في سورية متقاعدون محظوظون وآخرون.. الشجار بحثاً عن مكانة مفقودة

27-11-2008

في سورية متقاعدون محظوظون وآخرون.. الشجار بحثاً عن مكانة مفقودة

يقلّك أبو النور في سيارة الأجرة التي يعمل عليها إلى أي مكان في دمشق، فهو يعرف شوارعها العريضة وحاراتها الضيقة عن ظهر قلب. أحياناً، لا يحسن السيطرة تماماً على السيارة، فيخطئ في الوقوف عند إشارة المرور. وتسمعه يتشاجر مع الشرطي، ويترحم على السنوات الطويلة التي عمل خلالها في الشرطة، يخدم بلده من دون أن يوجّه إهانة لأحد. يقول الرجل الذي ناهز عمره الستين: «لولا حاجتي إلى النقود لما عملت سائق تاكسي. هذه المهنة سببت لي التواء في ظهري».
وأبو النور مضطر للعمل بعد تقاعده، لأن الراتب الذي يتقاضاه، ويبلغ تسعة آلاف ليرة سورية (نحو مئتي دولار)، لا يكفيه لإعالة أسرته المكونة من زوجة وستة أبناء وأخت مريضة. «أنتظر حتى ينهي ولدي الأكبر دراسته الجامعية. وبعدها، يمكنني الاعتماد عليه في تأمين مصاريف العائلة»، يقول.
على رغم وضعه المادي الصعب، يعتبر أبو النور نفسه «محظوظاً»، فراتبه التقاعدي أفضل مما يتقاضاه زملاء له تقاعدوا قبله بسنوات. ذلك أن القانون الخاص بالمتقاعدين في سورية يميّز بين متقاعد وآخر، «التشريعات ساهمت من ناحية، بتحسين أوضاع المتقاعدين، ولكنها لم تكن كافية، بل تفتقر إلى العدالة في التوزيع. وما زال هناك ظلم يقع على من تقاعد قبل عام 2000»، كما يقول عدنان طبنج، وهو محام متقاعد عمل مستشاراً لدى محكمة الاستئناف في دمشق، موضحاً أحوال شريحة من المتقاعدين القدامى، ومنهم صديقه الثمانيني الذي يتقاضى مبلغاً لا يكفيه ثمناً لأدوية تلزمه. ويذكر المحامي أنه على رغم الزيادات، بقيت رواتب المتقاعدين قبل عام 2000، تتراوح بين 3 آلاف و5 آلاف ليرة سورية (66 و111 دولاراً)، بينما يحصل زملاؤهم المتقاعدون بعدهم، والذين شغلوا الوظائف ذاتها على 10 آلاف إلى 15 ألف ليرة سورية، أي نحو ثلاثة أضعاف ما يتقاضاه القدامى.
أثر التقاعد من الوظيفة في الحياة الأسرية كان موضوع رسالة أعدتها الباحثة أميرة عرقسوسي، لنيل درجة الماجستير في علم الاجتماع في جامعة دمشق. والبحث الذي نشر أخيراً في مايو (أيار) الماضي خلص إلى أن التقاعد يؤثر سلبا ًفي العلاقة مع الشريك، وبخاصة لدى المتقاعدين الذكور، فبقاؤهم أوقاتاً طويلة في المنزل يجعلهم يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة، من الشؤون المنزلية والأسرية. وهو الأمر الذي يفضي إلى خلافات مع الشريك (الزوجة).
وترجع الباحثة أسباب هذه الخلافات إلى الضغط النفسي الذي يعيشه المتقاعد نتيجة إحالته على «المعاش»، ودخوله مرحلة جديدة مصحوبة بتغيرات، أهمها زيادة أوقات الفراغ، وإحساسه بالملل والوحدة وفقدان المكانة الاجتماعية. وقد يترافق ذلك مع ضعف في الإمكانات المادية، يولّد « ضيق النفس» والشجار، ويؤدي إلى نوع جفاء وتباعد بين الطرفين.
ويركز البحث على أهمية تفهّم زوجة المتقاعد أو زوج المتقاعدة، طبيعة المرحلة الجديدة، بكل ما فيها من اختلاف كبير ومفاجئ عما اعتاده (أو اعتادته) لسنوات طويلة. ويلفت إلى أن الدعم النفسي الذي تقدمه أسرة المتقاعد، يساعد على امتصاص التوتر، الذي يحل بالمتقاعد، وخصوصاً في المرحلة الانتقالية. والتخفيف من الآثار السلبية للتقاعد يتطلب أن يتفهم الشريك والأبناء أيضاً، طبيعة المرحلة وتغيراتها. ومن المفيد أن يظل يشعر بقيمته ومكانته بين أفراد أسرته، بالاعتماد على خبراته وتجاربه قدر المستطاع، واستشارته في الأمور المنزلية والقرارات الشخصية.
ويلاحظ البحث أن التقاعد المتدرج، أي خفض ساعات عمل الموظف تدريجاً، أمر ينعكس إيجاباً على نفسية الموظّف - المتبطّل. وتشير الباحثة إلى ضرورة أن يقتنع المتقاعد بأن التقاعد سنة الحياة الوظيفية، فهو أمر سيحلّ يوماً، على أي موظّف مهما علا مركزه أو صغر. لذا ينبغي ألاّ يكون التقاعد «شبحاً»، بل وسام شرف يبدأ بعده الإنسان حياة جديدة.
وتدل نتائج البحث على ضرورة أن تهتم الحكومات بالتوعية إلى شؤون التقاعد، لتغيير الفكرة السائدة عن المتقاعدين بأنهم أناس غير منتجين وهامشيين، ينتظرون مصيرهم. فتستبدلها بصورة أكثر إيجابية توضح إمكان الاستفادة من خبرات الذين أمضوا سنوات طوالا في العمل، وتلقي الضوء على خبراتهم في مؤتمرات وندوات. وتشدد نتائج البحث على أهمية وجود مؤسسات اجتماعية، يعمل فيها اختصاصيون مؤهلون لمساعدة الموظف، قبل سنوات من تقاعده، على الاستعداد لمرحلة التقاعد، من خلال تقديم النصح وعرض نماذج واقعية، في محاولة لإقناعه بأهمية التخطيط المبدئي لتقاعده، علّ ذلك يسهم في التخفيف من وطأة الفراغ والملل، والمخاوف بعد الخروج من الخدمة.

