رسام في الحدائق والساحات لإشاعة الفن بين عامة دمشق

19-08-2009

رسام في الحدائق والساحات لإشاعة الفن بين عامة دمشق

للوهلة الأولى يبدو أنس وهو جالس في مقعده في حديقة السبكي وسط دمشق يتأمل معالم المدينة ووجوه الناس ويصورها رسوماً على كراسه بأقلام الفحم، وكأنه واحد من الطلاب الذين حصلوا أخيراً على شهادة الثانوية العامة ويتحضرون للتقدم الى مسابقة كلية الهندسة المعمارية أو كلية الفنون الجميلة اللتين تضعان موهبة الرسم شرطاً أساسياً لقبول الطلاب فيها. فمن الشائع هذه الأيام أن تلحظ في دمشق كراسات الرسم بين أيدي بعض الشباب ممن يبحثون عن فرصة لاختبار قدراتهم بطريقة أخرى غير الدرجات والمعدل.

إلا أن الدافع الذي يقود أنس للرسم ساعات طوالاً في الحدائق ليس التمرن لاختبار كلية الفنون الجميلة فهو بطبيعة الحال على أبواب التخرج فيها، لكنه يحمل هدف « تشارك متعة الرسم مع الناس» كما يقول الشاب الذي يرسم لوحات ذات مواضيع مختلفة، بعضها يصور فيه زوار الحديقة ممن يستحوذ انتباههم وجود رسام في مكان عام، فحين يطلب زائر للحديقة من أنس أن يرسمه يبادر الشاب على الفور بوضع الخطوط الأولى للوحة يصور فيها « زبونه» ثم لا تلبث هذه اللوحة أن تستكمل تفاصيلها على يديه بسرعة ليقدمها مجاناً لصاحب الرسم.

وعلى رغم أن البعض يصر على أن يعطي أنس بعض المال لقاء عمله إلا أنه يرفض، موضحاً السبب بقوله: «هدفي ليس البحث عن المال، فأنا أرسم في الطريق والأماكن العامة لأجل المتعة، فهذا النشاط يقدم لي متعة أحتاجها لإرضاء ذاتي وفي الوقت نفسه أتقاسمها مع أناس تجذبهم فكرة الرسم في الهواء الطلق، بالفعل أنا استمتع بدافع الفضول الذي تخلقه حالة الرسم عند الناس، وبالجرأة التي يتطلبها مني مثل هذا النشاط للنزول إلى الشارع مدفوعاً برغبة خلق حالة اعتياد العامة على تلقي الفن في الشارع بعيداً من الصالات والمعارض التي ترتادها فئة النخبة».

إلا أن البعض قد يعتبر أن ممارسة هواية الرسم في مكان عام وأمام الناس سلوك يهدف الشاب من خلاله إلى لفت الأنظار إليه وعن ذلك يقول: «غايتي ليست لفت انتباه الناس إلي وإنما إلى العمل الذي أقدمه، إذ يمكنني أن ألفت أنظار المارة بقصة شعر غريبة أو شيء من هذا القبيل كما يفعل الكثير من الشباب هذه الأيام، لكنني اخترت محاولة شد انتباه الناس إلى أن الفن يمكن له أن يتواجد في أي مكان من حولهم».

وتتملك أنس الحمصي فكرة مستوحاة من دراسته الأكاديمية في شعبة التصوير الجداري في كلية الفنون الجميلة، إذ يحلم بمشروع يقوم على رسم لوحات جدراية في شوارع دمشق « تكون خالية من الرموز السياسية وتهدف فقط إلى ترك مساحات لونية بطريقة مدروسة تؤثر في نفسية المارة في شكل إيجابي» يقول الشاب الذي يستبعد أن تتحول فكرته إلى عمل جماعي ينفذ من طريق فريق، أو أن يبحث عن جهة ترعى نشاطه الفني، والسبب في ذلك من وجهة نظره أن «الفكرة طالما بقيت في حالة فردية تحافظ على خصوصيتها، بينما عندما تشترك فيها أطراف ثانية، فمن المحتمل أن تحد من هامش الحرية التي يتطلبها انجاز مثل هذا العمل» .

ويجد بعض المهتمين أن فكرة مشروع أنس قد تسهم في حال تطبيقها بمحاربة «التشوه البصري» الذي تعاني منه دمشق في أسلوب العمارة المتبع في الآونة الأخيرة، الذي جعل من المباني كتلاً إسمنتية جامدة لا ترقى إلى فن العمارة الدمشقية، كما يقول عامر مطر الصحافي في مجال الفن التشكيلي. ويرى مطر إن مشروع أنس الحمصي يعتمد على «إشاعة الفن بين الناس، وكسر الصورة النمطية للفن المحصور في الصالات». ويضيف: «اللوحة الفنية إن تواجدت في الشارع تلقي بأثرها الإيجابي على نفسية المارة وتخلق عيناً قادرة على تذوق الأعمال الفنية، أما إن بقي نتاج الفن التشكيلي محصوراً بحدود صالات العرض، فهذا سيجعله حكراً على جمهور محدود جداً، ويقتصر على المهتمين فقط».

لينا الجودي

المصدر: الحياة

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...