مفكرون سوريون وعرب في «ندوة العروبة والاسلام» بالرقة

24-09-2006

مفكرون سوريون وعرب في «ندوة العروبة والاسلام» بالرقة

الجمل- الرقة- أحمد الخليل: اذا كان المد القومي العربي الذي وصل ذروته في ستينات القرن الماضي قد طغى بخطابه العروبي على الخطابات السياسية والايديولوجية الأخرى، فإن الطائرات التي فجرت برجي التجارة العالمية في نيويورك عام 2001 (أيلول) فجرت معها صراعا فكريا في العالم وفي المنطقة العربية والاسلامية يتمحور حول الاسلام وتجلياته، ومنذ ذلك العصر الايلولي نادرا ما تخلو ندوة أو برنامج حواري من محور أساسي موضوعه الاسلام ..
واذا كانت بعض النظم والتنظيمات القومية قد مالت بعروبتها سابقا نحو العلمانية (فصل الدين عن الدولة) وتجسيده المحلي بشعار (الدين لله والطن للجميع) فانها تعود اليوم بفعل الاحداث السياسية ومحاولات النظام العالمي الجديد لاعادة رسم المنطقة وفق منظور مصالحه العولمية، الى الربط بين العروبة والاسلام نزولا عند رغبة ميل شعبي عارم يسعى للتمسك بماضيه بعد انهيار مشاريع وأحلام الحاضر التي وعدته بها يوما نفس النظم والاحزاب التي تحاول اليوم تأصيل عروبتها بشجرة الاسلام ناشدة بذلك استمرارية سياسية هي بدونها (شجرة الاسلام) مجرد سقط متاع.
ضمن هذا السياق أقامت مديرية الثقافة في الرقة ندوة فكرية بعنوان (العروبة والاسلام) حاضر فيها وعلى مدى أربعة أيام عدة كتاب ومفكرين من سورية وعدة دول عربية أخرى.
العروبة والاسلام واشكالات الهوية
يربط الدكتور طيب تيزيني بين السجالات والمناقشات حول العروبة والاسلام وبين السجالات والمناقشات السياسية بين أطراف اسلامية (الاسلام دينا لها وترى فيه ايديولوجية سياسية مدنية) وبين أطراف اسلاموية (الاسلام دينها ومرجعيتها في دولة اسلامية) كما تتعاظم وتيرة النقاشات بين أطراف اسلامية وأطراف علمانية...
وحسب المنهج التاريخي المقارن يمكن النظر للاسلام كبناء ديني ايديولوجي وقيمي يمكن التقاطع بينه وبين مايعتبره الكثيرون مداخل الى نمط من التوازن الاجتماعي أو ربما العقد الاجتماعي...
ويعتبر التيزيني أن (ثنائية العروبة والاسلام ) هي الاكثر حضورا على صعيد الكلام عن الوحدة الوطنية والمشروع الوطني أو القومي
ويستشهد تيزيني بمثالين يقدمان رؤية تقوم على التوازن بين طرفي المعادلة (الاسلام والعروبة)، فعبد العزيز الدوري يقول (ان سلطان العرب كان يستند الى الاسلام اذ أنه قام به واستقام به)، في حين يرى منح الصلح (ان الامة العربية تكونت ودخلت التاريخ وهي تصنع الاسلام، كما أن الاسلام ولد وبلغ شأوه وهو يصنع الأمة العربية).
ويحدد تيزيني الاشكال في النظر الى العلاقة بين الاسلام والامة العربية بمثابتها قائمة على نحو شرطي متبادل ومن ينظر الى هذه الصيغة نقديا يرى أن الامة العربية أسبق تاريخيا من الاسلام، وهذا مايؤدي الى نتيجة سياسية وسيسيوثقافية راهنية وحضارية وهي: (ان العرب المكونين لهذه الأمة هم قاعدة التطور التاريخي الذي لحق بهم بكل ماتكون فيه من تجليات ثقافية ودينية ومن ضمنها الاسلام نفسه والنصرانية والمسيحية الشرقية ...
وانطلاقا من قول عمر بن الخطاب: (ان العرب مادة الاسلام) يمكن القول وفق هذه الرؤية : (ان الاسلام انطلق من العرب بكل مكوناتهم، ومثل الوريث الشرعي لكل ما أنتجوه من أفكار وتصورات وعقائد، بعد أن أعاد بناءها بمقتضى عصره.
