مدارس باكستان الدينية نحو مستقبل مجهول

11-07-2007

مدارس باكستان الدينية نحو مستقبل مجهول

لعبت المدارس الدينية في باكستان -بما تمثله من خط أحمر للدفاع عن القيم الدينية حسب اعتقاد أغلبية الشعب الباكستاني منذ استقلال البلاد- دورا مهما في نشر الثقافة الدينية، ما دفع الباكستانيين نحو دعم وتأييد هذا النوع من المدارس معنويا وماديا.
ويتميز شعب باكستان التي أسست باسم الإسلام عام 1947 بعد انفصال مسلمي شبه القارة الهندية عن هندوسها، بعاطفة دينية قوية دعمت هي الأخرى موقع المدارس الدينية وعززت من دورها حتى غدت سمة أساسية في المجتمع الباكستاني، إذ تجدها حاضرة في المدن الكبرى قبل القرى النائية.
فكرة تأسيس المدارس الدينية ظهرت أيام الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية بعدما عمد البريطانيون إلى نشر التعليم الغربي من جهة والعمل على تعزيز دور أبناء غير المسلمين في المجتمع من جهة أخرى، الأمر الذي دفع بعض علماء الدين إلى التوجه نحو تأسيس هذا النوع من المدارس في إطار المحافظة على الهوية الإسلامية بين ملايين الهندوس والمسيحيين والبوذيين الذين يستوطنون جنوب آسيا
وخرجت إلى العيان أول مدرسة دينية في بلدة ديوبند شمال العاصمة الهندية نيودلهي عام 1857 وأطلق عليها اسم المدرسة الديوبندية، ومن ثم بدأت رحلة زحف هذا النوع من المدارس في جميع أنحاء شبه القارة الهندية لا سيما في الشمال الشرقي حيث الأغلبية المسلمة، وهي المناطق التي أصبحت تعرف بعد الانفصال بباكستان
عشية استقلال باكستان قبل ستة عقود لم يتجاوز إجمالي عدد المدارس الدينية 300 مدرسة، إلا أن هذا العدد بدأ يتضاعف عاما بعد عام إلى أن وصل عام 2006 حسب مصادر الحكومة الباكستانية إلى أكثر من 13 ألف مدرسة منتشرة في أقاليم باكستان الأربعة.
ويدرس في هذه المدارس قرابة 1.2 مليون طالب وطالبة معظمهم من الطبقة الفقيرة. واللافت أن أغلبية المساجد الباكستانية تحوي بين جدرانها مدارس دينية يشرف عليها ويديرها ويدرس فيها إمام المسجد غالبا.
الدراسة في المدارس الدينية تنقسم إلى قسمين: أولهما دراسة العلوم الشرعية وتمنح فيها أربع شهادات وهي الثانوية العامة والثانوية الخاصة والعالية والعالمية التي تساوي درجة الماجستير.
وتنضوي هذه المدارس تحت هيئة تسمى "وفاق المدارس" ويعتمد منهج الدراسة فيها على ما يسمى بالكتب الصفراء أو الكتب القديمة، سواء كان ذلك في الفقه أو التفسير أو الحديث أو غيرها من مواد الشريعة الإسلامية التي تتبنى المذهب الحنفي مذهب أهل البلد.
أما القسم الثاني فيختص في تحفيظ القرآن الكريم، إذ تخرج المدارس الدينية نحو 100 حافظ للقرآن كل عام، وتمتد الدراسة في هذه المدارس على مدى عشر ساعات يوميا.
التحاق الطالب الباكستاني بأي من المدارس الدينية الموجودة في البلاد لا يكلفه سوى تسجيل اسمه فيها، حيث تتعهد المدرسة بمصاريف طلبتها على صعيد تزويدهم بالكتب مجانا وتوفير الإقامة والسكن لهم فضلا عن الطعام والشراب المجاني.
ويشار إلى أن المدارس الدينية ملك للشعب الباكستاني وحده، فهو من يصرف عليها ويتكفل بميزانيتها من خلال تبرعاته لها، ولا علاقة للحكومة لا من قريب ولا من بعيد بهذه المدارس من جهة الصرف والمال. وكان الرئيس برويز مشرف قد وصف هذه المدارس بأنها أكبر مؤسسة خيرية في العالم.
وبينما يرزح نحو 70 مليون باكستاني تحت خط الفقر مع انتشار الأمية في البلاد بنسبة 70%، تؤدي المدارس الدينية دورا كبيرا في محو الأمية بفضل التعليم المجاني الذي تقدمه لطلابها وتهافت الطلبة الفقراء عليها من كل حدب وصوب.
يتألف مبنى المدرسة الدينية من مجموعة غرف ملحقة بالمسجد تستخدم كفصول دراسية، كما تستخدم في الغالب باحات المسجد أيضا لغرض الدراسة.
أما أثاث هذا النوع من المدارس فيتميز بالبساطة المتناهية حيث يستخدم الحصير المصنوع من القش كمقاعد للدراسة، وهذا أكثر من كاف لإمام المسجد أو الشيخ أو ما يسمى هنا في باكستان باسم "المولوي" للإعلان عن تأسيس مدرسة دينية تحمل اسم كذا أو كذا، يضاف إلى ذلك صناديق التبرعات المنتشرة في إحدى زوايا المسجد داخله أو خارجه
الاسم الرسمي الذي تحمله المدرسة الدينية في باكستان هو "الجامعة"، ومن أشهر الجامعات الدينية في البلاد الجامعة الفريدية في العاصمة إسلام آباد والتي تتبع إدارة المسجد الأحمر، والجامعة البنورية في مدينة كراتشي، والجامعة الحقانية في مدينة بيشاور، والجامعة الأشرفية في مدينة لاهور.
غزو الاتحاد السوفياتي السابق لأفغانستان في بداية السبعينيات شكل عاملا مهما في قيام الحكومات الباكستانية المتعاقبة في تلك الفترة -لا سيما في عهد الجنرال ضياء الحق- بدعم المدارس الدينية التي تحولت إلى جدار عقدي يحارب المد الشيوعي إلى البلاد.
وبقيت المدارس الدينية تقوم بوظيفتها بكل هدوء إلى أن وقعت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة وتعرض باكستان لضغوط كبيرة من المجتمع الدولي عموما والولايات المتحدة خصوصا لمكافحة ما يسمى التطرف الديني.
دفع ذلك الرئيس مشرف إلى وضع المدارس الدينية على رأس أولوياته حيث أصدرت الحكومة قانونا جديدا يوجب على المدارس الدينية التسجيل لدى الحكومة. ثم تم الضغط على هذه المدارس لتغيير مناهجها، إلى أن وصل الأمر إلى طرد جميع الطلبة الأجانب الذين كانوا يدرسون فيها.
ولا تزال هذه المدارس تحت مراقبة السلطات لا سيما عقب أزمة المسجد الأحمر التي قد تشكل منعطفا جديدا في علاقة الحكومة الباكستانية بهذا النوع من المدارس على أرضها مستقبلا.


مهيوب خضر
المصدر: الجزيرة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...