لينا الجودي

المصدر: الحياة

التعليقات

توعية المتقاعد هي أطرف فكرة و هي تبدو كثيراً كنصائح الدكتور فيل ! المتقاعد -الطبقة الوسطى و الدنيا- هو شخص او شخصة قد يكونوا عرضة للحياة بمعدل 25 سنة و هو رقم كافي لتحويل الموديل الأمريكي - جلسات التوعية- الى ورق محارم تواليت. إن أكبر جريمة يعيشها المواطن في بلاد مثل بلادنا هي خروجه الى التقاعد. فالنموذج الاقتصادي الوطني لا يحمل وعود حتى للعاملين و الشباب حتى يحملها للمتقاعدين. الحلول هي ابتكار أشكال انتاج تتناسب مع الأعمار المتقدمة لأن حاجة الانسان للعطاء ستبقى معه حتى يموت. و لا يمكن هدر 25 سنة في انتظار الموت. الغربيون ال>ين يعيشون نمط حياة أكثر فعالية لديهم فرص اوسع للتعاطي مع الوقت. القدرة المادية على السفر و على ابتكار أشكال انتاجية تؤسس لعلاقة صحية مع شمس الصباح و تكات الساعة على مدار النهار. في بلادنا كل شيء مشكلة و لا يمكن حل مشكلة التقاعد بلعب اليوغا. لأن الحاجة الحقيقية هي أن يبقى الانسان حياً و ليس ان يتمتع حيلاً لتقضية الوقت بانتظار موته.

