العنف الجنسي ضد الأطفال في سورية جرائم بلا شهود

15-04-2010

العنف الجنسي ضد الأطفال في سورية جرائم بلا شهود

أصل الحكاية تلك السكاكر الملونة المفضلة لدى سلمى بنت الأربع سنوات. أحمر وأصفر وأخضر، وألوان براقة أخرى تجعل عيني الطفلة ترقصان فرحاً. تركض بخطوات متعثرة صغيرة صغر قدميها إلى حضن عمها الذي اعتاد أن يدللها ويشتري لها حلواها المحببة. يمازحها ويخفي السكاكر في إحدى يديه. يخبئها في جيبه. ثم يعطيها واحدة. وما إن تتلذذ الطفلة بذلك الطعم الحلو على قلبها، حتى تتدلع لتحصل على البقية... وتبدأ هنا لعبة العم الثلاثيني. لعبة مختلفة كل الاختلاف عن لعبة سلمى. لعبة متعة. متعة جشعة وحشية... يوفرها جسد الطفلة النحيل البريء. ترضخ سلمى الصغيرة وتلعب مع عمها لعبة لذته التي لا تفهم منها شيئاً، تلعب على طريقته وتحت إلحاح لذة المكافأة التي تنتظرها!

حال سلمى كحال كثيرات وكثيرين من الأطفال الذين يعيشون تجارب تحرش جنسي وعنف جسدي يومياً، على يد أقرب المقربين. عنف مكتوم لا يسفر دائماً عن كدمات ظاهرة، بل يصيب تلك الأرواح البريئة، تاركاً ندوباً عميقة عصياً علاجها. ولأنها دفينة فهي نادراً ما تعامل بالحزم والعناية المطلوبين، إذ يضيع العنف الجنسي الممارس على أطفال كثر، بين العنف الجسدي الوحشي ذي الآثار الواضحة، وبين حالات الاغتصاب، من دون إعطاء الأهمية الواجبة لكثير من الحالات الواقعة بينهما، مثل التحرش والاعتداءات العاطفية والجنسية الأخرى والتي لها نتائج مأسوية مماثلة.

يعرّف العنف الجنسي، بحسب خبراء نفسيين، بأنه اعتداء جنسي مباشر، بما في ذلك الاعتداءات اللفظية والعاطفية التي تأخذ أشكالاً مختلفة، ككشف أعضاء الطفل التناسلية أو ملامستها، أو ملاطفة من نوع خاص، أو تعريض الطفل لصور وأفلام فاضحة، أو التلصص على الطفل ومراقبته وقت الاستحمام أو تبديل الملابس، أو إجباره على أعمال شائنة غير أخلاقية، مثل التلفظ بكلمات نابية، وانتهاء باغتصاب الطفل جنسياًً. ويشمل العنف الجنسي أيضاً محاولة الاغتصاب والإساءة الجنسية والاستغلال الجنسي.

ويظهر التقرير الوطني لعام 2008 حول سوء معاملة الأطفال في سورية أن نحو 19.4 في المئة من الأطفال هم ضحايا عنف جنسي، يبدأ بالإساءة اللفظية وينتهي بسلوك جنسي صريح مع الطفل. إلا أنه لم يتم التوصل إلى نسب محددة في هذا الشأن، اذ يلفت التقرير إلى أن دراسة العنف الجنسي عند الأطفال، تُعتبر إشكالية كبيرة بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية وصعوبة الحصول على المعلومات من الأطفال وغيرهم.

نعم، تمتاز معظم حالات العنف الجنسي بأنها تبقى طي الكتمان، إذ، وبحسب اختصاصيين في علم النفس، غالباً ما يتمزق الطفل - الضحية بين تهديد الجاني وشعوره بالذنب والخجل والعار، فيكبت ألمه وضياعه ويعيش المعاناة صامتاً بينما تتآكل معنوياته وينخفض مستوى نشاطه رويداً رويداً!

