خفايا الحوار السوري ـ الأميركي التجربة في العراق والنتائج في لبنان

03-02-2007

خفايا الحوار السوري ـ الأميركي التجربة في العراق والنتائج في لبنان

الجمل ـ سعاد جروس:الدخان لا يزال يتصاعد من تصريحات المسؤولين الأميركيين الاخيرة حيال سوريا واتهامها بعدم القيام بدور إيجابي في العراق, وفي مقدمتها التهديدات المباشرة للرئيس بوش بالحد من النفوذ الإيراني­ السوري, إلا أن ذلك الدخان وعلى الرغم من كثافته لا يحجب حقيقة ترحيب واشنطن بالحركة الدبلوماسية الناشطة على خط دمشق ­ بغداد وطهران وانقرة, الساعية إلى عقد مؤتمر لدول الجوار في بغداد من أجل بحث سبل تحقيق مصالحة عراقية.
فهل هذا تعبير عن استمرار السياسية الأميركية في ازدواجيتها, أم أن الحوار السوري ­ الأميركي صار واقعاًَ, ولو عبر قنوات خلفية؟

الأسبوع الماضي شهد حركة دبلوماسية قوية لدمشق في اتجاه كل من طهران وأنقرة, عندما نقل وزير الخارجية السوري وليد المعلم رسالة شفوية من الرئيس السوري بشار الأسد إلى نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد. وبعد أقل من أسبوع, زار أنقرة وأجرى محادثات مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته عبد الله غول. الأولوية في المحادثات كانت للشأن العراقي وعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية, انطلاقاً من المصلحة المشتركة للدول الثلاث سوريا ­ تركيا­ إيران في الحفاظ على وحدة العراق, وكانت فكرة عقد هذا المؤتمر قد طرحتها طهران, إلا أن سوريا ارتأت تأجيلها إلى ما بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية السورية ­ العراقية, وقيام الرئيس العراقي جلال طالباني بزيارة إلى سوريا, والتي أثمرت عدداً من الاتفاقات الواعدة شملت مجالات أمنية وسياسية واقتصادية أهمها الاتفاق الأمني على بذل جهود مشتركة لضبط الحدود ومنع تسلل الإرهابيين وتسليم المطلوبين إلى السلطات العراقية. جاء ذلك بالتزامن مع إعلان الرئيس الأميركي لإستراتيجيته الجديدة وإرسال المزيد من الجنود الأميركيين إلى العراق للمساعدة في تنفيذ الخطة الأمنية في بغداد, بالإضافة إلى حشد مزيد من القوات البحرية في الخليج العربي, الأمر الذي اعتبره محللون مؤشراً على نية واشنطن توسيع عملياتها العسكرية في اتجاه إيران وسوريا, مع أن المسؤولين الأميركيين نفوا ذلك من دون أن يتراجعوا عن اتهاماتهم بضلوع الدولتين في تأزيم الوضع العراقي. إلا أن التطورات الحاصلة الأسبوع الماضي في دمشق وبغداد على صعيد تنفيذ الاتفاقات الأمنية, تشير إلى العكس وهو مبادرة سوريا الى مساعدة الحكومة العراقية لإنجاح مهمتها الأمنية في بغداد, إذ ألغت الخطوط الجوية العراقية يوم الأربعاء الماضي 31€1€ رحلاتها التي كان من المقرر أن تتوجه من بغداد إلى دمشق حتى إشعار آخر, وبحسب مصادر عراقية فقد تم ذلك نتيجة لاتفاق بين الحكومتين.
في غضون ذلك اعتمدت إجراءات أمنية مشددة على الحدود, بهدف سد المنافذ الحدودية, وبدأت السلطات السورية المختصة عملية تنظيم الوجود العراقي في سوريا, عبر جملة من الإجراءات دخلت حيّز التنفيذ في 30€1. فقد قررت وزارة الداخلية السورية السماح للعراقيين بالدخول لمدة 15 يوماً فقط, بعدما كانت الفترة ثلاثة أشهر, على أن يتم خلالها مراجعة مراكز الهجرة والجوازات لمن يرغب في الإقامة, كما سيتم ترحيل المتخلفين عن المراجعة خلال هذه المدة, واستثنت التدابير العراقيين حاملي جوازات السفر الأجنبية, والعراقيات زوجات السوريين, والطلاب والرياضيين والسائقين.
