ما هي علاقة الإيباك بعباس؟

21-07-2007

ما هي علاقة الإيباك بعباس؟

الجمل:    جاء محمود عباس إلى رئاسة السلطة الفلسطينية، بعد صراع طويل بينه وبين الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وبدلاً من أن يباشر محمود عباس إدارة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أصبح منهمكاً في إدارة الصراع الفلسطيني- الفلسطيني، وخوض حرب سياسية دبلوماسية بالتحالف مع المعتدلين العرب، وبالوكالة عن أمريكا وإسرائيل ضد سورية، وحزب الله، وحركة حماس.
• صراع فتح- حماس: من الوسائل العسكرية إلى الوسائل السياسية:
على خلفية الوضع الميداني الذي قسم النفوذ بين حركة حماس وحركة فتح، على قطاع غزة، والضفة الغربية، على الترتيب، توقف العنف المسلح، ولكن ولما كانت الحرب يمكن أن تستمر بالوسائل السياسية بعد سكوت البنادق وتوقف الوسائل العسكرية، فقد تقدم الرئيس محمود عباس متخذاً موقف الهجوم هذه المرة، عن طريق الوسائل السياسية، وذلك عبر سلسلة من الخطوات المتتابعة، أبرزها:
- حل حكومة الوحدة الوطنية التي تم تشكيلها على ضوء اتفاقية مكة، بالتوافق بين حركتي فتح وحماس.
- تشكيل حكومة فلسطينية جديدة، من (التكنوقراط) الموالين لفتح وأمريكا والأردن.
- رفض أي حوار أو تفاوض يؤدي للتسوية مع حماس.
- تعزيز الروابط بين السلطة الفلسطينية (فتح)، وحكومات الأردن، ومصر، وأمريكا، والاتحاد الأوروبي، وإسرائيل.
- الاجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت والاتفاق على خطة مشتركة.
• الانتخابات الفلسطينية المبكرة: الخطوة الجديدة:
المعلومات المتداولة بواسطة الإعلام العالمي، تؤكد بأن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، وزعيم حركة فتح، يخطط لإجراء انتخابات فلسطينية مبكرة، وذلك من  أجل:
- انتخاب رئيس السلطة الفلسطينية.
- انتخاب مجلس تشريعي فلسطيني جديد.
مطالبة محمود عباس بهذين الإجراءين تعد سراً، فقد أعلن ذلك في خطاب ألقاه أمام اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي انعقد خلال اليومين الماضيين في مدينة رام الله مقر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
• الرأي العام الفلسطيني وانقلاب التوازنات:
بعد رحيل ياسر عرفات، وتحديداً في مطلع عام 2005م، تم انتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية، بعد حصوله على 62% من أصوات الناخبين الفلسطينيين، وتجدر الإشارة إلى أن حركة حماس لم تتقدم بأي مرشح خاص بها آنذاك لمنافسة محمود عباس في منصب رئاسة السلطة الفلسطينية، ولكن بعد ذلك بعام كامل، وتحديداً في كانون الثاني 2006م، دخلت حماس في منافسة ضد حركة فتح، في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وبرغم الدعم الأمريكي والإسرائيلي والمصري والأردني لحركة فتح، فقد استطاعت حركة حماس الحصول على 74 مقعداً من جملة المقاعد البالغ عددها 132 مقعداً، وحصلت فتح على 45 مقعداً، وبقية المقاعد توزعت على التيارات والقوى الفلسطينية الأخرى، وقد استطاعت حركة حماس بفضل هذه الأغلبية أن تشكل الحكومة الفلسطينية الأولى بعد الانتخابات، وأيضاً أن تقود الحكومة الفلسطينية الثانية برئاسة اسماعيل هنية التي تم تشكيلها بعد اتفاق مكة.
التناقض بين المجلس التشريعي الفلسطيني ورئيس السلطة الفلسطينية امتداد للتناقض بين برنامج حركة فتح التي اعترفت بإسرائيل، وبرنامج حركة حماس الرافض للاعتراف بإسرائيل، وكان يمكن أن يتجاوز الطرفان هذا التناقض عن طريق التوافق حول برنامج الحد الأدنى الذي يؤكد على ضرورة الالتزام بالعمل من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، ولكن حركة فتح، وجدت في الدعم الأمريكي والإسرائيلي والأوروبي والأردني والمصري وسيلة للاستقواء على حركة حماس والتي بدورها احتمت بدعم وتأييد الشارع الفلسطيني المؤيد لها.
