هل يمضي لبنان باتجاه حرب أهلية أخرى؟

الجمل:   الباحث المختص بالشؤون اللبنانية ديفيد شينكر نشر تحليلاً على موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، حمل عنوان (هل لبنان ماض باتجاه حرب أهلية أخرى؟).
يقول الباحث: لقد تلقى لبنان التزاماً بمخصصات لدعم اقتصاده تبلغ 7،6 مليار دولار في مؤتمر باريس الثالث للمانحين، بينما العنف الذي بدا جارياً قيد التنفيذ على طول الخطوط الطائفية، ومواجهاتها السياسية، أصبح يشكل صورة مزعجة بأن لبنان ينزلق مرة أخرى باتجاه الحرب الأهلية.
إن حالة الشلل السياسي التي أمسكت بخناق لبنان بدءاً من تشرين الثاني الماضي، عندما قام حزب الله وحركة أمل وحلفاؤهم المسيحيين بمغادرة الحكومة وتركها، وشن حملة احتجاج جماهيري ضد حكومة السنيورة وقوى 14 آذار، مطالبين بالمزيد من النفوذ والدور السياسي الأكبر.
تناول ديفيد شينكر الموضوع من خلال ثلاثة نقاط، يمكن استعراضها على النحو الآتي:
• طبيعة الاشتباكات: انحصرت أعمال العنف في المنازعات والاشتباكات الطائفية في بعض الأماكن المختلطة، مثل طريق الجديدة، والتي تمثل منطقة سنية محاطة بأحياء شيعية، وقد طلب حزب الله من مقاتليه الابتعاد عن الشوارع، الأمر الذي أدى إلى عدم تصاعد الصراعات والنزاع بين المواطنين. وتجدر الإشارة إلى إن حركة أمل الشيعية، لم تكن أقل اهتماماً من حزب الله في تنظيم تحركات عناصرها، والتي بدت أكثر استعداداً للانخراط في عمليات العنف والفوضى.
يقول ديفيد شينكر: إن ميليشات وفصائل اللبنانيين، أظهرت قدرتها الكبيرة على إعادة التسليح واكتساب القوة العسكرية التي فقدتها بعد انتهاء الحرب الأهلية السابقة في مطلع التسعينيات. كذلك أثبتت الفصائل والميليشيات اللبنانية قدرة أكبر في عمليات تنظيم المظاهرات والاحتجاجات، وضبط تحركات الشارع اللبناني، فبرغم العداء والخلاف المحتدم بين معسكر حزب الله ومعسكر حكومة السنيورة وقوى 14 آذار، فقد قتل شخص واحد فقط من مظاهرات يوم 23 كانون الثاني، وجرح 40 شخصاً، وذلك حسب البيانات المعلنة الخاصة بذلك اليوم.
كذلك فقد ثبت أن الميليشيات اللبنانية التي خاضت حرب حقبتي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ماتزال تملك القدرة على العودة إلى مسرح الصراع المسلح بأسرع ما يمكن، وذلك بسبب إمكانية تزويد نفسها بالأسلحة الصغيرة والخفيفة، وعلى ما يبدو حالياً، فإن الميليشيات والفصائل اللبنانية قد بدأت بالأساس عملية إعادة تسلح واسعة النطاق خلال الأشهر الماضية، وبرغم ذلك، فإن الأطراف اللبنانية الأكثر كفاءة وفعالية من حيث القدرات العسكرية، هي: حزب الله وقوات الجيش اللبنانية، وبدرجة أقل ميليشيا القوات اللبنانية التابعة لسمير جعجع.
• ما هو المخرج؟ يقول ديفيد شينكر بوجود جهود وساطة مكثفة تقوم بها السعودية وإيران، نيابة عن حلفائهم اللبنانيين، قوى 14 آذار، وحزب الله. وبالإشارة إلى المعلومات الواردة، فإن ثمة صفقة يتم العمل على إنجازها، تتضمن الآتي:
- تزويد حزب الله بـ(الثلث الضامن) -أي ثلث مقاعد مجلس الوزراء زائد واحد- وذلك على النحو الذي يمكن حزب الله وحلفاءه من ممارسة حق الفيتو على قرارات الحكومة اللبنانية.
