حول القبلة في الأفلام

18-02-2022

حول القبلة في الأفلام

د.سامح عسكر:

صديق عزيز يسال: أستاذ سامح ما هو موقفك من (البوس في الأفلام) عارف إن السؤال محرج لكنه مهم عندي؟؟

قلت: عزيزي السائل ، الفنون هي تعبير عن الذات ليس بالضرورة (ذاتك أنت) يعني وارد أن تختلف مع نوع خاص من الفنون لا يتفق مع رغباتك، لكنه متفق مع رغبات آخرين، لذا وصل العالم أن حرية الفنون مقدسة، كونها الوسيلة الوحيدة للتفاهم والتخاطب بين الثقافات والشعوب، ومصادرة الفنون بأي حجة هو نوع من الاستبداد مرفوض..

من يريد فرض وجهة نظره هو على الفنون بالقوة أو بدعاوى الدين والفضيلة سوف يؤدي ذلك لمنع الفنون بالكلية..لن توجد أي فنون من أي نوع..لأن جميعنا لسنا متفقين على فن واحد وسوف يؤدي ذلك لشيوع العنف المجتمعي والقتل والكراهية لمجرد التعبير عن النفس..

من يرفض القبلات هو يرفض الأحضان والتلامس..يرفض الاختلاط ويرى أن اجتماع ممثل وممثلة في مشهد واحد سوف يكون مقدمة لارتكاب المُحرّمات، يرفض أيضا ظهور النساء على التلفزيون إلا لو كنّ محجبات ومنقبات..فالمسألة لا تتوقف على القبلات ياعزيزي، هذه قضية شهدها الفن ببداياته في القرن 19 حين قررت مصر بناء أول مسرح مصري وتشكيل أولى الفرق المسرحية، لم يتقبل المجتمع فكرة وجود أنثى أمام جمهور من الرجال، لذا ففي هذه الفترة ظل المسرح المصري يستعين برجال في دور نساء حتى حقبة العشرينات التي شهدت أول ظهور نسائي على خشبة المسرح بمنيرة المهدية وأمينة رزق وغيرهن..

سبب رفض المجتمع هو نفس حجة الإسلاميين ومعظم الشيوخ الآن ، وترتكز في معظمها على دعوى أن (النساء فتنة) ومن يرفض القبلات بدعوى أن هذا عمل منحط وسافل – وفقا لكلامه – هو يكذب على نفسه، لأن القاعدة لديه أن النساء فتنة ومكانها البيت والولادة وتخريج جيل من المسلمين نشأ على الجهاد والطاعة، لذا فالمجتمع الحضاري وصل إلى أن أفضل وسيلة لمقاومة دعاوى الكهنة هذه هي (حرية النساء) والتشديد على حقوقهن في القانون، والتشدد جدا في حمايتهن من التحرش والعدوان وجرائم الشرف..

سلوك الحضارة هذا أدى لتخفيف ضغط رجال الدين وزيادة مساحة الحريات وظهور جيل كبير من المبدعين والفنانين هو الذي يصول ويجول الآن في العالم ويحصد الجوائز، ومثلما يوجد فن منفتح ومتحرر يقبل (البوس) يوجد فن آخر محافظ (يرفضه) لأن القاعدة هي (حرية الفنون) فالحضارة لم تمنعك من إبداع فنونك الخاصة وعرضها على مسارحك الخاصة  وسينماتك الخاصة..لكن سوف تمنعك بشدة عندما تتعرض وتريد منع مسارح وسينمات وإبداعات الآخرين..

أنت حر..ما لم تضر

يمكنك انتقاد هذه القبلات في كتب ومقالات وأعمال فنية..لا مانع، إعرض حججك وبراهينك لكن ليس لك الحق في منعها بالقوة أو إخضاعها لتقييمك الشخصي للأخلاق، فأنت لست أكثر أخلاقا من الفنانين الذين يقبلون هذا العمل..فلو كانوا يفعلونه في العلن وفق سياق درامي قصصي إبداعي له رسالة إصلاحية فأنت تفعل أعظم منه في الخفاء دون رسالة – وربما في العلن – أيضا لكن الفارق أن هؤلاء شخصيات عامة أعراضهم مستباحة للقطيع المنافق الذي يرفض تصوير أي أي من أمراضه في الواقع بالسينمات ..

لو كنت تمتلك ثقافة خاصة وقوة في الشخصية لن يهزك قبلة

أما لو كنت فارغ المحتوى وهشّ الثقافة وضحل المعرفة سوف يكون مجرد كشف شعر امرأة مثيرا جدا لك وداعيا للفتنة والهياج الجنسي، واعلم أن السينمات التي كانت تسمح بهذه القبلات حتى وقت قريب فعلت ذلك لأن المجتمع كانت لديه بواقي ثقافة وبواقي شخصية اكتسبها من الطفرة العقلية الليبرالية أوائل القرن 20 م، لكنه وبعد الغزو الوهابي والتجريف الصحراوي للحضارة وفرض قيم المحافظين بالقوة ودعم ذلك بالسلاح والمال والحكومات أدى لفراغ كبير في الشخصية..وسطحية هائلة أصابت حتى بعض من نسميهم مثقفين وفنانين، وصاروا يتحدثون كرجال دين..لا كمفكرين وفنانين أصحاب رسالة..

ثم هي مشاكل الدنيا يعني خلصت ماعادش فيه غير البوس..ياأخي اتق الله..:)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...