من يذكر أحمد عسة؟

26-04-2007

من يذكر أحمد عسة؟

«الأفضل» و«الأجمل» هذا ما كان ينشده في كل عمل نهض به، وفي أي منصب أوكل إليه، أما «العادي» و«الوسط» وأمثالهما فكلمات لم تكن في قاموسه. كان يؤمن بأن الأمور يجب أن تكون دائماً من الدرجة الأولى لا غير، أما أية درجة تليها فلا اعتبار لها عنده.

ولكنه كان يعرف أن هذه الأولى المتميزة لا تأتي عفو الخاطر، بل لابدّ من بذل الجهد الفائق، ومن التعلم المستمر للوصول إليها. كان يقتدي دائماً بعبارة ذلك الإمام الصوفي الذي قال: «كلّما تعلّمت ازددت علماً بجهلي». ‏

فحين كلّف بإدارة الإذاعة السورية في أواخر 1949، قادماً من الصحافة، لم يكن لديه أي إلمام بالعمل الإذاعي، ولكنه سرعان ما انكبّ منذ اليوم الأول على تعلّم تفاصيله ودقائقه وأسراره؛ وراح يجلس الساعات الطوال الى العاملين في الهندسة الإذاعية ويتعرّف منهم على كل ما له علاقة بأجهزة الصوت، والإرسال، والتسجيل، ومواصفات الاستديوهات، وأنواع الميكروفونات، وهوائيات البث الإذاعي، وأطوال الموجات والترددات. 
وحين اكتملت معرفته بكل ذلك بدأ يعمل على الارتقاء بالإذاعة هندسياً وبرامجياً كي يجعل منها شيئاً مختلفاً عن حالها المتواضع الذي كانت عليه يوم تسلّم مسؤوليتها، فقد كانت قوة إرسالها ضعيفة لا تتعدى بضعة كيلو/سايكلات ولا يغطي صوتها سوى دائرة محدودة من سورية، وكانت ميزانيتها ضئيلة حتى أن مكتبتها الموسيقية لم تكن تحتوي إلا على بضع اسطوانات قديمة تتكرّر وتُعاد على مسامع المستمعين مرّات ومرّات. ‏

وفي أقل من سنة تطوّرت الإذاعة على يدي أحمد عسة تطوّراً سريعاً ومدهشاً. ولما قوي إرسالها وأصبح صوتها يغطي الوطن العربي بكامله والعديد من أقطار الاغتراب، عكف على أن يجعل منها لا مجرد أداة بث عادية بل مؤسسة ثقافية وفنية تستقطب البارزين من أهل الفكر والفن وترعى المواهب الجديدة وذلك عندما لم يكن في سورية حينذاك وزارة للثقافة ولا معاهد للتمثيل والموسيقا تعنى بهذه الأمور. ‏

وفي عهده كان للإذاعة السورية الدور الأكبر في إطلاق إنتاج الأخوين عاصي ومنصور رحباني وفيروز. ‏

ولما ترك الإذاعة، وكانت في ذروة تألقها، وعاد الى الصحافة التي هي حبّه القديم، أصدر عام 1954 جريدة (الرأي العام) التي كانت بقطعها الصغير وصفحاتها الأربع إنجازاً متميزاً في الصحافة السورية والعربية. كانت مثل جريدة (لوموند) الفرنسية، جريدة رأي يترقبها قراؤها من مثقفين وسياسيين ليتعرّفوا من تحليلاتها الدقيقة على معنى الأحداث والى أين تتجه بوصلتها. ‏

أحمد عسّة نجح في كل ميدان اشتغل فيه لأنه كان يتعلّم أولاً ثم يعمل. ‏

صباح قباني

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...