كمال أبو ديب: الإسلام عمق الصدام مع الغرب

09-06-2007

كمال أبو ديب: الإسلام عمق الصدام مع الغرب

يحاول المفكر العربي السوري كمال أبو ديب من خلال مؤلفاته بلورة صورتين للوجود العربي في مرحلتين مختلفتين لا اختلافاً زمنياً.

بل في جوهر رؤيا الفنان للعالم فيهما ورؤياه لذاته وقضيته وقضية أمته والمجتمع الذي يعيش فيه؛ احداهما جسدت عالماً عضوياً يؤمن الانسان فيه بفعاليته وتوحده بالقوى الفاعلة ثورياً في المجتمع وبامكانية فعل التغيير، والأخرى تجسد عالماً مفتتاً متشظياً يعيش الانسان فيه حالة من الرعب والتقوّض وفقدان الفاعلية وإرادة التغيير تصل حد الفجيعة. 
 كما دأب على معاينة الواقع العربي اليوم من منظور سيادة التفتت والتشظي وما أسماه «انهيار الاجماع» وسعى أيضاً الى تأسيس منهج نقدي قادر على اكتناه الكتابة العربية ورصد خصائصها وبناها المكونة. ‏

وفوق كل هذا تخصص الدكتور كمال أبو ديب في بعض أعمال المفكر الراحل ادوارد سعيد وذلك من خلال ترجمته لبعض الأعمال التي برع فيها.. وأحدث الاصدارات التي عكف عليها ترجمته وتقديمه لكتاب «الثقافة الامبريالية» مؤكداً ان ادوارد سعيد كان قوياً وصارماً في تأويلاته الجديدة ونظرياته المتعلقة بالعالم وحركات المجتمعات الانسانية وحركة التاريخ والثقافة والأدب الروائي موضحاً خطاب ادوارد سعيد الذي يقدم جدلية العالم الحر ويقبل الجدل حول ثقافة الآخر ويرحب بما يصاغ حولها من أفكار وطروحات. ‏

للوقوف على بعض هذه الجوانب التقينا الدكتور كمال أبو ديب في الحوار الآتي: ‏

ہ ادوارد سعيد الذي ترجمت معظم أعماله تقريباً يؤمن بضرورة التواصل والتفاعل بين الثقافات والمجتمعات وكونك تعيش في الغرب كيف تقوّم العلاقة مع الآخر وما هو مفهوم الآخر لديك؟ ‏

ہہ العلاقة مع الغرب شديدة التعقيد تاريخياً وفي مراحل تاريخنا الطويل كانت العلاقة مع الغرب معقدة بشكل عام وتمتلك طابعاً من التنافر والعدائية الى حد بعيد، حتى في فترات ما قبل الاسلام إذا أخذنا الغرب باعتباره في تلك المرحلة اليونانية الرومانية، كانت العلاقة بين هذين الفضاءين علاقة ذات طابع صدامي الى معظم الحالات كان طابعاً يمثل فعل الغزو ومقاومة الغزو والهيمنة وحين جاء الاسلام عمق هذا البعد الصدامي للعلاقة، وطبعاً شهدت حروباً طويلة انتهت بفتح العرب لاسبانية والصدام الرائد بين العرب وبين المجتمعات والشعوب والقبائل الغربية بالمعنى الجغرافي وفي التاريخ الحديث، تاريخ العصر العثماني تحديداً، كان أيضاً تاريخ من الصدام الجغرافي والبشري مع الغرب الذي استمر مع نهاية الدولة العثمانية والاستعمار المباشر الفرنسي والبريطاني ثم الهيمنة الأمريكية في تشكيل الامبراطورية الجديدة المتمثلة حالياً باحتلال العراق. واننا نلاحظ ان الهيمنة الأمريكية على المنطقة قائمة اقتصادياً وسياسياً وبعدها العسكري أصبح خطاً متصاعداً قد لا ينتهي إلا باحتلال مناطق أخرى من العالم العربي هذا على المستوى العام.. من هنا أرى ان هذا التاريخ العريق من الصدامات على هذه المستويات كان سمة أساسية ومتخللة للعلاقة بين هاتين الكتلتين أو الحضارتين لكن على مستويات أخرى كانت تتناوس بين التفاعل الايجابي المخصب لكلتا الثقافتين في فترات تاريخية معينة مثلاً لعبت العلاقة بين العرب واليونان دوراً أساسياً في تكوين ثقافة عربية ذات مزايا فلسفية وعلمية بارزة، وفي مرحلة تالية لعب العرب دوراً أساسياً في تكوين ثقافة غربية بارزة أيضاً من خلال اسبانيا ومن خلال الترجمات اللاتينية للمعارف الغربية وبشكل خاص للمعارف التي حفظت تراث اليونان.. وكلنا يعرف ان ابن رشد وابن سينا ظلا علمين من أعلام المعرفة في أوروبا حتى القرن السابع عشر /1615/ أما على الصعيد الثقافي فلنأخذ النصوص الدينية مثلاً فهناك تمازج بين النصوص التوارتية والانجيل في التأويلات الدينية من جهة المعرفة التي تخصب والمعرفة التي تنفي وترفض!! ‏