شبهات وتحديات للقومية العربية
يحدد الباحث الاردني عبدالله حمودة مجموعة من المشاكل التي عانت منها الحركات القومية في الوطن العربي ومنها:
ان الحركات القومية وهي خارج الحكم لم تقم بدراسات جدية عن الواقع العربي وعن الاعداء من جميع النواحي فكانت شعاراتها قومية عامة ..
- ان الحركات القومية عندما استلمت الحكم في بعض الدول العربية لم تكن بمستوى المسؤولية التاريخية وسادت بينها صراعات دموية
- لم يكن لدى الحركات القومية برنامج عملي للوحدة
- غياب الحريات وما نتج عنه من ظاهرة توريث الحكم...
- لايوجد بكل الوطن العربي مركز دراسات واحد مستقل عن الحكومات العربية.
ثم يستفيض حمودة بايراد أمثلة عن المؤامرات والنظريات التي تستهدف الامة العربية من هرتزل الى مابعد أيلول ولا ينفي حمودة امكانية الوقوف في وجه الهجمة الامبرالية والصهيونية على الامة مستشهدا بنصر المقاومة اللبنانية وصمود المقاومة الفلسطينية والعراقية!!
مزايا الانتماء ومخاطر الادلجة
أثارت السياسية والبرلمانية الاردنية توجان الفيصل أسئلة مهمة في مداخلتها وردات فعل متنوعة ومتناقضة داخل القاعة، الفيصل أكدت أنها لاتخشى على القومية العربية التي تقوم على ثلاثة أعمدة (اللغة- الاطار الجغرافي- التقاليد والعادات) وهي فكرة جامعة موحدة..
وركزت بشكل اساسي على سؤال أي اسلام نريد وأي اسلام مقصود بربطه مع العروبة؟
ترى الفيصل أن الصراع بين الاطراف الاسلامية أو الحركات الاسلامية (بين بعضها البعض وبينها وبين التيارات الاخرى) هو صراع سياسي وليس ديني كما هي حال حروب الردة في زمن أبي بكر الصديق، لذلك لاتخفي الفيصل مناهضتها للاحزاب الدينية التي قتلت أهم سمات الاسلام وهي العقلانية والعقل فالايمان حسب الفيصل هو علاقة خاصة بين الفرد والاله وهي شأن فردي بامتياز فليس هناك ايمان مشابه لايمان آخر ولو فتحنا الصدور لرأينا أن لكل فرد ايمانه الخاص الذي لا يشبه ايمان أي فرد آخر لذلك علينا القول (أنا في قلب الله وليس صحيحا القول أن الله في قلبي) ...واستعرضت الفيصل قصة تحالف السلطة والاصولية عليها وتكفيرها بشكل أقرب لتبادل الادوار ...منهية بالدعوة لاعادة الاعتبار للعقل والعقلانية.
الاسلام في الدساتير العربية
يؤكد الدكتور جورج جبور على أن معظم دساتير العالم لاتنص على علاقة بين أي دين وبين الدولة، والنظرية الدستورية السائدة هي عدم ذكر دين للدولة، وأول مناقشة دستورية عربية مستنيرة للعلاقة بين الدين وبين الدولة هي تلك التي شهدتها الجمعية التأسيسية السورية عام 1950 حيث انتهت النقاشات الى انتفاء الحاجة الى النص على دين الدولة، بينما نص على أن دين رئيس الدولة هو الاسلام، والفقه الاسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع ...ونص دستور 1973 الحالي الى أن دين رئيس الجمهورية هو الاسلام .
أما تعبير الامة العربية فهو في صلب معظم الدساتير العربية
ودعا جبور في ختام محاضرته الى احياء فكرة انشاء جمعية عربية للدراسات الدستورية فهل يعقل الاستعانة بخبراء بلجيكيين للمساعدة في صياغة الدستور العراقي؟
وهذه الفكرة أيدتها توجان الفيصل وأبدت استعدادها للمشاركة فيها.
بين التبعية والتحرر
نحن نستطيع مواجهة المشروع الاستعماري الجديد ان تحققت بعض الشروط هذا ما يقوله الدكتور محمد أشرف البيومي من مصر ، وهذه الشروط هي : الايمان الذي لا يتزعزع بضرورة النصر، والمعرفة التي تجعل الايمان راسخا لاستبعاد ثقافة الهزيمة والاستسلام ..
ويركز البيومي في مداخلته على موضوع الهوية فهو يرى أنه من الخطورة بمكان تقليص الهوية في بعد واحد فالفرد متعدد الهويات، فالعربي يحمل انتماءات مختلفة الغالب فيها للهويات المختارة فالجنرال أبي زيد عربي ورجال المقاومة عرب مثلا !