- أن يوافق نواب حزب الله في مجلس النواب اللبناني على قرار إنشاء وتكوين المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
ويقول ديفيد شينكر: إن الطرفين أصبحا على وشك الاتفاق، ولكن ماتزال بعض المسائل والقضايا العالقة التي يمكن أن تقضي على هذه الصفقة.
كذلك يضيف ديفيد شينكر الباحث بمعهد واشنطن بأن الأطراف الخاسرة في هذه الصفقة هي: الجنرال عون وتياره الوطني الحر، وسوريا.
• الاستنتاج: يقول ديفيد شينكر: إن المواطنين والسياسيين اللبنانيين مازالوا أكثر وعياً بالتكاليف البشرية والمالية التي ترتبت على الحرب الأهلية، الأمر الذي جعل كل اللبنانيين وزعماءهم السياسيين يحذرون من خطر الفتنة وعواقب الحرب الأهلية إذا اندلعت.
كذلك يعتقد ديفيد شينكر بأنه على خلفية ما يحدث حالياً في لبنان، فإنه حتى لو تم التوصل الى صفقة بين حزب الله وقوى 14 آذار، فإن أعمال العنف سوف لن تتوقف، على النحو الذي سوف يؤدي في نهاية الأمر إلى الحرب الأهلية الواسعة النطاق.
ويقول أيضاً: (فرق كبير رئيسي بين سياق وخلفية الحرب الأهلية الأخيرة، واليوم يتمثل في الخلاف والانقسام السني- الشيعي في المنطقة، والعداوة المتنامية فقط بين هاتين الطائفتين).. ويواصل ديفيد شينكر حديثه بحيث يصل إلى الاستنتاجات الآتية:
- هناك جماعات سنية لا ترتبط بقوى 14 آذار، منها عصبة الأنصار، وجند الشام.. بل لها ارتباط قوي بتنظيم القاعدة، وبالتالي فإن هذه الجماعات معادية لقوى 14 آذار، ولأمريكا، وللشيعة.
- التنظيمات الطلابية التابعة للتنظيمات والفصائل السياسية اللبنانية، قد لا تتقيد بتوجهات وتعليمات الزعماء السياسيين اللبنانيين، وبالتالي فإن الطلاب في لحظات المواجهة السياسية الساخنة، قد يلجؤون لاستخدام العنف بما يولد الطاقة المحرضة والمحفزة للحرب الأهلية كأمر واقع.
- كفاءة وفعالية قوات الجيش اللبناني سوف تكون أمام أصعب الخيارات، والتي تتراوح بين التدخل لقمع العنف، أو عدم التدخل والتفرج على الأطراف المتقاتلة، وتأثير كل من هذين الموقفين على تماسك الجيش اللبناني وانضباطه.
وعموماً يمكن أن نعلق على تحليل ديفيد شينكر بأنه تحليل يركّز على التشاؤم والتمهيد لأطروحة أن الحرب الأهلية اللبنانية هي أمر لا مهرب من وقوعه، متذرعاً بوجود التنظيمات السنية المتشددة باعتبارها لا ترتبط ولا تلتزم بأي اتفاق سياسي يعقده الزعماء السنيون المرتبطون بقوى 14 آذار وحكومة السنيورة.
وتعقيباً على هذه النقطة نرى الآتي:
• ان هذه التنظيمات لا تتمتع بالنفوذ الواسع في الشارع اللبناني، لذلك ليس لها تأثير كبير على مجرى العملية السياسية الجارية لها في الشارع اللبناني ولا في المؤسسات السياسية اللبنانية.
• ان هذه التنظيمات محدودة الانتشار، فمثلاً ليس لها عضوية كبيرة، وبالتالي لا تستطيع القيام بعمل عسكري واسع يرقى لمستوى الحرب الأهلية.
• ان الشارع اللبناني بعيد عن الارتباط بهذه الجماعات، والتي تنحصر عضويتها ببعض المتطرفين، وربما بعض العناصر غير اللبنانية.
إن استنتاج ديفيد شينكر الباحث اليهودي لها أكثر من دلالة، أبرزها أن جماعات اللوبي الإسرائيلي والمحافظين الجدد، يمهدون الرأي العام الأمريكي والعالمي للقبول بأطروحة اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية كأمر واقع.. وهو ما تريده إسرائيل في هذه المرحلة كذريعة لشن حرب الصيف القادم في منطقة شرق المتوسط.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة