تداعيات القرار الظني على الساحتين اللبنانية والسورية
الجمل: تحدث المدعي العام اللبناني سعيد ميرزا بالأمس مؤكداً بأنه استلم قرار المحكمة الدولية الظني الأولي المتعلق بعملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وفي هذا الخصوص تشير المعطيات الجارية إلى أن قرار المحكمة الدولية الظني سوف تترتب عليه المزيد من التداعيات الداخلية والإقليمية والدولية؛ فما هي أبرز هذه التداعيات، بالنسبة للبنان، وبالنسبة لسوريا، وبالنسبة للعلاقات السورية ـ اللبنانية وأيضاً بالنسبة للتوازنات الشرق أوسطية والدولية الأخرى؟
* محكمة لبنان الدولية: توصيف المعلومات الجارية
أدى قيام محكمة لبنان الدولية بتسليم السلطات اللبنانية القرار الظني الاتهامي إلى إثارة سيل عارم من التقارير والتصريحات والتحليلات السياسية، وفي هذا الخصوص يمكن رصد الآتي:
• فجوة سرية القرار: أكد المدعي العام اللبناني سعيد ميرزا بأنه لن يفصح عن محتوى القرار الظني الذي تسلمه بشكل سري مغلق، وبرغم ذلك، فقد أكدت المعلومات بأن مصداقية سرية القرار لم تعد موجودة، لأن مضمون القرار قد تداولته كبريات الصحف الأمريكية والأوروبية الغربية، إضافة إلى قيام رئيس الأركان الإسرائيلي السابق الجنرال غابي أشكينازي بالحديث عن مضمون القرار قبل حوالي أكثر من عام، الأمر الذي يشكل نقطة ضعف خطيرة في مصداقية محكمة لبنان الدولية.
• فجوة التوقيت: تقول التسريبات والمعلومات، بأن هذا القرر كان جاهزاً منذ أكثر من عام، ولكن تم إرجاء تسليمه، وذلك من أجل دعم جهود حكومة رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، بما يتيح توطيد نفوذه، ونفوذ حلفاء واشنطن اللبنانيين، إضافة إلى تعزيز قدرته في ترويض قوى المعارضة اللبنانية، والآن، وبعد خروج حكومة الحريري الموالية لواشنطن، وصعود حكومة المقاومة اللبنانية، قامت المحكمة الدولية بتسليم القرار الظني للحكومة اللبنانية الجديدة، ولجهة علاقة هذه الحكومة الوثيقة الصلة بدمشق، فإن توقيت تقديم القرار هو أمر يعكس في حد ذاته نقطة ضعف ثانية في مصداقية محكمة لبنان الدولية.
• فجوة الإجراءات: من المفروض أن تتم معاملات بيروت عبر مؤسسة الرئاسة اللبنانية، ولكن رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، استغل غياب رئيس الجمهورية وقام بتحويل الملف إلى مجلس الأمن الدولي، متخطياً البنود الدستورية، ودون الحصول على أي تفويض شرعي يخول له القيام بذلك، وبالتالي، فإن عملية تحويل الملف إلى مجلس الأمن الدولي تشكل انتهاكاً واضحاً للدستور اللبناني، الأمر الذي يعكس في حد ذاته نقطعة ضعف ثالثة في مصداقية عمل محكمة لبنان الدولية.
• فجوة الثقة: بدأت الإجراءات بالتحقيق الذي سعى المحقق الدولي اليهودي الألماني ديتليف ميليس لجهة القيام به، ولكن تحت ضغوط فضيحة تعمده استخدام شهود الزور من أجل القيام بفبركة وتركيب الأدلة، فقد استقال ميليس، والذي حل محله البلجيكي سيرجي براميرتز، والذي تم استبداله لاحقاً بالمحقق الدولي الكندي دانييل بلمار، وتقول المعلومات والتقارير بأن عملية استبدال المحققين الدوليين، لم تكن تستند على أسباب منطقية، وفقط كانت تتم بحسب النوايا الأمريكية ـ الإسرائيلية المدعومة بواسطة حلفاء واشنطن اللبنانيين لجهة الاستخدام والتوظيف السياسي لفعاليات عمل المحكمة الدولية، الأمر الذي يعكس في حد ذاته نقطة ضعف رابعة في مصداقية عمل محكمة لبنان الدولية.