العضو الذي لايعمل يضمر , هذه النظرية المألوفة وفي عقولنا كإسمنا معروفة , كثيرا مامررنا عليها مرور الكرام أي بسرعة , لكني لاأعرف إذا كانت مرور اللئام تعني ببطء , المهم أنّ حكومتنا تلقفتها بشهية صائم الدهر وأرمل الشهر وهي المشهود لها " بلاحسادة ياربي" أنها تحب النظريات أكثر مما تحب نفسها وعلامات ذلك ماجاء في الكتب القديمة أنه سيأتي يوم " تدبّق " فيه على النظريات " تدبيق " النحلات على قصعة العسل المغشوش فلاتتركها أو تحل عن سمانا عفوا سماها إلاّ وتكون جربتها على كامل الشعب السوري فردا فردا فتعتبر النظرية صحيحة في كل مرة تصح فيها التجربة وإلاّ فالعطل من المواطن , أما نظرية العضو الذي لايعمل يضمر ففيها بحسب " الحكومة النظرية " إنذار شديد للشعب السوري بالضمور , فلتقطع الكهرباء إذا لالشيء إلاّ للحشمة وليعمل الشعب في العتمة خوفا من الضمور ولايرى أحد مايعمل ,و الصباح رباح .. يا ماما بنتك حامل ويا أمو إبنك رجّال , أمّا من ليس قادر على ذلك وليس بالضرورة " يا عيب الشوم " فقد يكون جدا ولاداعي للأولاد بوجود الأحفاد , ليعمل في النهار كالحمار من الصباح حتى المساء دون إرتياح خوفا من الضمور والسكن بين الجماجم والقبور 0

على الرغم من اعجابي بتعليق (أيهم) إلا أنني لاأؤيد سخريته من موضوع التوعية للمتقاعدين.. صحيح أننا بلد يعاني الكثير من المشكلات لكن الاهتمام بالمشاكل الجزئية في بعض الأوقات قد لايتطلب الكثير من المصاريف المادية والمعنوية.. فلا ضير في بعض الوقات ان يقوم بلد كاليمن مثلا بانشاء برلمان للأطفال رغم ان برلمان الكبار لم ينضج بعد من الطائفية والقبلية. لماذا مثلا لايؤسس جمعيات خاصة بالمتقاعدين أو نوادي خاصة بهم تكون منسجمة مع أفكارهم وأعمارهم وتطلعاتهم.. أعتقد أن هذا ربما يكون حتى مشروعا فرديا خاصا ويمكن تحويله لمؤسسة ربحية يمكن تقديم الكثير من المساعدة في هذا المجال أما تأجيل المشاكل دائما بحجة أنه لدينا الكثير مما هو أهم منها فهذا خطأ كبير في ديناميكية التعامل مع الأخطاء والمشاكل المتعلقة بنا أتمنى أن أسمع رأي الأخ أيهم بفكرتي؟

ثمة عربة اسمها الرغبة , هي التي تحمل مجموعة بشرية او شخص او أشخاص الى فضاء الاحتمالات الممكنة. بغياب الرغبة تتساوى الاحتمالات كلهاو تكون محصلتها صفر. ما كنت أشير اليه هو فعل قياس. فإن كانت فئاتا الشباب و مشاكل البيئة الملحة و الشكل الاقتصادي الوطني كلها لم يتم الاتفاق على اسعافها . فلا اعتقد أن مشكلة المتقاعدين سيمكن حلها . إلا إن كنت تقصد حلاً انتقائياً مثل الروضات و المدارس النموذجية المحدودة و التي يفوق قسطها ال400 دولار شهرياً. كنت اتحدث عن موديل أو نموذج وطني- عام- . انظر مثلاً المقاه في سوريا و بسعر لفنجان القهوة مع زجاجة ماء و اكرامية تتجاوز ال3 دولار و هو ما يكلفه فنجان القهوة في سياتل . ليس المشكلة ان تفتتح نادي أو أن تفكر بدورة اعداد و لكن المشكلة هي أن عليك التفكير احصائياً و ليس انتقائياً. مصياف مدينة فقيرة اقتصادياً , نظر في حالها فاقاموا معسكراً للطلائع فيها و مدرسة عسكرية تحت شعار بث الروح بالمدينة المنعزلة. فكانت مصياف مدينة فقيرة و سعيدة و الآن مصياف مدينة كوسموبوليتانية الفقر! نفس الأمر بالنسبة للإرشاديات الزراعية و التي كانت غايتها ان تقدم خدمة مركزية- معرفية و تقنية- بعد تفكيك الملكيات فتحولت الى بالوعة استهلاك و فساد. ليس المشكلة بالتفكير بحلول و لكن المشكلة بالرغبة الحقيقية في البحث عن حل. و نحن نعيش في بلدنا و خبرتنا عتيدة بالنوايا.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...