الجاني حر إذا وافقت الضحية

وتشير سجلات العيادات الطبية إلى أن معظم حالات العنف الجنسي تمارس من قبل أحد أفراد العائلة كالأب أو العم أو غيرهما من أولئك الذين يعينهم القانون حُماةً على الطفل القاصر. ولكن، ولدرء الفضيحة، غالباً ما تلجأ الأسرة أو بالأحرى الأوصياء وهم الأصول من الذكور، الذين يملكون حق الادعاء نيابة عن القاصر أمام القضاء «للـفلـفة الـمـوضـوع»، وسحب الادعاء على الجاني، بخاصة إذا كان من لحمهم ودمهم، وذلك لتجنب تعريض سمعة الطفل والعائلة للخطر!

من حين إلى آخر، يتسرب إلى الإعلام بعض من فضائح هذه الأسرار، فهناك من وقعت ضحية عنف جنسي على والدها، وهناك من أجبره عمه على ممارسة الفحشاء، وثالث أغراه زميل له بممارسة أفعال منافية للحشمة.

ويعالج قانون العقوبات السوري هذه الحالات ضمن باب الجرائم المخلّة بالآداب العامة فيفرض عقوبة الأشغال الشاقة الموقتة على كل من جامع قاصراً دون سن الخامسة عشرة، ولا تنقص العقوبة عن 15 سنةً إذا كان الولد دون 12 سنة، وتشدد العقوبة إذا كان الفاعل أحد الأقارب من الأصول أو أحد أولئك الذين لهم له سلطة شرعية أو فعلية على القاصر. ويفرض القانون السوري ذاته العقوبة على كل من ارتكب بحق القاصر فعلاً منافياً للحشمة. ويتجه الاجتهاد القضائي اتجاهات مختلفة في تعريف الفعل المنافي للحشمة والتمييز بينه وبين التحرش، بينما يعاقب القانون بصرامة حالات الاغتصاب والفحشاء أو العنف الجنسي الواضح الملموس، ويتساهل في حالات العنف الجنسي الأخرى الأخف وفي شكل خاص التحرش الجنسي. فالمادة 505 تنص على «معاقبة من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء قاصراً دون الخامسة عشرة، ذكراً كان أم أنثى أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمسة عشرة سنةً من دون رضاهما، بالحبس مدة لا تتجاوز سنة ونصف السنة. وتنص المادة 506 على معاقبة من عرض على قاصر دون الخامسة عشرة أو على فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة، عملاً منافياً للحياء، أو وجه إلى أحدهم كلاماً مخلاً بالحشمة، بالحبس التكديري ثلاثة أيام أو بغرامة لا تزيد على خمسة وسبعين ليرة، أو بالعقوبتين معاً».

الحبس مدة لا تتجاوز سنة ونصف السنة، والحبس التكديري ثلاثة أيام، وغرامة خمسة وسبعون ليرة، عقوبات خجولة لا تمت بصلة لجدية آثار مثل هذا العنف الخبيث على أجيال المستقبل، فضلاً عن غياب تعريف واضح للعنف الجنسي أو للتحرش الجنسي في القانون السوري.

وتعتد مواد قانون العقوبات برضا القاصر كدرء للعقوبة، كما هو واضح في المادة 505، فهل يعقل أن يعفى الجاني من الجرم إذا ما مارس التحرش الجنسي برضا القاصر؟ وهل من المنطق أن يرضى القاصر بأهليته غير المكتملة شرعاً وقانوناً بأن يرضخ للتحرش، بينما تمنعه أهليته الناقصة نفسها من الادعاء على الجاني؟ وكم ستصبح عملية إثبات جريمة التحرش 1271168670014451800.jpg الجنسي أصعب إذا ما واجهها ادعاء مضاد فحواه أنها تمت برضا القاصر - الضحية؟ أسئلة عديدة يطرحها هذا التناقض الذي تحمله المظلة القانونية في سورية والتي وعلى رغم أنها حرصت في كثير من الحالات على تشديد العقوبات المرتكبة بحق قاصر، تراخت في حالات حرجة أخرى، واعتدت برضا قاصر للإعفاء من عقوبة جرم كالتحرش الجنسي!

