى لو تقام دائماً الأحداث الكبرى في الدول الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان. هذه الجمعيات تعرف كيف وقعت انتهاكات قطر لحقوق العمال، والمشرّعة عبر قوانينها، قضية ساخنة بفضل استضافة الإمارة الخليجية لكأس العالم (المونديال) العام 2022.
هكذا صار الأمر أشبه بمحاكمة دولية. بروكسل كانت مسرح الجلسة الجديدة، أمس الأول. لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي خصصت اجتماعا لنقاش تقرير عن تعهدات قطر كي تتوقف الانتهاكات، وهي تتدرج من عدم احترام الحقوق وصولا إلى الموت نتيجة حوادث العمل وظروفه التعيسة. تم الاستماع إلى ممثل "الفيفا" وإلى الجمعيات المعنية: منظمة العفو الدولية، منظمة العمل الدولية، الاتحاد الدولي لنقابات العمال وغيرها.
إنه نظام "الكفالة" المطبق في دول الخليج العربي، وعبره يمكن للكفيل، سواء كان رب العمل أو مواطنا خليجيا أن يملك مصير العامل الأجنبي. نتيجة لذلك يتجنب العامل كابوس الصدام حتى لو انتهكت شروط عقده وأعطي راتبا أقل أو تأخروا في الدفع له. الكفيل يمكنه ترحيل العامل أو منعه من مغادرة البلد، فمن دون توقيعه لا يمكن منح تأشيرة الخروج.
هذا ما أقرّ به ثيو سوانزيغر، وهو عضو المكتب التنفيذي لمنظمة "الفيفا"، ردا على أسئلة وجهتها "السفير". قال إن "نظام الكفالة مسؤول بشكل كبير عما يحدث هناك"، وبما يتعدى قطر. ويقول "علينا النظر إلى الدول الأخرى حيث يوجد النظام نفسه".
لكنه ذكّر بأنّ "الفيفا"، على شهرتها، ليس لديها مقعد دائم في مجلس الأمن. شدد على أن المنظمة لن "تغمض العين"، لكن ذلك لا يشمل "إلغاء الكفالة". لماذا؟ يهزّ برأسه قائلاً "لأن الفيفا لا تضع القوانين في قطر، ولا نملك أية صلة بهذا البلد سوى الضغط الذي يمكننا ممارسته عبر كأس العالم، لذلك هذه الأمور يجب معالجتها على المستوى السياسي".
هنا يخفي السياسيون الأوروبيون وجوههم. كان بإمكان البرلمان الأوروبي فعل الكثير لتغيير نظام الكفالة، وتحديدا في حالة دولة الإمارات العربية، حيث أنها تقترب من الحصول على امتياز إعفاء مواطنيها من تأشيرة الدخول إلى دول التكتل الأوروبي. لم يشترط الأوروبيون لذلك تغيير نظام "الكفالة" الذي يكرّس "العبودية الحديثة"، كما أسماه الاتحاد الدولي للنقابات.
الأوروبيون معنيون بقضية نظام "الكفالة" والانتهاكات من عدة نواح. قبل كل شيء، هناك حوالي 400 ألف عامل أوروبي في قطر. ثم ان شركات البناء الأوروبية من أبرز الحاضرين في أعمال التشييد الضخمة، وهناك مئات آلاف العمال سيتم استقدامهم لاستكمالها.
تمت دعوة السفارة القطرية، لكنها لم تحضر. اكتفت بإرسال بيان تقول فيه إنّ قطر "تأخذ على محمل الجد" القوانين الدولية و"تؤمن إيمانا عميقا بمبدأ الحفاظ على الكرامة الإنسانية".
لاعبو كرة القدم هم أيضا عمال أجانب في قطر. وفي جلسة الاستماع لم يستطع زهير بليونس إخفاء دموعه. روى اللاعب الفرنسي من أصل جزائري كيف منع من مغادرة قطر لمدة 17 شهرا، قبل أن يخرج بشق النفس قبل بضعة أشهر. كان يلعب منذ العام 2007 في "نادي الجيش القطري"، وقال إنهم لم يدفعوا له رواتب سنتين فرفع قضية ضد رئيس النادي جوعان بن حمد آل ثاني، شقيق أمير قطر الحالي تميم بن حمد آل ثاني. اعتبروا ذلك "خطيئة"، ورفضوا منحه تأشيرة خروج.
رفع بليونس جواز سفره الفرنسي في صالة البرلمان الأوروبي، وقال إنه بفضله تمكن أخيرا من المغادرة "لكني لا أتوقف عن التفكير بمن لا يزالون هناك وليس لديهم هذا الحظ". وفي دردشة مع "السفير"، لفت إلى أن إدارة النادي تعاملت معه "كعدو ... واحد منهم قال لي سندمرك، فأنت أخطأت عندما اشتكيت علينا".
حالة بليونس توضح أن ما يمكن أن يواجهه العمال الضعفاء ليس أقل من "جحيم". فكونه لاعب كرة استقطب الأضواء، وكان من بين أربعة فرنسيين قابلهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وحاول عبثا حلّ مشكلتهم عندما زار قطر في شهر تشرين الأول الماضي.
من جهتها، تعمل جميع المنظمات الحقوقية على استثمار الاهتمام العالمي بقطر، لكن بعضهم يهمس بأن تغيير نظام "الكفالة" ممكن لبعض الفئات المحظوظة. مسؤول في النقابة الدولية للاعبي كرة القدم، فضل التحدث إلى "السفير" من دون الكشف عن هويته. قال إنهم يعملون الآن على "استثناء اللاعبين من نظام الكفالة وتحسين شروط عملهم، ويمكننا أن ننجح لأن هناك اهتماما عالميا باللاعبين، هذه أولويتنا، يمكننا مساعدة النقابات الأخرى عبر الضغط لكن الأمر صعب".
الحديث لا يدور عن انتهاكات عابرة، فالفضيحة التي أحرجت "الفيفا" كلفت أرواحا. خرجت القضية إلى العلن بعدما نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في شهر أيلول الماضي، تقريرا عن وفاة عشرات العمال الآسيويين نتيجة ظروف العمل السيئة.
ممثل "الفيفا" قال إنهم لن يسحبوا كأس العالم من قطر، لأن ذلك يعني "استمرار الانتهاكات" وفقدان وسيلة ضغط لوقفها. الأجدى برأيه استثمار "فضيلة" أضواء كأس العالم التي "فتحت البلد وقدمتها بإيجابياتها وبسلبياتها. فهذا ما يمكن أن تقدمه كرة القدم". لذا ستبقى القضية على نار حامية، وسينشر تقرير جديد بعد ثلاثة أشهر لرصد تطبيق قطر لوعودها. فقبل أيام أعلنت أنها ستعتمد معايير جديدة لحماية العمال في منشآت كأس العالم، في الإمارة التي تبلغ نسبة العمالة الأجنبية فيها أكثر من 85 في المئة من سكانها، وقالت إنها ستلاحق التزام شركات البناء والتعهدات بحقوق العمال وتعاقب من يخرقها. كل هذا لا يتعدى إطار "البزنس" المرتبط بكأس العالم.
الضغط الذي تتعرض له "الفيفا" سيجعلها ملزمة بجعل قطر تصغي وتمتثل. ستتواصل الرقابة كما سيتواصل تسجيل الانتهاكات، ولدى الإعلام والنقابات ثمانية أعوام حتى إقامة "المونديال".

وسيم إبراهيم

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...