هل بَدَأ العَدُّ التَّنازليّ لسُقوطِ الدُّولار الأمريكيّ ؟

01-11-2018

هل بَدَأ العَدُّ التَّنازليّ لسُقوطِ الدُّولار الأمريكيّ ؟

أكّد اقتصاديّ بريطانيّ كبير التَقته قبل أيّام أنّ مصدَر القُوّة الأمريكيّة الحَقيقيّ ليس رؤوسها النوويّة، ولا أساطِيلها البحريّة، ولا صِناعاتِها العسكريّة، ولا مُقدَّراتِها الاقتصاديّة الضَّخمة، وإنّما “الدُّولار”، الذي استخدَمَته كأقوى أسلِحَتها في السَّيطرةِ على العالم، ويبدو أنّ هذا السِّلاح بَدَأ يَفقِد قِيمَته وفاعِليّته، بشَكلٍ مُتسارِعٍ لأسبابٍ عديدةٍ أبرزها السِّياسات العُنصريّة المُتَعجرفة للرئيس الأمريكيّ الحاليّ دونالد ترامب وإدارته.

خَطَوات التخلّي عن العُملة الأمريكيّة تتَّسِع وتتصاعَد، وربّما تَبلُغ ذَروتها في العام الجديد، وتقود هذا التَّحرُّك دُوَل عالميّة وإقليميّة عُظمَى اكْتَوَت بنارِ الغَطرَسة، والعُقوبات الأمريكيّة، مِثل روسيا والصين وإيران والهِند وتركيا.
أمس الأربعاء صرّح يوري برويسوف، نائِب رئيس الوزراء الروسيّ، بأنّ عقد توريد منظومة صواريخ “إس 400” إلى الهند سيَتِم باستخدام العُملة الروسيّة “الروبل”، وأكَّد أنّ روسيا ستَقوم ببيع جميع صَفَقاتِها العَسكريّة بالعُملة الروسيّة لفَكِّ الارتباط بالدُّولار الأمريكيّ نِهائيًّا.

روسيا أقدَمت على الخُطوة نفسها قبل شَهرٍ تَقريبًا عندما اتَّفَقت مع تركيا على استخدام عُملات البَلدين لتسديد أثمان صفقة صواريخ مُماثِلة، وكُل التَّعامُلات التجاريّة الأُخرى بين البَلدين التي تَصِل قيمَتها حاليًّا إلى أكثَر مِن 35 مِليار دولار سَنويًّا.

الصين، الدَّولة العُظمَى الثانية، التي تسير على الطريق نفسه، أعلَنت أنّها ستَدفع ثمن وارِداتها مِن النِّفط الإيرانيّ “بالبترويوان” في خُطوةٍ من جانِبها للالتفافِ على الحَظْر الأمريكيّ على النِّفط الإيرانيّ الذي سيَبْدأ في الرابع من شهر تشرين ثاني (نوفمبر) المُقبِل، ووقَّع البنك المركزيّ الصيني (بنك الشعب) اتفاقيّة ثُنائيّة لتَبادُل العُملات المحليّة مع نَظيرِه في اليابان بقِيمَة 200 مِليار يوان (29 مِليار دولار) مُقابِل 3.4 تريليون ين ياباني (31 مِليار دولار)، كما أعلَنت اليابان والهند إبرام اتِّفاقٍ مُماثِلٍ بَينَهُما، أي استخدام العُملات المحليّة في صَفقاتٍ مُتبادَلة تَصِل قيمَتها إلى 75 مِليار دولار.

الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان الذي واجهت بِلادُه حرب عُمُلات تَقِف خلفها أمريكا استهدَفَت اللَّيرة التركيّة قبل شَهرين، وأدّت إلى انخفاضِ قيمَتها حواليّ 40 بالمِئة، يقَود تَحَرُّكًا عالميًّا لوَقفِ التَّعامُل مع الدُّولار الأمريكيّ، وترأس اجتماع قِمّة في أيلول (سبتمبر) الماضِي لقادَة الدُّوَل النَّاطِقة بالتركيّة (سبع دول)، كان أوّل قراراته اعتماد العُمُلات المَحليّة في التَّبادُل التِّجاريّ بَدَلًا مِن الدُّولار الأمريكيّ.

العالم يَتَوحَّد في مُعظَمِه ضِد أمريكا وهيمَنتها الاقتصاديّة، وعُملَتها الخضراء (العَرب خارج الجُغرافيا والتاريخ) لإنهاءِ الهَيمنة الأمريكيّة، ومِن المُؤلِم أنّ أصحاب هَذهِ الفِكرة وروّادِها كانوا مِن العَرب، ونَتحدَّث تحديدًا عَن الزَّعيم الليبيّ معمر القذافي الذي سَعَى لإصدارِ الدينار الأفريقيّ، ووفَّر له غِطاءً ضَخْمًا مِن الذَّهب، وكذلِك الزعيم العراقي الراحل صدام حسين الذي أرادَ استخدام عُمُلات أُوروبيّة أُخرَى لتَسعيرِ النِّفط، ودَفَعا حَياتَهُما ثَمَنًا لهَذهِ الخُطوةِ الجَريئَة.

أمريكا نَجَحَت في تَغييرِ النِّظامين الليبيّ والعِراقيّ، وتدمير البَلدين بمُساعَدة بعض العرب، ولكنّها لن تنجح في مُواجَهةٍ دُوَلٍ عُظمَى مِثل الصين وروسيا والهِند وتركيا التي تتوحَّد للاستغناءِ عن عُملَتِها إلى جانِب دُوَلٍ آسيويّة وأفريقيّة أوروبيّة وجَنوب أمريكيّة أُخرَى.رُبّما مِن المُبكِر القَول “وَداعًا” للدُّولار، ولكن المَسيرة بَدأت، وتَزداد زَخَمًا يومًا بعدَ يوم، ومِن غَيرِ المُستَبعد أن تكون نِهايَة هَذهِ الهَيمَنة باتَت أقرَب ممّا يتصوَّره كَثيرون.. فقد طَفَحَ الكَيْلُ.. والأيّام بَيْنَنَا.

 



رأي اليوم - عبد الباري عطوان

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...