ويحدد البيومي مجموعة عقبات تقف في وجه المشاريع الوطنية منها: (الاستقواء بقوى الهيمنة الاجنبية على قوى الاستبداد المحلية بهدف التغيير- التمويل الاجنبي لما يسمى منظمات المجتمع المدني مما يساهم في افساد واحتواء المثقفين العرب والسبب في ذلك هو قتل الحكومات العربية للعمل الاهلي والمستقل – الفصل بين القضايا الوطنية والديمقراطية والتغيير فلابد من رفض الفصل بين مواجهة الاستبداد والامبريالية......)
معنى الماضي ومشروع المستقبل
بعد استفاضة تاريخية عن الاسلام يحدد أبو يعرب المرزوقي (تونس) علل الامة وهي: اثنان موروثان عن الماضي الذاتي الذي نفى حرية المعتقد القرآني :صراع الملل وصراع النحل أي الطوائف والاثنيات، واثنان موروثان عن الماضي الغربي الذي حرف نظرية الأخوة البشرية القرآنية: صراع الطبقات وصراع العرقيات!، والداء الاساسي حسب المرزوقي هو تحريف الدين وفلسفة التاريخ القرآنيتين.
ويرى المرزوقي أن الحائل الاساسي الذي يقف بوجه الامة الاسلامية لتكون طرفا في السياسة الدولية هو: صراع قوميات الامة.
ويرى المرزوقي أن الحرب الحالية هي حرب توحيد وتحرير وهي كونية وأممية لتحقيق الأخوة البشرية كما يدعو الى ذلك القرآن الكريم وتلك هي الكونية الاستخلافية : الصراع مع رأس القوة المادية الغربية (أمريكا) وحلفاءها في الداخل ومع رأس القوة الروحية الغربية المنحرفة (اسرائيل) وحلفاءها في الداخل
اذا المرحلة الآن بحسب المرزوقي هي حرب أهلية شاملة يوحد بينها العودة الى الجهاد في سبيل الله بمعناه الاسمى كما حددته سورة الانفال (الاية ستون)...(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل...)
العروبة والاسلام في مواجهة الصهيونية
يحدد الباحث المصري أحمد بهاء الدين شعبان عدة دروس مهمة أنتجتها الحرب الصهيونية الامريكية الاخيرة على لبنان:
ان ارادة المقاومة أقوى من التفوق التكنولوجي، وحرب التحرير الشعبية هي سلاح الشعوب الرهيب
والدرس الثاني أن هناك حدودا للقوة مهما كانت قدرتها على البطش
وقدمت الحرب الاخيرة مجموعة حقائق منها:
أمريكا هي اسرائيل والعكس صحيح- معسكر الاعداء لا يضم فقط مجموعة من الدول الغربية وانما عدد كبير من الانظمة العربية التابع لامريكا واسرائيل وهي التي طلبت من أمريكا سحق حزب الله- هناك تمايز رأسي يتعمق في الوطن العربي، ويضم في معسكر المقاومة (تيارات اسلامية ويسارية وقومية وليبرالية..) مقابل معسكر أعداء يضم أيضا تيارات اسلامية وليبرالية ويسارية وقومية...وأصبح الفرز حسب الموقف من الشعب ومصالحه بغض النظر عن الانتماء الفكري والايديولوجي...- ازدياد الفجوة بين النظم العربية والشعوب العربية- سقوط مناعة العمق الاسرائيلي- ...
ويدعو شعبان في نهاية محاضرته الى الانفتاح على الشعوب وانهاء الاستبداد كشرط لازم وضروري للوقوف في وجه المخطط الامريكي الصهيوني الجديد.
نقاد العروبة
ينتقد الكاتب العراقي فاضل الربيعي نقاد العروبة والاسلام وخاصة تأسيسهم لقاموس سياسي نقدي هدفه تحرير الاصطلاحات السياسية من دلالاتها الاصلية (قومجي- اسلاموي- عربجي ..)
كما ركز نقاد العروبة بعد الحرب الكونية الثانية على  على ما اعتبروه تناقضا جوهريا بين الدعوة الى الوحدة العربية والدعوة الى الوحدة الاسلامية
ويستعرض الربيعي المراحل التاريخية لاشتداد النقد للعروبة والاسلام وكيف ربطها هؤلاء النقاد بفشل المشاريع الوطنية والقومية، ويأتي الربيعي بأمثلة عن هؤلاء النقاد الانعزاليين (لويس عوض وتوفيق الحكيم (!!)كما عرج على فكرة القطيعة التامة بين العروبة والاسلام والتي قال بها الاخوان المسلمون.