هذا، وبرغم المزاعم الأمريكية واللبنانية الحليفة لواشنطن إزاء ضرورة التعامل بثقة لجهة التعاون مع فعاليات محكمة لبنان الدولية، فإن الأغلبية العظمى اللبنانية، إضافة إلى إدراك الرأي العام الإقليمي الشرق أوسطي والدولي بأن محكمة لبنان الدولية هي مجرد مشروع يهدف إلى استهداف خصوم إسرائيل اللبنانيين، وحلفاءهم في المنطقة وعلى وجه الخصوص سوريا وإيران.
* الفعاليات الإجرائية المطلوبة بعد تسلم القرار الظني
تقول التقارير والمعلومات، بأن الإجراءات المطلوب من اللبنانيين القيام بها هي:
• أن تقوم الحكومة اللبنانية بإكمال الخطوات الإجرائية القانونية على وجه السرعة بما يحقق التعاون المطلوب مع المحكمة الدولية، وفي هذا الخصوص فقد سعى المدعي العام اللبناني إلى تسليم الرئيس اللبناني نجيب ميقاتي القرار الظني.
• على السلطات اللبنانية العمل خلال فترة 30 يوماً لتنفيذ محتوى القرار الظني.
• بعد اكتمال الـ30 يوماً على السلطات اللبنانية إخطار المحكمة الدولية بشكل رسمي حول جهود بيروت إزاء الالتزام بتنفيذ محتوى القرار الظني.
هذا، وتقول المعلومات والتسريبات، بأن ما هو معروف يتمثل في أن القرار الظني يوجه الاتهام بحق أربعة لبنانيين ينتمون إلى حزب الله اللبناني. ولما كان حزب الله قد أعلن رسمياً عدم استعداده ـ مهما كان الثمن ـ السماح بتسليم أي من أعضائه أو حتى أنصاره إلى المحكمة الدولية المشكوك في مصداقيتها، فمن المتوقع أن تحدث أزمة كبرى داخل وخارج لبنان حول ملف القرار الظني، على أساس الاعتبارات الإجرائية التفصيلية، فإن نظام عمل المحكمة الدولية يلزم السلطات اللبنانية لجهة القيام بعملية الاعتقال الفوري للمطلوبين وتسليمهم فوراً للمحكمة الدولية، وفي حالة تعذر ذلك، فإنه يتوجب على السلطان اللبنانية نشر صور وأسماء المطلوبين في أجهزة التلفزيون والصحف اللبنانية. إضافة إلى طلب المساعدة الدولية في حالة وجود أي مطلوب خارج نطاق السيطرة اللبنانية، هذا، وما هو مثير للاهتمام يتمثل في أن للمحكمة الدولية حق إصدار الأحكام الغيابية في حق المتهمين الذين يتعذر القبض عليهم وتسليمهم للمحكمة الدولية.
* الأبعاد غير المعلنة: استهداف سوريا عبر البوابة اللبنانية
تشير المعطيات الجارية إلى أن قيام المحكمة الدولية بتسليم القرار الظني الاتهامي رسمياً للسلطات اللبنانية، هو أمر يعكس في حد ذاته المزيد من الأبعاد غير المعلنة لجهة التأكيد كلياً أو جزئياص على تطورات الأحداث والوقائع الجارية في المنطقة، وفي هذا الخصوص، فإن تسليم القرار الظني يمكن النظر إليه باعتباره صدمة سوف تؤدي إلى انتشار المزيد من الصدمات الداخلية والإقليمية والدولية، الفرعية التي سوف تنشأ بفعل التداعيات، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر يمكن الإشارة إلى الآتي:
• الصدمات على المستوى السياسي اللبناني: وسوف تتمثل في الآتي:
ـ زعزعة استقرار الحكومة اللبنانية الجديدة.
