كتاب "التطهير العرقي في فلسطين"يسمي القتلة وأماكن عملهم

19-03-2007

كتاب "التطهير العرقي في فلسطين"يسمي القتلة وأماكن عملهم

لابد من الاعتراف أولاً بأن قراءة هذا الكتاب وتقديم عرض له لم تكن سهلة علينا، السبب الأول نفسي محض ناتج من كونه يروي قصة طرد الحركة الصهيونية شعب فلسطين بأكمله من وطنه (1947-1949).
وهذا ما يجعل كل كلمة منه تغرق في دموع ودماء شعب نهبت الحركة الصهيونية المتواطئة مع القوى الأوروبية وأنظمة عربية ممتلكاته الشخصية والوطنية وساقته إلى خارج وطنه بقوة السلاح، بعدما ارتكبت بحقه مختلف الجرائم من قتل وخطف واغتصاب وسرقة وضرب وتعذيب.
من ناحية أخرى ونظرا لاحتواء الكتاب على تفاصيل كثيرة موثقة للمرة الأولى، لم يكن سهلا علينا عرضه على النحو المختصر المطلوب دون الانتقاص من قيمته العلمية.
لذا رأينا أن الطريق الأفضل هو ذكر أسماء الفصول التي تلخص محتواها على نحو جيد، مع الاستطراد المقتضب قدر الإمكان، ثم نلي ذلك بعرض مجموعة حقائق تاريخية ثبتها المؤلف نرى وجوب عرضها عرضا منفصلا.
الفصل الأول: تطهير عرقي "مزعوم"
يخصص المؤلف هذا الفصل للبحث القانوني في المصطلح ليصل إلى مقارنة التطهير العرقي الصهيوني في فلسطين بالصربي والكرواتي في يوغسلافيا السابقة، الذي عدته الأمم المتحدة جريمة ضد الإنسانية وشكلت محكمة خاصة لملاحقة المجرمين.
الفصل الثاني: الدفع باتجاه دولة يهودية حصريا
إن قيام الحركة الصهيونية بتطهير فلسطين عرقيا لم يحصل بسبب مقاومة الفلسطينيين قرار التقسيم ورفضهم له، وإنما هو نابع من أسس الفكر الصهيوني، حيث وضعت الخطط لذلك من البدايات بهدف خلق قلعة يهودية صافية عرقيا.
الفصل الثالث: التقسيم والتدمير: قرار جمعية الأمم المتحدة رقم 181 وتأثيره
تعتبر منظمة الأمم المتحدة مشاركة في المسؤولية عن نكبة فلسطين وشعبها، لأنها لم تأخذ رأيه عندما اتخذت قرار التقسيم، ولم تضع أي حلول بديلة في حال عدم نجاحه.
الفصلان الرابع والخامس: إتمام الخطة الأساس، مخطط التطهير العرقي.. (الخطة دالِت)
ترك الشعب الفلسطيني أراضيه وقراه وممتلكاته، وعلى عكس ادعاءات الحركة الصهيونية و"المؤرخين الجدد" لم يكن نتيجة جانبية للحرب وبسببها، وإنما بموجب سياسة رسمتها الوكالة اليهودية ونفذتها عبر خطط جاهزة مسبقا منها (مثلا: دالِت والخميرة)، إضافة إلى مجموعة من العمليات العسكرية منها: دكل وكيبا ونيكوي وبروش وشوتير وداني وحيرام والمشط وزقوق.
ونفذت القوات الصهيونية عمليات التطهير العرقي بالمجازر والقتل ونسف البيوت وحرقها والإرهاب والنهب واغتصاب النساء واستخدام الأسلحة البيولوجية والكيماوية.. إلخ، وقد شهد على عدد منها مراسلون إنجليز وأميركيون وكتبوا عن ذلك في صحفهم.
الفصل السادس: الحرب الزائفة والحرب الحقيقية من أجل فلسطين: أيار 1948
قاوم الفلسطينيون محاولات طردهم من بلادهم بكل ما توافر لديهم من وسائل، علما بأن ما توافر لديهم من إمكانات كانت دون الحد الأدنى اللازم لأي مواجهة عسكرية.

