مثقف ماروني سني شيعي؟!

18-11-2006

مثقف ماروني سني شيعي؟!

لست من المقيمين في لبنان لكني أتابع الحياة اليومية فيه وأعتقد أني أفهم ما يحدث وأحاول قراءة كل ما يساعدني في التحليل والاستدلال. لكني أقف عاجزاً عن فهم عبارة "مثقف شيعي" أو في السياق نفسه "مثقف ماروني" أو "مثقف سني" أو "مثقف درزي" وصولاً إلى الرقم 18.
أنا أمام إشكالين حول هذه التسمية التي أجدها متناقضة لا تستند إلى المنطق.
الإشكال الأول هو عن المقصود من العبارة. هل هي ثقافة في المذهب الشيعي أو الماروني أو الدرزي أم أنّ هناك فعلاً ثقافة شيعية أو درزية أو مارونية؟
الاشكال الثاني هو حول جمع الأضداد. فإذا كان المقصود وصف الشخص المثقف بأنه شيعي أو درزي فهل تجتمع صفة "المثقف" بالهوية الطائفية المذكورة في سجل نفوسه؟
مشكلتي مع الإشكال الأول أنّه يطرح مسألة تعدّد الثقافات بتعدد الديانات والمذاهب. وقد أطرح تساؤلاً حول ما إذا كانت هذه المذاهب - الثقافات تسمح مثلاً بالكلام عن "ثقافة لبنانية" أو "ثقافة عربية" أو - لننطلق خارج المذاهب - "ثقافة مسيحية" و"ثقافة اسلامية".
ومشلكتي مع الإشكال الثاني هي كيف يسمح أي شخص يعتبر نفسه مثقفاً أن يتصف بصفة طائفية تجعله أحادي الشخصية وكأني إذا التقيته سيكون مرتدياً قبعة عليها عبارة "مثقف شيعي" أو "مثقف درزي"؟ وهذا عيب.
وأعتقد أنّ نوع المثقف المقصود بالعبارة المزدوجة ينطبق على الإشكال الثاني. أي أنّ هذا الشخص هو مثقف ينتمي إلى طائفة معيّنة وهو يريد أن يلتصق اسم مذهبه بكلمة "مثقف". يحضر هنا مفهوم المثقف لدى البروفسور الراحل إدوارد سعيد حول الواجبات تجاه "الآخر"، ليس على الصعيد الديني والمذهبي فحسب بل على الصعيد الانساني الكوني. هل يحق للمثقف مثلاً أن يتعصب لدين أو لطائفة أو لوطن وعائلة وقبيلة؟
على سبيل المثال، هل يحق لك كمثقف أن تتعاطف مع معاناة الشعب الفلسطيني دون أن تتعاطف مع اليهود من ضحايا النازية والهولوكوست؟ أو أن تعتبر، وأنت الذي قبلت بلقب "مثقف شيعي"، أن يكون ثمة مثقف آخر الى طاولة مجاورة، ماروني، يختلف عنك في الجوهر والمثل العليا؟ ما يجرّك إلى المقارنة مَن منكما يحمل مبادىء اخلاقية أرفع من مبادىء الآخر؟ وهل ما يجمعكما من الثقافة يكفي لنفي النعت المذهبي؟
أن تكون مثقفاً يعني أن تكون علمانياً متنوّراً أو لا تكون، من دون أن يعني ذلك تحقير الدين أو أن لا تلجأ إلى ربّك الذي تعبده في لحظة اختلائك النفسي. أو أن تختار أن تكون انسانياً تقبل كل الأديان وقد ترفضها أو تناقشها. كما يحق لك أن تنظر إلى النصوص الدينية بقصد تحليلها من منطلق سوسيولوجي بلا وجل من القمع والتفتيش.
فلان يحمل ثقافة مسيحية وآخر يحمل ثقافة شيعية. هنا نعود إلى الإشكال الأول. يعني التعمق في علم اللاهوت وفي الفقه والحوزة والحديث الشريف والغنوصية والكاتشزم. تسألهما فيشرحان ويفسران محتوى ثقافتهما الدينية. لكن هذا يعني أيضاً ثقافة محدودة كمقولة الشاعر البريطاني إدوارد بلايك "احذر من يأتيك بكتاب واحد". أن يحمل المرء ثقافة دينية لا يعني أنه ينتمي إلى نادي المثقفين. ماذا عن معرفته بالأديان الأخرى؟ و"بالثقافات" الأخرى، وبالشعوب الأخرى والمذاهب والديانات؟ وماذا عن معرفته بالفكر والفلسفة والفن والشعر والأدب؟
ربما كان المقصود من "مثقف شيعي"، "مثقف ماروني"، "مثقف سني" أن هؤلاء خاضعون لمرض التعصّب الطائفي في لبنان والذي لم تمحه مئة عام من العنف المجتمعي. ولم يستطع هؤلاء أن "يطلعوا" منها بعد.

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...