وفي العصر الحديث ازدادت حدة الصدام ازدياداً هائلاً وبخاصة في النصف الثاني من القرن الماضي؛ فأصبح الصدام صداماً تكوينياً لنمط العالم الذي نعيش فيه في الغرب والشرق وفي العالم العربي تحديداً؛ بمعنى أن كثيراً من المشكلات التي نعاني منها تعود بشكل أو بآخر الى الحالة الصدامية بينهما من الوجهة الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية. لكن أيضاً في هذه المرحلة هناك بعد إخصابي ولكنه حتى الآن من طرف واحد لأن تمثلنا للثقافات الغربية أكثر بكثير من تمثل الثقافات الغربية لثقافتنا. ‏

ہ أشرت في تقديمك لترجمة كتاب «الثقافة والامبريالية» لإدوارد سعيد إلى ضرورة التخلص من «الهوية العزلوية» ما المقصود بالهوية العزلوية وكيف بالامكان التخلص منها؟ ‏

ہہ الهوية العزلوية تتجلى في عدة مستويات لكن أحد أخطر مستوياتها هو المستوى العرقي /الأعراقي /الإثني وخصوصاً في العالم العربي اليوم.. وقد تكون المرحلة التي طغى فيها «تحديد القومي» في العالم العربي مسؤولة الى حد كبير عن حالة التشظي التي تسود العالم العربي الآن لأن تحديد القومية ارتكز الى مفهوم هوية عزلوية فسميت «القومية عربية» وبذلك أغفل المفكرون الذين ينتمون الى هذا النمط من الفكر حقيقة أساسية وهي ان العالم العربي يكتظ بهويات أعراقية متعددة لا يمكن تجاهلها منضوية تحت الهوية العربية وقد دارت حروب من أجل ذلك في تلك الفترة؛ حروب الأكراد في العراق وكذلك حروب المغرب العربي. ‏

ونحن الآن نفيق على هذه الحقائق.. والنموذج العراقي اليوم أكبر مثال حيث شهدنا مشاركة الأكراد في السلطة وكذلك الاعتراف بالهوية البربرية في المغرب. ‏

أما على الصعيد الطائفي فإن خطر الهوية العزلوية يتحدد بطائفة على حساب طائفة أخرى وما يدور الآن من صراع بين الشيعة والسنة وبين المسلمين والمسيحيين خير دليل على ذلك. ‏

فالصراعات لا تزال قائمة في الفضاء الفكري والسياسي. من هنا يمكننا القول: إن الفكر الذي ساد في المنطقة يقوم على الهوية العزلوية؛ الهوية التي تعزل نفسها عن الهويات الأخرى وفي ذروة ما تفعله تفترض بشكل لاواعٍ أن الهويات الأخرى قادرة على أن تذوب فيها والأمثلة في ذلك كثيرة. «الهوية عندما تتمثل على صعيد الجنوسة تواجه الصعوبة ذاتها كذلك في حال اعتبار هوية المرأة مستقلة وقائمة بذاتها». أيضاً »تحديد الصهيونية للهوية، هوية الشعب الذي احتل فلسطين، هوية يهودية في دولة يهودية». ‏

وكلما تعددت الهويات ازداد الخطر في المجتمع وازدادت حدة الصراعات حولها. ‏

ہ طرح فوكوياما مصطلحاً أو دعني أسمِّها خرافة «نهاية التاريخ» وكلنا يعلم أن الهدف من ورائها ترسيخ العقائد الأمريكية المطروحة. ألا ترى معي ان هذا الطرح فيه امتهان للانسانية بشكل عام ولدول العالم الثالث بشكل خاص؟ ‏

ہہ هو ليس امتهاناً للانسان هو قراءة خاطئة للواقع المعاصر. «فوكوياما» طرح مفهوماً ذا طبيعة نهائية وهو يقرأ مرحلة محدودة جداً من مراحل تطور الرأسمالية والمجتمعات الصناعية الغربية. فقد تصور ان النقطة التي وصلتها الرأسمالية الغربية كانت نقطة انتصار نهائية للفلسفات الرأسمالية وان التاريخ بهذا المعنى ينتهي بانتهاء الصراعات التي كانت تدور بين فلسفات وأفكار ومناهج وأنماط مجتمعية في العالم. لقد ظن «فوكوياما» ان التاريخ قد أقفل، وان جديداً بهذا المعنى لا يمكن ان يقرأ.. ونراه فيما بعد يقدم ما يشبه الاعتذار التراجع عن مفهومه. وهو طبعاً خاسر عاجز عن أن يفسر ما يحدث في العالم المعاصر والأدلة على ذلك كثيرة منها عودة الصراعات بعد وصول المحافظين الجدد الى الحكم وبروز مراكز قوة جديدة في العالم مثل الصين والهند وعودة روسيا الى الساحة الدولية وأيضاً ارتفاع الأصوات في أمريكا الجنوبية وبعض الدول العربية. من هنا أرى أن مفهوم «فوكوياما» لا قيمة له. ‏