ويشرح الربيعي العلاقة الجدلية بين العروبة والاسلام ويأخذ بها مستشهدا بقول عبد العزيز الدوري أن الاسلام هو من أدخل الى وعي العرب لأنفسهم فكرة الامة التي تربطها عقيدة دينية وأن الرسول هو الذي وضع أسسها وتنظيمها...
الاسلام والعروبة وتحديات المرحلة (العراق نموذجا)
لا يأت الدكتور محمد جواد فارس (العراق) بجديد عند ايراده بعض التحديدات والتعاريف للعروبة والاسلام أو عند استعراضه لاهداف التواجد العسكري الامريكي في المنطقة، ويقدم شرحا مفصلا للحالة العراقية وممارسات الامريكان فيه وخاصة اذكاء نار الصراع الطائفي وحمام الدم اليومي هناك.
بينما يركز الدكتور علي الشعيبي (سورية) في محاضرته (العروبة والاسلام في بلاد الشام) على الانفتاح والاصلاح الذي تعيشه سورية الآن ويستشهد الشعيبي بعشرات الايات القرآنية للتدليل على ارتباط مفهومي الامة والاسلام والعروبة،  كما تحدث عن الخصوصية السورية في فهم العلاقة بين الاسلام والعروبة .
مسوغات الندوة
يرى حمود الموسى مدير الثقافة بالرقة  خلال تقديمه ندوة العروبة والاسلام: (أن من تصدر العمل السياسي في القرن الماضي على ساحة الامة العربية يمكن تحديده بأربع حركات وقوى (الاسلامية- القومية- الماركسية- الليبرالية..) واختيار تيارين في عنوان الندوة لكونهما (العروبة والاسلام) هما الاكثر انتشارا وتأثيرا في الساحة العربية ويضيف الموسى (أميل الى الاعتقاد بأن لا تعارض بين الاسلام والعروبة والتعارض الذي حصل ويحصل هو بين كيانات وتنظيمات سياسية.
كما أن عنوان الندوة فرضه جملة التحديات على الامة في اللحظة الراهنة والتي تفرض البحث عن طريق للخلاص في عالم لامكان فيه للضعفاء.
مشاهد ولقطات
- أثناء تقديم الباحثين في الجلسة الاولى وبعد استطراد المقدم (حبيب البشير) وقف أحد الحضور محتجا (انت محاضر ولا مدير جلسة)!
- احتج أحد الحضور على قول أحد المحاضرين بأن العروبة سابقة على الاسلام قائلا ان الاسلام جاء مع آدم !!
- شذ محافظ الرقة أحمد شحادة خليل عن القاعدة المتعارف عليها  بين الرسميين عند حضور الندوات فكان يحضر الندوات حتى انتهاءها
- فسر بعض الحضور عدم صعود المحافظ الى المنصة لتكريم مدير فرقة الرقة اسماعيل العجيلي وأعضاءها بأنه تكبرا
- وفسر المحافظ عدم صعوده المنصة بأنه يحضر الندوة بصفته الشخصية كمهتم وليس كمحافظ يحتاج صعوده المنصة لبعض الشكليات.
- خرج أغلب المحاضرون عن أوراقهم المكتوبة مما أدى لتجاوزهم الوقت المخصص لهم.
- بعض الحضور لم يطرح أسئلة على المفكرين وانما قدموا مداخلات فسرها البعض (فرصة لاستعراض العضلات).
- علق أحد الحضور عند رؤيته فاضل الربيعي بالقول: (بكل عرس الو قرص مثل عبدالله أبو هيف).
- كلما حيا أحد المحاضرين المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية كان الصراخ والهياج يقوى في القاعة وصوت المحاضر يرتفع كانه في مسيرة محمولا على الاكتاف.
- تفوق علي الشعيبي بصوته (القوي القادر) على جميع اصوات زملاءه المحاضرين فكانت محاضرته أشبه بدرس تربية عسكرية (أيام زمان)
ما يشبه الخاتمة
أغلب المحاضرين ركز على التحديات الخارجية والهجمة الاستعمارية الشرسة، وقلة منهم من تعمق بالاسباب الداخلية (للهجمة الخارجية الشرسة) وكيفية مجابهتها عبر الاصلاح الداخلي.
 

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...