«المفقودون» أكثر مفردات الحرب السورية قسوة

13-06-2015

«المفقودون» أكثر مفردات الحرب السورية قسوة

أشهر مضت على الغياب، والقلب معلّق باتصال جاء بعد طول قهر: «علي استشهد منذ خمسة أشهر، ولا حاجة للتواصل مع الجماعة بعد الآن».
كانت هذه كلمات مخطوف محرر شهد عملية قتل الشاب ودفنه بيديه. اختُطف علي. ص، نهاية العام 2012 من مكان عمله في مرملّة في حي جوبر في دمشق. فقد الشاب، إلى حين اتصل الخاطفون بذويه طالبين مبلغ خمسة ملايين ليرة سورية فديةً لحياته. نزل المبلغ بعد عدة اتصالات إلى ثلاثة ملايين ليرة، لكن العائلة لم تكن تملك هذا المبلغ، ما أطال عمر المفاوضات الهاتفية بين الطرفين إلى ما يقارب السنة، ثم انقطعت بعد دخول الجيش السوري إلى حي جوبر مطلع العام 2013، وحرر عدداً من المختطفين في الحيّ، لكن علي لم يكن بينهم.
وبحسب رواية الشاهد الناجي، فإن الخاطفين نقلوهم إبان دخول القوات السورية حي جوبر إلى نواحي قرية كفربطنا جنوب العاصمة، وهم بالعشرات (مدنيون، جنود، نساء وأطفال). هناك حيث التعذيب هو اللغة الوحيدة التي يتكلّم بها «الجلاد»، وإن كان هناك من ناجين، فهم إما مرضى أو مشوهون أو معوقون، أما من تبقى فنهارهم حفر وليلهم قبر!
لعلّ أكثر المفردات قسوةً في الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من أربع سنوات هي «مفقود»، أو «مجهول المصير». وبمعزل عن ضحايا المعارك والعمليات العسكرية، فقد سُجلت عشرات آلاف حالات الخطف خلال سنوات الحرب، منها جماعية، كما حصل في مدينة عدرا العمالية (اقتحمها المسلحون في 11 كانون الاول العام 2013)، ومنها حالات فردية متعددة الأسباب والدوافع، غير مرتبطة بالضرورة بأسباب الحرب ذاتها، كون مناخ البلد المتوتر أمنياً يهيئ تربة خصبة لتجارة الخطف والابتزاز، ويبيح محظورات تستنزف قدرة الناس على تحمل مشقتها. فهناك من باع منزلاً ليحرر مخطوفاً له، أو استدان المال ليستلم «جثة»، وهناك من جمع له المعارف والأصدقاء فديةً، لكنه وقع فريسةً لعملية نصب.
من وجهة نظر الصحافي الميداني في دمشق ماهر المونّس، فإن موضوع الخطف في سوريا شائك ومعقّد كغيره من المواضيع، ولا يمكن تبسيطه، لمسألة أن الاختطاف يقتصر على المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، فقد حدثت أيضا عشرات حالات الاختطاف في مناطق سيطرة الدولة السورية.
ويمكن تقسيم الأمر زمانياً ومكانياً، فالحالة في العام 2011 تختلف عن الآن، والخطف في مدينة حمص يختلف عنه في دمشق. وبحسب الإحصاءات والمشاهدات، فإنّ حمص تتصدّر المدن التي تضم مغيّبين أو مفقودين، يليها ريف دمشق، وحتى الآن هناك آلاف الأشخاص الذين «انقطعت أخبارهم» أو من هم بحكم الموتى، لكن لا دليل على ذلك، ولا جثّة أو عزاء. أما عن أسباب الخطف، فيصفها ماهر «بالمتنوعة، وتختلف أيضا باختلاف الزمان والمكان. الأسباب الأولية للخطف كانت طائفية أو سياسيّة، ثم جاءت أنواع أخرى، بغية التبادل، أو الابتزاز المادي، والنوع الأخير يحصل أكثر في مناطق سيطرة الدولة السورية، أما الأنواع الثلاثة الأولى (السياسية، الطائفية، التبادل) فتحدث في مناطق التماس أو المناطق الساخنة».
ويرى ماهر أن «استغلال بعض الثغرات الأمنية شجّع عصابات من نوع آخر على القيام بعمليات خطف داخل مناطق سيطرة الدولة بدافع الابتزاز الماديّ، حيث شهدت البلاد نشاطاً لبعض العصابات، التي تقوم بعمليات خطف من دون النظر لهويّة المخطوف السياسية أو الدينية، وغالباً ما تنتهي هذه المساعي بالمفاوضات والوصول إلى اتفاق للإفراج عنه، وفي الوقت ذاته هناك عصابات نصب، قد تأخذ المال ثم تقتل المخطوف، وبحكم طبيعة عملي أعرف أكثر من خمس قصص من هذه النماذج، إحداها كانت في منطقة المليحة في ريف دمشق، والثانية في برزة شمال العاصمة، والثالثة في أحد أحياء مدينة حمص والعديد من الحالات المشابهة في أرياف إدلب وحلب».
وفي آخر تصريح لوزير شؤون المصالحة الوطنية علي حيدر يقول «لدينا أسماء نحو 16 ألف مفقود من جميع المناطق» أُبلغ ذووهم عن فقدانهم، لكن هذا العدد لا يشمل المعتقلين والمختطفين، وربما أشخاصاً توفوّا خلال سنوات الأزمة من دون إثبات وفاتهم، ما يعني أن لا إحصائيات دقيقة بشأن المختطفين أو حتى معلومات عن مصير هؤلاء.
ويجب ألّا نغفل حقيقة أن بعض الأهالي قد لا يعلمون السلطات الرسمية بخطف أبنائهم خوفاً على حياتهم، كما حصل مع محمد، الذي اختفى مع ابن خاله من منطقة المزة وهم من سكان مدينة المعضمية غرب دمشق، ليُبلّغ أهلهم بعد عدة أيام، عبر جوالات المختطفين، أن عليهم دفع مبلغ مليون ليرة سورية مقابل حياة الشابين، لكن وجهاء المعضمية تمكنوا من تحريرهما بعد شهر تقريباً عبر مفاوضات شخصية من دون تدخل جهات أخرى، ليتبين في ما بعد أن الشابين كانا في منطقة معربا (قرية في مدينة التل بدمشق) وأنهما لم يكونا وحيدين، فبالرغم من حجب الرؤية عنهما إلا أنهما سمعا أصوات مختطفين غيرهم في المكان، منهم نساء.
الفقد، الخطف، الابتزاز، الحجز القسري، التعذيب، سجون العصابات، كلها مفردات أُضيفت إلى قاموس ألم السوريين. مصائر مجهولة وبورصة أرقام غير مستقرة تؤرق عيون آلاف العائلات، ولا تزال الحرب تأكلنا.

سناء علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...