ہ انتقل معك الى جانب آخر وهو الحديث عن الشعر وبخاصة أن لك الكثير من المقالات النقدية والدراسات التي توضح فيها تأسيس منهج نقدي قادر على اكتناه الكتابة العربية ورصد خصائصها فما مدى صحة ما يقال ان الشعر العربي يعاني من أزمة؟.. ‏

ہہ أظن ان ما حدث لا يمثل تراجعاً أو انحساراً أو ضعفاً في الشعر العربي على الاطلاق انه يمثل التحولات الجذرية في مفهوم الشعر واللغة الشعرية وفي علاقة الشاعر بذاته والعالم الذي يحيط فيه، وقد حدث انكسار في هذه المفاهيم جميعها أدى الى بروز لغة شعرية مختلفة وأنماط من القصيدة مختلفة وبرز بشكل خاص ما سمّيته انهيار العقائديات والايديولوجيات والمشاريع الكبرى وتخلي الشعر عن دوره الجماعي واحتلال الذات الفردية التي وصفتها بأنها ذات صغيرة لمركز الفاعلية الشعرية عند الشاعر وتمثل ذلك في طغيان قصيدة النثر لدى الموجة الراهنة من الشعراء. وفي أجمل صورة تجلى في بروز الكتابة الشعرية الانثوية. فالمرأة اليوم تكتب كمياً ونوعياً بشكل يفوق أي مرحلة من مراحل التاريخ الشعري العربي. ‏

القصيدة لم تعد مشروعاً كبيراً أو صوتاً أو دفاعاً عن قضية قومية بل أصبحت في كونها لمعة في الذات الفردية وظهر نمط آخر يطغى الآن، ويمثل أجمل ما يكون في الكتابة الشعرية وهو «قصيدة اللقطة» التي تقوم على لعبة المفارقة بين نمط لغوي ونمط تصوري عن الفكر بشكل عام، وتكاد تقترب مما كان يسميه النقد العربي القديم «المذهب الكلامي» لأنها تقوم على الذكاء والسرعة في التقاط لحظة المفارقة التي يدركها الفنان بين أشياء ومشاعر في اللغة والثقافة والنفس. ‏

إن ما أقوله يتضمن رفضاً لمقولة «الأزمة في الشعر العربي الحديث» ومحاولة لاقتفاء العلاقة بين الشعر والعالم من منظور ومنطلقات نظرية مختلفة فنياً وعقائدياً عن المنظور والمنطلقات التي استخدمت في دراسة الشعر الحديث حتى نهاية الستينيات والتي لا تزال جامدة عندما أنجز حتى ذلك المفصل الحقيقي في مسار الحياة العربية أولاً والكتابة والشعر العربيين ثانياً. ‏

لذلك أرى ان مفهوم الشاعر الكبير لم يعد موجوداً الآن وهذه مجازفة في التكهن.. ولكن هناك أعداد هائلة من القصائد الجميلة وكذلك الأمر في العالم السياسي فلا يوجد زعيم كبير لأن العصر لم يعد عصر الأفراد الكبار ولم يعد عصر العقائديات الكبرى بل أصبح عصر التشظي والهوامش. ‏

ہ أرى ان لك نظرة تشاؤمية حول المستقبل العربي؛ هذه النظرة عبرت عنها بمقولة «انهيار الاجماع» لماذا هذه النظرة؟ ‏

ہہ التشظي الذي نعيشه يمثل انهيار الاجماع في العالم العربي وانهيار القضايا الكبرى. لم يعد هناك اجماع على قضية كبيرة تمثل مركزاً للفكر والشعور والتوجه السياسي أو الاقتصادي والثقافي.. كان هناك قضية «الوحدة» وكان اجماع نسبي على الأقل، ولكن الآن لم يعد موجوداً.. وأيضاً كان هناك اجماع على فكرة «التحديث والحداثة» ونرى اليوم العودة الى الماضي والأصولي مع فكر سياسي تقليدي وشذرات أخرى بشكل أو بآخر الى الوحدات ضمن اطار عرقي أو طائفي.. حتى ضمن الطائفة الواحدة هناك تشظٍّ. ‏

وأكثر ما نلاحظ ذلك في الحركات الدينية أن فكرة الإجماع لم تعد قائمة على أي مستوى من مستويات حياتنا المعاصرة حتى في الكتابة التي لم يعد لها شكل واحد. ‏

لقد أصبح التنوع والتعدد السمة الطاغية على الوجود العربي بأكمله.. هذا التنوع والتعدد قد يكون عامل اثراء ولكنه حتى الآن يمثل تشظياً يمثل التناقضات والصراعات بين التوجهات المختلفة والأهواء والأفكار المختلفة. ‏

عزيزة السبيني

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...