ـ زعزعة استقرار مجلس النواب اللبناني.
ـ زعزعة خارطة الشارع السياسي اللبناني.
• الصدمات على المستوى السياسي السوري، ويمكن أن تتمثل في الآتي:
ـ إضعاف حلفاء دمشق اللبنانيين.
ـ حدوث الفوضى السياسية اللبنانية سوف يتيح لخصوم دمشق القيام بتنفيذ المزيد من عمليات استهداف دمشق عبر الساحة اللبنانية.
هذا، وما هو أكثر خطورة يمكن أن يتمثل في الآتي:
• حتى الآن لا يوجد ما يشير إلى احتمالات وجود بعض الأسماء السورية في ورقة القرار الظني، ولكن، إذا سعت بعض الأيادي الخفية الدولية لجهة إضافة بعض الأسماء السورية في اللحظة الأخيرة ـ وهو أمر ممكن ـ فإن التداعيات المباشرة سوف تكون أكثر خطورة.
• من المحتمل أن يسعى خصوم دمشق لجهة البدء أولاً بإدراج أسماء المطلوبين اللبنانيين، ولاحقاً على خلفية فعاليات المحكمة الإجرائية، تتم عملية تزوير وتحايل واسعة النطاق بما يتيح الزج ببعض الأسماء السورية المستهدفة، وهو أمر شديد الاحتمال لأن محكمة لبنان الدولية قد تم إنشاءها بالأساس من أجل استهداف دمشق ولس من أجل استهداف قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
سيناريو التفاعلات السياسية اللبنانية القادم سوف يتغلب عليه طابع سيناريو الصراع المتصاعد، وبحسب التطورات والوقائع التي حدثت مساء الأمس وصباح اليوم، فقد بدا المسرح السياسي اللبناني، وهو يدخل ضمن نفق الاصطفافات الحادة القائمة على خلفية الاستقطابات الصراعية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• إعلان تيار المستقبل (الحريري) والكتائب (الجميل) والقوات اللبنانية (جعجع) عن دعم ضرورة قيام السلطات اللبنانية بالتعاون مع جهود المحكمة الدولية.
• إعلان حزب الله اللبناني وحلفاءه عن رفضهم التام المطلق لأي تعاون مع المحكمة الدولية.
ولكن، على أساس اعتبارات المسؤولية الرسمية، فإن الحكومة اللبنانية الجديدة سوف تكون هي المعنية بتنفيذ قرار المحكمة الدولية الظني، وبالتالي، فإن عدم قيام هذه الحكومة بالتعاون مع المحكمة الدولية سوف تنظر إليه الأطراف الدولية، وعلى وجه الخصوص أطراف مثلث (واشنطن ـ باريس ـ لندن) باعتباره انتهاكاً للقرارات الدولية وللشرعية الدولية، الأمر الذي يمكن أن تستغله هذه الأطراف لجهة استخدام المجتمع الدولي في استهداف الحكومة اللبنانية الجديدة بالمزيد من العقوبات الدولية المتعددة الأطراف. وإضافة لذلك حتى إذا سقطت هذه الحكومة وجاءت بدلاً عنها حكومة حلفاء أمريكا اللبنانيين، فإن أي محاولة لجهة إنفاذ القرار الدولي الظني سوف تقابل بالمقاومة الشديدة بما يمكن أن يدفع لبنان باتجاه الحرب الأهلية الثالثة، وبكلمات أخرى، فقد أصبح الخيار المتاح أمام بيروت هو الوقوف إلى جانب الامتناع عن التعاون مع المحكمة الدولية والتكتل لجهة مواجهة الاستهداف الخارجي، أو القبول بخيار التعامل مع المحكمة بما يؤدي إلى نفق الحرب الأهلية السريعة الاشتعال. وبالنسبة لسوريا، فإن عليها ترتيب الأمور لجهة احتمالات المواجهة مع فعاليات هذه المحكمة، سواء في المرحلة الحالية أو المراحل اللاحقة.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد