مأساة 11 أيلول كما يسردها دون ديليلو

26-05-2007

مأساة 11 أيلول كما يسردها دون ديليلو

يسبق دون ديليلو زملاءه الكتاب الأميركيين البارزين الى نقل مأساة 11 أيلول (سبتمبر) 2001، عندما هاجمت طائرتان برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وتسببت بانهيارهما ومقتل نحو ثلاثة آلاف عامل هناك. «الرجل الساقط» الصادرة في بريطانيا عن دار بيكادور تبدأ بفنان أداء يرتدي بذلة ويتدلى من حبل فوق شوارع نيويورك وسط غضب أهليها وإدانتهم. يراه هؤلاء يمنح العمل الإرهابي تعبيراً جمالياً ويتحدى حدادهم، ويجهلون أنه ينتحر تدريجاً في الواقع. أدوات الأمان التي يعتمدها بدائية، وهو يلحق الأذى بصحته كلما قفز وهو معلق. ديليلو نفسه يتجنب ذكر 9/11 ونادراً ما يذكر «مركز التجارة العالمي» مفضلاً الاكتفاء بـ «البرجين» و «الطائرتين».

ربما كانت صورة الرجل الذي قفز من أحد البرجين الأكثر إيلاماً عند الهجوم على المركز. قيل انه كان من أميركا اللاتينية وعاملاً في مطعم، وأنه فضل الانتحار بالقفز من ناطحة السحاب على الموت محترقاً. يختار الكاتب الأميركي هذا الرجل تعبيراً عن هشاشة الضحايا ورعب الناظرين وعجز الطرفين عن الفعل ومواجهة العنف المجاني السوريالي.

يحاول بطل الرواية، كيت، إنقاذ زميله وصديقه رومسي عندما تصدم الطائرة المبنى، لكنه يراه يموت أمامه بعدما انهار السقف وحطم رأسه. يهبط الدرج مع الناجين، مصدوماً، ملطخاً بدمه ودم الآخرين، وعندما يبلغ الشارع يجد نفسه حاملاً محفظة أعطاه إياها أحدهم في جلبة الدرج. لا يعود الى منزله بل يقصد زوجته السابقة ليان التي تعيش مع جوستين، طفلهما. تبدأ مشاركتها السرير بفعل إحسان لا يلبث أن يتحول الى اعتقاد أنهما يستطيعان العيش معاً بنجاح. على انه يفضل فلورنس، صاحبة الحقيبة، التي ما كانت لتجذبه في الظروف العادية وان وجد في تجربتهما الأليمة اليوم ما يشده اليها.

ليس كيت وحده من يبحث عن يقين ما يعيد وصل حياته المبعثرة. زوجته السابقة ليان تعيش في ظل والدها الذي أصيب بالخرف وانتحر قبل أن تعزله ذاكرته المفقودة عن العالم تماماً. تعمل مع المصابين بالزهايمر، وتشجعهم على كتابة تجاربهم وأفكارهم قبل تطور المرض، وتظهر شجاعة هؤلاء في مواجهة مصابهم ومحاولاتهم التأقلم مع كارثة البرجين الجماعية. جوستين، ابنها، يهجس بالطائرات ويبدأ بمراقبة السماء بمنظار والده مع رفاقه. لا يصدق ان البرجين انهارا، ويسمع ان رجلاً يدعى بن لوتون (بن لادن) سيعود بمزيد من الطائرات ليدمرهما.

تنتهي علاقة كيت بفلورنس ويجد نفسه عاجزاً عن البقاء في الوظيفة التي مارسها عشر سنوات. كان يلعب البوكر مع رومسي وعدد من الأصدقاء الذين توفي بعضهم في الهجوم كل ليلة خميس بعد طلاقه من ليان. يستقيل ويحترف القمار ويسافر الى نيفادا وأتلانتيك سيتي وحيث تقام المسابقات الكبيرة. يجد الرابط مع أصدقائه الضحايا فيعيد ترتيب حياته على أساس الكارثة لا الأسرة.

ديليلو ابن نيويورك الأصيل. ولد وعاش فيها وقال إنه أصبح كاتباً لأنه شاهد وسمع وأحس بكل الأحداث «الكبيرة، المذهلة، الخطيرة» التي تجمعها المدينة باستمرار. «الرجل الساقط» يعيد حدثاً كبيراً، مذهلاً، خطيراً، مؤلماً ويتطلب جهداً إضافياً عند القراءة للغته الموجزة التي تصعب معها معرفة الشخصية والحدث والزمان والمكان.

كان الكاتب الشاب بنجامين كونكل أول الذين تناولوا أحداث 11 أيلول، وروى في «تردد» شعور شاب أميركي بالضياع بعدها ومحاولته استرداد نمط حياته عبثاً الى أن سافر الى الخارج ليعيد وصل ماضيه بحاضره. «عالٍ للغاية وقريب بدرجة لا تصدق» لجوناثان سافران – فور عن فتى خارق في التاسعة يحب الفيزياء الفضائية ويجمع الفراشات. بعد موت والده في الهجوم يجد مفتاحاً بين أغراضه ويبدأ البحث عن ثقبه كأنه يريد الدخول الى عالم والده المفقود ويبقى على صلة به. «نوافذ على العالم» لفريدريك بايغبيدر ركز على أول ساعتين بعد الهجوم حيث يحترق رجل وابناه ببطء في الطبقة 107 من البرج الشمالي.يجمع الكتاب الرواية والمذكرات ويتساءل عن سبب التأثر الكبير لأميركا بالمأساة. «عالم ما بعد عيد الميلاد» للايونيل شرايفر يصور انغماس امرأة في مشاكلها العاطفية ومفاجأتها بالهجوم الذي يحفزها على التغير. ستتوقف عن المشاحنات وتتجاهل المشاكل الصغيرة وتركز على حبيبها الذي تجد فيه معنى حياتها. «أولاد الامبراطور» لكلير ميسود عن مثقفين يدمر الهجوم خططهم وعلاقاتهم فيحاولون إعادة بنائها. «الحياة الجيدة» لجاي ماكيرني تتابع حياة أثرياء يتعلمون بعد المأساة إعادة تقويم حياتهم وتحسين أنفسهم. البريطاني مارتن آميس نشر مقالاً روائياً العام الماضي عن «آخر أيام محمد عطا» رسم فيه تصوره، بغضب وتفهم، للحياة الداخلية لأحد قواد الهجوم فيبدو كأنه ينقسم الى شخصين في محاولته فهم الحدث. ديليلو أيضاً يصور ردي فعل متناقضين.

تترصد ليان جارتها التي تستمع الى موسيقى شرق – أوسطية وتضربها، وتنفصل والدتها عن صديقها بعد مشاحنات حول ما يكتفي بالإشارة إليه: بلاد ضائعة، تدخل أجنبي، امبراطورية، نفط وقلب الغرب النرجسي.

 

مودي بيطار

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...