متى يستيقظ السوريّون على دمويّتهم؟

09-10-2012

متى يستيقظ السوريّون على دمويّتهم؟

في الأزمة السورية، تخرج الوقائع قاسية في ظل استمرار عمليات القتل. سذاجة الذين اعتبروا العسكرة أمراً هامشياً في المشهد، دفعتهم الى انتظار متغيرات وفق صور نمطية ثبّتتها نتائج الحراك في مصر وتونس وليبيا، وحتى اليمن. لم ينتبه هؤلاء الى تعقيدات المشهد السوري. ظلوا يعتبرون الحديث عن خصوصية النظام في سوريا بأنه دعم مبطّن لبقائه جاثماً فوق صدور السوريين. أكثر من ذلك، اعتقد هؤلاء أن المشكلة لن تكون قابلة لأي حل إلا بسقوط النظام. وها هم الآن، مرة جديدة، يراهنون على تحوّل كبير في موازين القوى، ويعودون الى انتظار تغيير كبير من خارج سوريا يتيح التوجّه نحو آليات عمل على طريقة ما حصل في ليبيا. وفي هذه الأثناء، لا يهتمّون لسماع الأنباء عن نتائج المواجهات القائمة. والمعارضون للنظام يكررون لازمة ما تبثّه قنوات فضائية ووكالات أنباء عالمية يومياً: المرصد... كذا: 120 قتيلاً اليوم برصاص قوات النظام!
يرفض مناصرو المعارضة المسلحة التدقيق في هذه الأرقام، لأنهم يرفضون تحمّل المسؤولية الأخلاقية عن تورطهم في لعبة الدم، من خلال مواقفهم وتصريحاتهم وبياناتهم التي تدعو الى مزيد من المواجهات. هم قرّروا أمراً وحاولوا تثبيته كحقيقة، وتمسكوا بالقول إن المعارضة المسلحة غير مسؤولة عن القتل، علماً بأن أي تدقيق بسيط يظهر أن هذه المعارضات المسلحة تقف خلف جرائم أودت بحياة نصف الضحايا على الأقل. ويتوقع أن تضطر جماعات أو جهات سورية، رسمية أو حزبية أو طائفية، الى نشر معلومات كان يجري التحفظ عنها في وقت سابق. وتدل على حجم الجريمة المتمادية من جانب مسلحين، يعيشون في حالة فكرية ونفسية وسياسية لا تشبه إلا الليل.
خارج سوريا، الصورة قاتمة لأسباب كثيرة. أبرزها أن الخارج يعي حجم المتطلبات غير المتوافرة لتحقيق توافق يدفع بأطراف الأزمة السورية الى حل سريع. ثم إن الخارج بات يقيس موقفه من الأزمة السورية ربطاً بسلّة مصالح تتجاوز سوريا نفسها، وهو ما جعل السوريين يتفوقون على اللبنانيين بأن جيّروا أزمتهم الداخلية الى الخارج بأسرع مما كان متوقعاً. واليوم، لا يمكن توقف القتل قبل أن تنهك أطراف الأزمة، وقبل أن يخرج من الجمهور من يرفع الصوت عالياً في وجه الرصاص، فيما كل المؤشرات على الأرض لا تقود الى توقع حصول ذلك قريباً.
أما داخل سوريا، فمزيد من التشدد. الطرفان يركّزان على العناصر الميدانية كأساس لأي تغيير سياسي. لكن، هل يخرج سريعاً من بين طرفي الأزمة من يعلن أن الحسم غير ممكن في حالة سوريا الراهنة، وأن النظام غير قادر على سحق معارضيه، كما أن المعارضين غير قادرين على تحقيق الانقلاب الكامل. وكل المحاولات الجارية لخلق إطار حواري، مباشر أو بواسطة موفدين ودول، لا قيمة لها سوى شعور هؤلاء بأن الأزمة غير قابلة لعلاج على الطريقة الدموية الجارية الآن. بل أكثر من ذلك، فإن الصحافة الغربية، وجدت، كما يقول صحافيون يعملون فيها، أنها لم تعد قادرة على حجب الجانب الآخر من المشهد. وهي باتت مضطرة لأن تنشر تقارير ومعلومات حول جرائم المعارضة المسلحة، بعدما كانت تركز على جرائم النظام وقواته بحق معارضيه من مدنيين ومسلحين. أضف الى ذلك، الروايات التي ينقلها النازحون الى خارج سوريا، وخصوصاً الذين خرجوا في الأشهر الثلاثة الاخيرة، والتي لم تعد تقتصر على مداهمات رجال الأمن وقصف قوات النظام، بل صاروا يعرضون، بحرقة أكبر، ما يقوم به المسلحون، سواء من هم من أبناء البلد، أو ممن قدموا للجهاد في بلاد الشام.
يبدو من مراسلات وكتابات قيادات وإعلاميين وناشطين من سوريا، أن الصورة باتت أكثر تعقيداً حول قدرة المعارضة على تحقيق مسائل بديهية، مثل التوحد خلف قيادة سياسية وعسكرية واحدة. والمرجعية العقائدية التي تعتمدها غالبية المسلحين، وكذلك حول عدم القدرة على ضبط دور المجموعات القادمة من خارج سوريا. بالإضافة الى روايات ومعلومات لا تتوقف عن التدفق، حول الصراعات الأمنية والمالية والمذهبية والعشائرية التي تحولت في مناطق كثيرة الى مواجهات مباشرة بين المعارضين المسلحين أنفسهم. وهو أمر يترافق مع محاولة بعض المجموعات فرض سلطتها على الناس، حيث تفرض نفوذها العسكري والأمني، وهي سلطة لها طقوسها من الخوة والقمع والحرم والإقصاء. عدا عن عادات غريبة تسود العلاقات الاجتماعية تأثراً بالفتاوى الدينية المعتمدة من قبل أمراء هذه المجموعات.
الله وحده يعلم متى يستيقظ السوريون على واقعهم المخيف. والله وحده يعلم متى يؤمن الجميع بأن الصراع اليوم على النظام والسلطة لن يفيد في شيء، طالما أن التخريب والتدمير يطالان كل سوريا، ويجعلان التشظي الاجتماعي والطائفي والمذهبي والمناطقي رهيباً. ومن لا ينتبه الى أن أهل سوريا والعرب يخسرون سوريا الدولة والشعب، يصعب عليه أن يغمض عينيه قليلاً، وأن يشيح وجهه عن الصورة الثابتة أمامه، ويرفع الصوت داعياً الى تسوية لا تقوم من دون تنازلات. وإلى أن يدرك الجميع أنه إذا كان الحل الأمني لن يفيد النظام، فإن عسكرة المعارضة لن تقودها الى انتصار.

إبراهيم الأمين

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...