يشار إلى أن سورية، ومنذ عام 1993، صادقت على اتفاق حقوق الطفل يؤكد في المادة 34 منه أن «تتعهد الدول الأطراف بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي». وتشدد المادة (19) من الاتفاق على ضرورة حماية الطفل من كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على الإهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الاساءة الجنسية.

بيسان البني

المصدر: الحياة

التعليقات

ليست هوايتي ان أكون مشاكساً و لكن يستفذني كل تأسيس انشائي في محاولة لقنونة تحد من الطبيعة أو تعيد رسمها. فمثلاً لم أفهم كل المقطع الذي يتحدث عن الجرح الذي لا يندمل في نفسية الطفل الذي تاعبه ثلاثينية أو يداعبها ثلاثيني!!!!! هذا كلام أدبي يسقط على الطفل و لا يشكل أي معنى في معظم الأمثلة المساقة. يصدف أننا في مجال العمل نختلط بأطفال و يصدف أني لا أتحملهم و لكن يصدف أيضاً ان الطفل يميل الى العب و الاحتكاك الجسدي و لا تنضج العلاقة بالنسبة له او لها إلا بالعض و التقبيل و الاحتضان. و من المضحك ان أية فتاة تستطيع ان تبقى مع الأطفال أو تلاعبهم في حين يشعر أي رجل اليوم بالحرج من التقرب من الطفل الذي يصر على اللعب معه. و السبب هو كل هذه البارانويا الاجتماعية. من في العالم لم يتعرض الى احتكاك مبالغ فيه في طفولته ؟؟؟؟ ليس في بلادنا بل في أي مكان؟؟؟ الأطفال أنفسهم يذهبون بعيداً في اكتشاف أجسادهم. و ما يترك أثراُ عميقاُ في الطفل سيترك أثره في البالغ الذي تهان كرامته في كل الأشكال. أقصد أنها الحياة و محاولة قنونتها الى حد الهيستيريا يصبح مشكلة. في أمريكا أقام مخبر تصوير دعوى قضائية على أحد زبائنه باسم الحق العام لأنهم ضمن الصور التي في أفلامهم كانوا صورا أولادهم عراة. مثل هذه الصور تملأ ألبوماتنا. و لكن تحويل الوالدين الى مجرمين يحطان من كرامة الطفل هو أمر يصل الى حد الدناءة القانونية في احتقار الانسان أمام سلطة التشريع. البارحة خرجت أصوات من اجل حقوق المثليين و لكن الا يستدعي هذا منح البيدوفيل حقوقهم أيضاً و إعادة البحث في مسألة الجنس من أساسها ؟ حتى و لو ادعى أحدهم ان الطفل لا يملك خيار الراشد في العلاقة. الحملات الاعلانية التي تقوم على فكرة تحرير صورة المرأة من الاعلان التجاري و هوس الذكر بجسدها تجعل من كل صور النساء أيقونة جنسية لمتعة الذكر. و الحقيقة الأكثر صواباً هي أن الاعلانات التي تستخدم الأطفال تسعى الى تقديمهم وفق آلية انتاج بيدوفيلي. أنا لا اعرف إن كان انتاج كل تلك الساقطات و الساقطين الممتلئين أنانية في الغرب يثبت بأي شكل أن هذه القوانين تنتج انساناً طبيعياً. المشكلة أن كل تشريعاتنا و ارتكاساتنا سياحية تقوم على مشاهدة العالم بشكل سطحي. حتى اليوم لا أفهم ما المرجعية القانونية لتحول الانسان من فرد قاصر الى فرد مكلف بمجرد إطفاء شمعة ال18 . هذه هرطقة تسمح لي بالسخرية من القانون . و كيف ستحمي الدولة الطفل من امرأة تنظر الى عضوه التناسلي من ثقب الباب ؟؟؟ تسد الثقب أم تأمر بعزل المرأة ؟ تحديث الانسان يكون بالاعتراف بأنه انسان و ليس بتحويله الى عصابي أو بارانويك.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...