وقد باشرت مراكز الهجرة والجوازات, العمل على تشديد الرقابة على الوثائق والتدقيق بشكل كبير في الجوازات المزورة, وتقديم جداول يومية إحصائية بأسماء العراقيين الآتين إلى مختلف فروع الأجهزة الأمنية, كما اشترطت دفع مبلغ ألفي دولار لطلب الإقامة. ورأى المواطنون السوريون أن الإجراءات جاءت للحد من تدفق اللاجئين الذي يقال إن عددهم تجاوز مليون ونصف مليون لاجئ, وهو ما أدى إلى أزمة خانقة جراء ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة. ورأى محللون أنها تأتي تنفيذاً للاتفاق بين البلدين على التنسيق والتعاون الأمني, وهي لم تستهدف سوى أفراد يشتبه في ضلوعهم في حركات تمرد, وتستثني العائلات العراقية. كما لا يمكن تجاهل تزامن هذه الخطوات مع بدء تنفيذ الحكومة العراقية للخطة الأمنية, ولا سيما أن وزير الخارجية السوري وخلال زيارته لأنقرة عبر عن قلق سوريا من النزاعات الطائفية في العراق, مؤكداً أن المشاكل الأمنية في بغداد تمثل تهديداً للمنطقة بأسرها. وقال إن «إحلال الأمن والاستقرار أمران مهمان لكل دول المنطقة». واعتبر أن انسحاب القوات الأجنبية من العراق يجب أن يكون مرتبطاً بجدول زمني, ولم يؤيد استراتيجية بوش الجديدة القائمة على نشر المزيد من قوات الاحتلال, كونه لا يعتقد بأن استخدام القوة سيحل المشكلة في العراق, منوهاً بأن «بنية المشاكل في العراق معقدة جداً, ولا يمكن لدولة واحدة التغلب عليها بمفردها, بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها», مطالباً بأن يكون لـ«تركيا وسوريا وإيران دور في التوصل إلى حل هذه المشاكل» لأن التطورات في العراق تؤثر مباشرة في الدول الثلاث.
وقد جدد الرئيس الأسد حرصه على استقرار العراق ووحدة أراضيه لدى اجتماعه مع الشيخ حارث الضاري رئيس هيئة العلماء المسلمين في العراق, والذي زار دمشق على خلفية بدء سوريا تنفيذ الاتفاقات الأمنية مع الحكومة العراقية, وحصل الضاري على تطمينات من الرئيس الأسد بأن سوريا تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف العراقية, مع دعوة رجال الدين لممارسة دورهم في تحقيق المصالحة الوطنية. وناقش نائب الرئيس فاروق الشرع مع الضاري ضرورة إشراك العراقيين كافة في العملية السياسية للحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً وعودة الأمن والاستقرار إليه وإنهاء الوجود الأجنبي على أراضيه.
ويمكن قراءة التصريحات السابقة على أنها مبادرة سورية للبحث عن حل سياسي من داخل العراق يقدم للحكومة العراقية, التي أيدتهاعلى لسان رئيسها نوري المالكي بالقول إنها غير ملتزمة بالإستراتيجية الأميركية, في ما يتعلق بدول جوار العراق, بل تسعى إلى حسن الجوار. وأن «هناك بعض الفصول في إستراتيجية بوش تخص أميركا وعلاقاتها في المنطقة ومع دول الجوار. أما بالنسبة الى العراق فإن دستوره وسياسته وتاريخه الذي عانى خلاله من سياسات المغامرة مع دول الجوار... تفرض عليه سياسة حسن الجوار بكل جدية». وعلى الرغم من هذه النبرة الاستقلالية العالية في تصريح المالكي, لا يمكن التسليم بأن الحوار العراقي مع سوريا يتم من دون ضوء اخضر أميركي, وما كان ليمنح لولا غرق إدارة بوش في المستنقع العراقي, والرفض المتنامي في دوائر السياسة الأميركية لخططه, بل والأهم التحذير من «قصر الوقت» في تنفيذ الإستراتيجية الجديدة, من دون أدنى ضمان لنجاحها ولو نسبياً في خفض معدل أعمال العنف التي شهدت تصاعداً مرعباً, سجل خسائر فادحة في صفوف الجيش الأميركي منذ الاعلان عن «الإستراتيجية الجديدة». فقد دعا المرشح لقيادة القوات الأميركية في الشرق الأوسط الأدميرال ويليام فالون إلى طريقة «مختلفة وجديدة» للتعامل مع الوضع في العراق, وقال أمام لجنة استماع الكونغرس «الوقت قصير» لكي تغير الولايات المتحدة مسار الأوضاع, فيما نقل راديو«سوا» الأميركي يوم الخميس الأول من شباط €فبراير€ الحالي عن المتحدث باسم الخارجية الأميركية قوله «إن واشنطن تؤيد عقد مؤتمر للمصالحة تشارك فيه سوريا وإيران» لكنه أشار إلى أن واشنطن لن تشارك فيه لأنها ليست من دول الجوار بعد جلسة للكونغرس الأميركي نوقشت فيها فكرة فتح حوار مع إيران وسوريا. وطالب وزيرا الخارجية الأميركية السابقان هنري كيسنجر ومادلين أولبرايت الرئيس بوش التحاور معهما من اجل التوصل إلى حل للازمة العراقية, ودعا كيسنجر إلى عقد مؤتمر إقليمي بهذا الشأن قائلاً: «يجب أن يعقد المؤتمر ويضم الدول المجاورة للعراق, والدول الأعضاء في مجلس الأمن, ودولاً أخرى مثل أندونيسيا والهند وباكستان, وبذلك تتشكل هيئة واسعة النطاق ينتج عنها مجموعات صغيرة تدرس القضايا الإقليمية. وتكمن أهمية هذا الأمر في انه يشكل إطاراً من شأنه أن يعطي صدقية ومشروعية لكل القرارات التي ستصدر عنه».
وجود هذا التوجه في دوائر القرار الأميركي في محاذاة فشل سياسات بوش في المنطقة, يمنح مزيداً من الفرص أمام مسار فتح حوار إقليمي في سبيل إيجاد مخارج سياسية للحلول الممكنة. وبالاستناد إلى قراءة المعطيات المتوافرة, فإن اقتراحات الحلول المطروحة تشمل: أن يتم اقتسام السلطة في العراق بالتوافق وليس وفق الأكثرية, منح دور أكبر للسنة والالتفات إلى تنمية مناطقهم التي تعرضت لتخريب كبير بفعل الاحتلال وعدم شملها بإعادة الإعمار كغيرها من المناطق العراقية, بالإضافة إلى حل الميليشيات وتعزيز دور الجيش الوطني وسيادة الدولة العراقية, الضرب بيد من حديد على الجماعات المتشددة المخربة لأي مصالحة, منع تقسيم العراق ومراجعة الدستور بما يعيد النظر بموضوع الفيدرالية لمخاطرها على وحدة العراق, ووضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية, وكلها حلول غير ممكنة من دون مشاركة دول الجوار وتفعيل المسار الذي شهد جموداً لمصلحة تحرك المسار الآخر القائم على سياسة عزل كل من سوريا وإيران وفرز دول المنطقة إلى محورين «محور المتشددين» في مواجهة «محور المعتدلين», وهو مسار لا تزال إدارة الرئيس بوش ماضية في دعمه من دون أن يحصد نتائج ايجابية على الأرض سوى مزيد من التأزم في ملفات المنطقة كافة €العراق وفلسطين ولبنان€, وعلى نحو مرعب يهدد بانفلات أمني خطير, بدأت إرهاصاته تتمثل في اقتتال فلسطيني­ فلسطيني, وبزوغ رأس الفتنة الطائفية في لبنان بما يحمله من تهديد باندلاع حرب أهلية. ولعل بلوغ التجاذب السياسي على الساحتين الفلسطينية واللبنانية الخطوط الحمر, كبح مسار محور المعتدلين في مسايرة الركب الأميركي, ولا سيما بعدما أعطي الضوء الأخضر لتحريك المسار الآخر واختبار فاعلية الدور السوري الإقليمي, بما ينم عن تجميد لمحور المعتدلين وحتى استبعادهم من الحل, فقد تحركت وعلى نحو غير متوقع المملكة العربية السعودية باتجاه طهران لبحث الشأن اللبناني سبقها دعوة لمسؤولين من «حزب الله» إلى جدة, وكذلك دعوة الفرقاء الفلسطينيين إلى عقد اجتماع في مكة. ويمكن تفسير هذا التحرك باحتمالين إما أنه محاولة سعودية لانتزاع أوراق الدور الإقليمي السوري, وإبطال مفاعيل دعوات فتح حوار مع سوريا في وقت تشهد فيه العلاقات السعودية­ السورية شبه قطيعة, أو هي مبادرة سعودية للحفاظ على دورها لاحتواء تداعيات احتمال تراجع أميركي على مسار «المعتدلين». التحركات السعودية لم تسجل لغاية الآن تقدماً, فهي لم تنجح في تقليب العشائر العراقية­ السورية على سوريا, حسب مصادر مطلعة صرحت لـ«الكفاح العربي», بأن المملكة السعودية حاولت استمالة بعض شيوخ العشائر الممتدة بين سوريا والعراق, من خلال ضخ مال سياسي إلا أن هذه المحاولة لم تؤت ثمارها بسبب الرفض القاطع للعشائر, ولم يكن الأمر أفضل في لبنان, فلم تفلح سياسة معاداة سوريا في إعادة الاستقرار, وإنما العكس تماماً, فالفوضى وحالة التهاتر السياسي أبطلتا مفعول المبادرة العربية لفرض حلول لا ترضي سوريا وحلفاءها في لبنان.
ويرى مراقبون أن السعودية لن تتمكن من استعادة دورها المؤثر في المنطقة, إلا في حال واحدة وهي عودة المحور السعودي­ المصري­ السوري, ومن المتوقع أن تسعى إلى ذلك من خلال دعوتها إلى عقد قمة عربية في آذار €مارس€ المقبل في الرياض, كونها حرصت على الإعلان على لسان وزير خارجيتها سعود الفيصل بأنه ستوجه الدعوة الى كل الرؤساء العرب, ومسألة حضورهم تتعلق بهم. إلا أنه ولغاية الآن لا تبدو في الأفق أي بشائر لعودة هذا المحور على الأقل, هذا ما يبرزه الدخول السعودي على خط المبادرات المحموم بالتزامن مع التحرك السوري في اتجاه دول الجوار العراقي, كما يؤكده عدم وجود نيات أميركية حقيقية للتراجع عن سياستها, إلا إذا نجحت روسيا في حضها عليه من خلال الدور الذي تلعبه مع الاتحاد الأوروبي الممانع لفرض عقوبات على إيران, وإقناعهم بإشراك سوريا وإيران في عملية السلام والنزاع في لبنان والنزاع الإسرائيلي­ الفلسطيني, حسبما فهم من تصريحات وزير الخارجية الروسي قبيل توجهه إلى الولايات المتحدة للمشاركة في اجتماع اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط, والذي سيسبق قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجولة إلى دول المنطقة الأسبوع المقبل تشمل قطر والسعودية والأردن. ومن المتوقع أن تدخل روسيا بكل ثقلها لدفع الأزمة في المنطقة في اتجاه الحل السياسي, لكن إدارة بوش وعلى الرغم مما تواجهه من انتقادات داخلية عنيفة, لم تظهر ما يشير إلى تغيير مسارها, عدا حالة الرخاوة التي تبديها بين حين وآخر في ما يخص الوضع في لبنان, كأن تدعو الفرقاء اللبنانيين إلى العودة إلى الحوار بعد شهور طويلة من تصريحاتها بدعم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ضد المعارضة, متعمدة المماطلة لإبقاء لبنان متأرجحاً بين مسارين, بجعل الساحة اللبنانية ميداناً لاختبار تقاطعهما وتناقضهما, إذا لم نقل مساحة لمعاقبة سوريا وتعقب إيران, ليبقى الحل مرهوناً بنتائج خفايا حوار سوري ­ أميركي يتم عبر القناة العراقية, وهي وحدها ستكون الفعالة, بعدما أثبتت التجربة أن أي حل في لبنان محكوم بالفشل ما لم يمر عبر سوريا, كما أن أي مشاركة لسوريا وسواها من دول المنطقة محكومة بالفشل أيضاً, ما لم يتم تطويبها أميركياً.
إنها معادلة معقدة وتزداد تعقيداً كلما طال عمر الأزمة, مما يسمح ويشجع على ظهور بؤر توتر جديدة والأسابيع المقبلة سوف تكشف نتائج هذه التجربة

 

بالإتفاق مع الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...