لجأت حركة فتح إلى التقليل من الفعالية التنفيذية لوزراء حماس، وذلك عن طريق السيطرة على هياكل المؤسسات التابعة للوزارات الفلسطينية، وأصبحت في جاهزية كاملة من أجل الانقضاض على حركة حماس، والتي بدورها فاجأت حركة فتح بالضربة الاستباقية في قطاع غزة.
• الانتخابات المبكرة: حل لمشكلة، أم نقل الصراع لمرحلة جديدة:
تحركات محمود عباس الأخيرة أدخلت الوضع في السلطة الفلسطينية ضمن نفق الاشكاليات الدستورية والقانونية، فقد قام محمود عباس بتعيين سلام فياض رئيساً للوزراء، وفي الوقت نفسه مازال اسماعيل هنية رئيساً شرعياً للوزراء، مادام المجلس التشريعي الفلسطيني لم يؤيد قرارات محمود عباس، أو يصدر قراراً بإقصائه، وفي هذا الصدد يتفق جميع خبراء القانون داخل فلسطين وخارجها على عدم دستورية وعدم قانونية قرار تعيين سلام فياض بهذه الطريقة، ويرون أنه إذا كان محمود عباس وحركة فتح يرون في استيلاء حماس على قطاع غزة (انقلاباً عسكرياً) فإن قرار محمود عباس بحل مجلس الوزراء، وتعيين مجلس جديد برئاسة سلام فياض يعتبر في حد ذاته (انقلاباً سياسياً).
المفاجأة الجديدة جاءت بواسطة عملية استطلاع الرأي العام الفلسطيني، التي قامت بتمويلها مؤخراً وزارة الخارجية النرويجية، فقد أكد الاستطلاع أن حوالى 30% من الذين تم استطلاع رأيهم لا يريدون لا سلام فياض، ولا اسماعيل هنية، ولما كان هذا الاستطلاع قد تم إجراؤه في الضفة الغربية، ولما كانت الضفة الغربية تمثل معقل حركة فتح، فإن هذا الاستطلاع بكل المقاييس يؤكد على مزيد من التراجع في شعبية حركة فتح في الرأي العام الفلسطيني.. وبكلمات أخرى: إن حماس تجد مساندة أكثر من مليون فلسطيني في قطاع غزة، وثلث سكان الضفة الغربية، وتبقي لفتح ثلث، إضافة إلى الثلث الرافض للطرفين.
• سيناريو الانتخابات المبكرة و(المؤثرات) الإسرائيلية- الأمريكية- الأردنية- المصرية:
تقوم إسرائيل وأمريكا ومصر والأردن ببذل قصارى الجهود من أجل إخراج محمود عباس وحركة فتح من (غرفة الإنعاش) وذلك عن طريق تقديم المزيد من الحوافز للرأي العام الفلسطيني لكي يتحول باتجاه دعم محمود عباس وحركة فتح، وبالأمس أعلنت إسرائيل أنها سوف تبدأ بالانسحاب من مدن الضفة الغربية (مثل قلقيلية ونابلس) التي سبق أن احتلتها خلال الانتفاضة إلى السلطة الفلسطينية.
كذلك وعدت أمريكا والاتحاد الأوروبي بالمزيد من المساعدات الاقتصادية والمالية والسياسية لمحمود عباس، من ناحية ومن الناحية الأخرى تشديد الضغوط على حركة حماس ومحاصرة قطاع غزة، وذلك في تأكيد جديد لسياسة وضع الشعب الفلسطيني أمام خيار العصا والجزرة، فالتأييد لحماس معناه العصا، والتأييد لمحمود عباس وفتح معناه الجزرة.
• الوضع الفلسطيني على المدى القريب وإشكالية التوأم السيامي:
قام محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية بحل مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية وإقصاء رئيسه اسماعيل هنية، وعين مجلساً جديداً للوزراء برئاسة سلام فياض، وذلك بالاستناد إلى صلاحياته الدستورية كرئيس للسلطة الفلسطينية، وبكلمات أخرى: فإن حركة فتح استخدمت مؤسسة الرئاسة الفلسطينية من أجل إقصاء حماس عن الدولة الفلسطينية.