الدول العربية أرسلت جيوشها إلى فلسطين يوم (15/5/1948) ليس لحماية الفلسطينيين ومنع قيام الدولة اليهودية، وإنما لتنفيذ قرار التقسيم.
حاكم شرق الأردن عبد الله (الأول) كان من أكبر المتحمسين لمشروع تأسيس دولة يهودية في فلسطين وطرد سكانها، واتفق مع الوكالة اليهودية وبريطانيا على ذلك منذ البدايات.
القوات اليهودية في فلسطين عشية "حرب" 1948 كانت أكبر وأفضل مقارنة مع الجيوش العربية التي لم تكن مستعدة عسكريا ولم يتجاوز عددها 20 ألفا.
سوريا كانت الوحيدة التي أبدت استعدادا حقيقيا لدخول حرب فلسطين، لكنها لم تكن مؤهلة لدخول أي حرب. وقد أسهم بعض قادتها في الإخفاقات ومنهم أديب الشيشكلي الذي رفض تقديم المساعدة لفوزي القاوقجي قائد (جيش الإنقاذ)، مع ضرورة إعادة تقويم تأثيره ودوره ضمن خطة التقسيم.
الجيش اللبناني لم يدخل الحرب، ولا حتى عندما احتلت القوات الصهيونية (13) قرية لبنانية حدودية وارتكبت فيها مجازر وأسرت جنودا لبنانيين، والدولة اللبنانية أسهمت في نجاح عمليات تطهير عرقي حيث تعاونت مع الحركة الصهيونية في تسهيل ترحيل الفلسطينيين من الجليل.
الفصلان السابع والثامن: تصعيد عمليات التطهير العرقي
قوات الاحتلال البريطاني أسهمت على نحو فعال في طرد الفلسطينيين من الأراضي التي أخضعتها الأمم المتحدة بموجب قرار التقسيم 1947 للدولة اليهودية، والأمم المتحدة كانت متواطئة مع الحركة الصهيونية في عمليات التطهير العرقي لأنها لم تتحرك لمنعه، وأمينها العام لم ينشر تقارير مندوبيه في فلسطين عن المذابح التي ارتكبتها القوات اليهودية هناك.
الفصل التاسع: الاحتلال ووجهه البشع
خصص المؤلف هذا الفصل للحديث عن وحشية معاملة السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين الذين تمكنوا من البقاء في بلادهم أو العودة إليها متسللين.
الفصل العاشر: مسح النكبة من الذاكرة
مخصص لعرض عمليات تهويد أسماء المواقع في فلسطين وتاريخها، في محاولة لمحو الحقيقة التاريخية.
الفصل الحادي عشر: إنكار النكبة و"العملية السلمية"
إن إنكار الحركة الصهيونية والغرب للنكبة يشكل عائقا حقيقيا أمام أي سلام، حيث لا يمكن الوصول إلى سلام إلا باعتراف إسرائيل بجرائمها وتطبيق ذلك عبر تنفيذ حق العودة، بما يعني تجريدها من طابعها الصهيوني ومنحها جوهرا ديمقراطيا.
الفصل الثاني عشر: إسرائيل القلعة الحصينة
اتفاقات أوسلو وما تبعها بما في ذلك وثيقة جنيف لا تساعد الشعب الفلسطيني ونضاله بل تسهم في دعم إسرائيل (القلعة اليهودية)، بما يحمل ذلك من أخطار قيامها بعملية ترانسفير جديدة بحق الشعب الفلسطيني.

حقائق مهمة تنقض أساطير التأسيس

تتلخص استنتاجات الكاتب السياسية في القناعة بأنه لن يقوم أي سلام في فلسطين دون اعتراف الجانب الإسرائيلي بالجرائم التي ارتكبها بحق الفلسطينيين، وكذلك الاعتراف بحق عودة الفلسطينيين ضمن حدود فلسطين الانتداب وتعويضهم عما لحق بهم من ظلم وأذى، بما يعني بالضرورة إلغاء الجوهر الصهيوني للدولة اليهودية.
لكن ثمة حقائق مهمة أخرى ذكرها المؤلف نرى من الضروري لفت الانتباه إلى أكثرها أهمية على نحو مميز، وهي:
- الجالية الشركسية والطائفة الدرزية في فلسطين تعاونتا مع الحركة الصهيونية بعد معركة وهمية متفق عليها، ثم شاركتا في قمع الفلسطينيين في الدولة اليهودية عبر حرس الحدود المشكل أساسا منهما، وقد "كافأهما" الصهاينة بعدم ترحيلهما.
- مقدار ممتلكات الصندوق القومي اليهودي من أراضي فلسطين عشية إعلان دولة إسرائيل كان أقل من 6%.
- عشية قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين لم يشكل اليهود أغلبية في أي من محافظات فلسطين.
- بقاء بعض الفلسطينيين في أراضيهم رغم عمليات التطهير العرقي المبرمجة والمنظمة عائد لقرارات ميدانية تتعلق ببعض القادة العسكريين والمدنيين، ولم يمكن فهم أسبابها
- الحزب الشيوعي الفلسطيني/الإسرائيلي مارس دورا مشاركا إلى جانب الحركة الصهيونية في نكبة فلسطين وتأسيس الدولة اليهودية بتوسطه لدى تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفياتي لإمداد الحركة الصهيونية بالسلاح، وهو ما تم فعلا.
- القوات الصهيونية خططت لاحتلال الجولان عام 1948 وتدمير مدينة القنيطرة وتطهيرها عرقيا.
- الحركة الصهيونية خططت لإقامة دولة مسيحية في لبنان حدودها الجنوبية نهر الليطاني.
- وكالة غوث اللاجئين وتشغيلهم (الأونروا) أقيمت خصيصا لمنع (منظمة اللاجئين الدولية) من القيام بالمهمة، وهي التي رعت اللاجئين اليهود بعد الحرب العالمية الثانية، حتى لا يتم عقد أي مقارنة بين الحالتين.
المؤلف لم يكتب مؤلفا مجردا لأنه لا يترك القتلة من دون أسماء، بل يذكر، ما أمكنه، كثيرا منهم مع مواقعهم الرسمية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، ديفد بن غوريون ويغال يادين وموشيه دايان ويغال آلون ويتسحاك ساديه وموشيه كلمان وموشيه كرمل وإسحاق رابين.
كما يذكر أسماء كثير من القرى والبلدات الفلسطينية التي تعرضت للتطهير العرقي على يد القوات الصهيونية (531 قرية إضافة إلى مدن وأحياء عربية)، ومن ذلك الطيرة وقلنسوة وقاقون والشويكة وطيرة حيفا وعين غزال وعين هود ومزار وصفورية واللد والرملة مع ذكر تاريخ سقوطها وأسماء القادة العسكريين الصهاينة الميدانيين المسؤولين عن ذلك، والفرق التابعة لهم.
كما أنه يتعامل بما توافر من تفاصيل عن المذابح التي ارتكبتها القوات الصهيونية وأسماء القادة المسؤولين عنها.
إضافة إلى ذلك يسجل أيضا أسماء القرى الفلسطينية التي حولتها الدولة اليهودية إلى أحراج ومنتجعات سياحية ومنها مثلا طيرة الكرمل وطيرة حيفا وعمقا وعين الزيتون واللجون وغيرها.
ولا ينسى المؤلف ذكر تدنيس الدولة اليهودية المواقع المقدسة الإسلامية والمسيحية، ومنها أيضا على سبيل الذكر مقام الشيخ ابن سيرين وكنيستا البروة وسحماتا ومساجد الخيرية والصرفند قرب حيفا والمجدل وقيسارية وبئر السبع والزيب وعين الزيتون وحطين، حيث حول معظمها إلى خمارات أو مطاعم.. إلخ.
الأهمية العلمية الخاصة للمؤلف إضافة إلى مؤهلاته الأكاديمية أنه يعتمد على نحو كامل تقريبا على محفوظات الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية، إضافة إلى يوميات قادتيهما السياسيين والعسكريين ومذكراتهم.
لكنه في الوقت نفسه لا يُهمل الروايات الشفهية الفلسطينية، خاصة عندما يتبين اكتسابها مصداقية إضافية من الوثائق الرسمية الصهيونية.
ويعيد الكتاب الاعتبار للاجئين الفلسطينيين في المخيمات ويبرئهم من التهمة الظالمة التي ثبت بطلانها وألحقت بهم، وفي أحيان كثيرة على يد فلسطينيين، اتهموهم بالخوف والجبن وترك أراضيهم وتسليمها للقوات الصهيونية.
والمؤلف يبدي آراء مهمة في مجموعة من النقاط ذات العلاقة، ومن ذلك دحض كثير من آراء ما يسمى المؤرخين الإسرائيليين الجدد وفضح تواطؤ بعضهم في تبني الرواية الرسمية الصهيونية.
كما أنه ينتقد أيضا مصطلح "النكبة"، لكن فقط من منطلق أنه يهمل ذكر المجرم الذي تسبب بها.
ويلاحظ أن المؤلف كان منسجما تماما مع نفسه حيث استعمل عبر الكتاب الاسم (فلسطين) للدلالة على الأرض، بدلا من (إريتس إسرائيل، إسرائيل، إسرائيل-فلسطين) الذي يوظفه كثير من "المؤرخين الجدد" الذين فضحت الانتفاضة الفلسطينية عمق صهيونيتهم.
كما أنه استخدم عبر الكتاب مصطلح (القوات اليهودية) وليس أي مصطلحات مضللة واضعا الإسرائيليين أمام أنفسهم عراة.
في ظننا أن هذا الكتاب أحد أهم ما صدر عن النكبة. ومن يريد كشف حقيقتها للرأي العام العالمي وإدانة الصهيونية فعليه نشره بكل لغات العالم الحية، وليس عقد مؤتمرات لنفي المحرقة، التي تبرئ قوى أوروبية مجرمة لن تتورع عن إبادة العرب والمسلمين لو أتيحت لها الفرصة.
إن نفي المحرقة يساوي، في ظننا، في أوجه عديدة، نفي نكبة فلسطين وشعبها التي ألحقتها بهما القوى الاستعمارية الأوروبية والحركة الصهيونية، بتواطؤ قوى وأنظمة عربية مازالت تتحكم فينا وفي أوطاننا إلى يومنا هذا.


 عرض ـ زياد منى
المصدر: الجزيرة
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...