وبالمقابل رفضت حركة حماس إقصاء اسماعيل هنية وحل مجلس الوزراء، ومن الممكن أن تجتمع أغلبية المجلس التشريعي الفلسطيني وتقوم برفض قرارات محمود عباس، والدعوة لانتخابات رئاسية جديدة، يقوم المجلس التشريعي بالإشراف عليها، واختيار رئيس جديد للسلطة الفلسطينية.
سيناريو حرب الانتخابات بين فتح وحماس يمكن أن تؤدي إلى إنجاب (توأم سيامي مشوه) برأسين، بحيث تكون هناك دولة فتح المكونة من (الرئيس محمود عباس+ مجلس وزراء سلام فياض)، ودولة حماس المكونة من (الرئيس المنتخب+ مجلس وزراء اسماعيل هنية).
وعموماً، تزايدت التحليلات حول مصير السلطة الفلسطينية، وأيضاً مصير الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وتأثيره على الصراع العربي- الإسرائيلي.
- نشرت وكالة يونايتيد برس اليوم تحليلاً من إعداد جوشوا بريليانت حمل عنوان (محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية يخطط الانتخابات المبكرة)، خلص فيه إلى أن هذه الخطوة، إذا لم تستطع سياسة العصا والجزرة تغيير موقف الرأي العام الفلسطيني الداعم لحماس حالياً، سوف تؤدي إلى هزيمة ساحقة لفتح.
- نشرت صحيفة جورنال أونلاين الالكترونية الأمريكية تحليلاً من إعداد جيمس برووك، حمل عنوان (الإيباك ومحمود عباس، الطريق اللاديمقراطي المؤدي للهزيمة)، خلص فيه إلى أن كل ما كان يقوم به محمود عباس بدءاً من لحظة حصار دبابات شارون لياسر عرفات في رام الله، هو من  إعداد وترتيب منظمة الإيباك، وقال بأن الايباك كانت تحدد دائماً ما هو مطلوب من محمود عباس القيام به، وكان يتم تمرير تلك المخططات إلى وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض، بحيث يتم تمرير ذلك إلى المصريين والأردنيين والذين كانوا يتولون توجيه محمود عباس، وذلك على النحو الذي جعل محمود عباس يوجه مؤسسة الرئاسة الفلسطينية في الطريق الخاطئ المرسوم مسبقاً بواسطة اللوبي الإسرائيلي، وهو الطريق الذي أفضى بمحمود عباس وحركة فتح إلى الهزيمة، وبرغم ذلك مازال محمود عباس وحركة فتح تصران على المضي قدماً في طريق الايباك واللوبي الإسرائيلي.
إن أزمة صراع فتح- حماس، سوف تلقي بظلالها على مبادرة السلام العربية، وأيضاً على كل من مفاوضات السلام السورية- الإسرائيلية المحتملة، وتطورات الأزمة اللبنانية، وذلك لجهة أن الأزمة الفلسطينية تؤثر كثيراً على الموقف الإسرائيلي- الأمريكي إزاء المفاوضات مع سورية، وإزاء الوضع اللبناني.
وقد ظلت إسرائيل تستخدم تعقيدات الوضع الفلسطيني كذريعة ومبرر لتأجيل التفاوض مع سورية.. وحالياً فإن تزايد الصراع الفلسطيني- الفلسطيني سوف يتم استخدامه بواسطة إسرائيل وأمريكا والمعتدلين العرب، كمبرر لإجراء بعض التعديلات في مبادرة السلام العربية، على النحو الذي يؤدي إلى تفكيك قوام المبادرة، ويحول ملف الصراع العربي- الإسرائيلي إلى عدد من الملفات الصغيرة بما يتيح لإسرائيل وأمريكا فرصة الانفراد بكل ملف على حدة وممارسة الضغوط والمناورة بين الأطراف العربية بالتقدم حيناً والتراجع حيناً آخر، بحيث تصبح كل هذه الملفات معلقة على مشجب التأجيل الذي لا يترتب عليه سوى المزيد من التأجيل.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...