«عيد الحب» في دمشق: ترف أم تحدٍّ للموت؟

14-02-2015

«عيد الحب» في دمشق: ترف أم تحدٍّ للموت؟

يبدو الحديث عن «عيد الحب» في دمشق وسط كل ما يجري ترفا مبالغا فيه، إلا أن هذا اللون الأحمر المنتشر فوق واجهات معظم محلات أسواق العاصمة السورية، يشعرك بأن المدينة تطالب بنصيبها من العشق الذي كانت ولا تزال مدرسة له.
المدينة التي تشعر أنها تخبئ خلف جدرانها العتيقة عاشقة خجولة ترفض أن تموت، لكن هذا لا يلغي الحقيقة التجارية والاستهلاكية بما تحمله أسعار «هدايا الفالنتاين» لليوم.
وبالرغم مما تعانيه أسواق المدينة من تضخّم في الأسعار، وتراجع للحركة الاقتصادية بسبب الغلاء، إلّا أنّ ذلك لم يحل دون أن تنشط تجارة هدايا الحب على اختلاف أشكالها وأحجامها وأصنافها.
«الحب ضرورة من ضرورات الحياة» تقول ليلى بعدما اختارت هدية شريكها، وهي ترى أن لا مشكلة في الاحتفال بعيد الحب طالما أن الموت يحاصر أيامنا طيلة الوقت.
وتسأل الطالبة الجامعية: «ألا يبدو الأمر باعثاً على الأمل قليلاً؟ ما الخطأ في هدية لطيفة وبضع كلمات عذبة في وقت ننام فيه على أصوات الاشتباكات ونصحو على ضحايا القذائف».
وتضيف «كل ما حولنا بهت وتحوّل إلى ما يشبه الكابوس.. أتمنى لو يتوقف الجميع عن القتل في هذا اليوم ليتذكر أن الحبّ أجمل، أتمنى فعلاً لو كان باستطاعتنا أن نرفع شعاراً ندعو فيه إلى الحب. نحن الذين علمنا العالم مفردات العشق».
أما عبدالله فيرى أن الحب ليس في حاجة إلى عيد.
ومن وجهة نظره فإن مجتمعاتنا استوردت هذه المناسبات من الغرب كتقليد أعمى، وأصبحنا نمارس طقوسها على سبيل «البروظة»، كما نقول بالعامية، وفقط للتباهي بما أهدى كل شخص لشريكه في يوم الفالنتاين.
ويضيف عبدالله، وهو من سكان العاصمة دمشق، «أرى أننا بدأنا نفتقد الحب الحقيقي في حياتنا، لكني أضطررت إلى شراء هدية عيد الحب حتى نمشي مع السوق!».
حتى أن «فالنتاين»، القسيس الذي عاش قبل نحو ألفي عام، لم يكن هو صاحب العيد بحسب ما تقول الروايات، فالرومان الوثنيون كانوا يحتفلون بعيد الحب حتى قبل أن يعتنقوا المسيحية، قبل ما يزيد على سبعة عشر قرناً، وكانوا يعبرون بهذا العيد على الحب الإلهي «لوبيركليا»، واستمروا في الاحتفال به بعد اعتناقهم المسيحية، إلا أنهم نقلوه من مفهومه الوثني (الحب الإلهي) إلى مفهومه الحالي المعبر عن شهداء الحب، ومن أبرزهم القديس فالنتاين، الذي يأتي تخليداً لذكراه، بعدما ظل رمزاً للعشاق وشفيعاً لهم وراعيا لمشاعرهم.
دمشق التي فتحت الحرب أبوابها السبعة على يوميات متشابهة في التوتر والترقب والخوف، تركت باب يوم الرابع عشر من شباط موارباً، لعلّ الحب يجد له ركناً خالياً وسط كل هذا الدمار.
وحده الحبّ سيكسر رأس الحرب.
مشهدٌ سوريالي متناهٍ في التناقض. الطقس العاصف، تهديدات ووعود قادة المسلحين بقصف دمشق بالصواريخ، أصوات الاشتباكات وصدى المعارك الدائرة والمستمرة على أطراف العاصمة... كلها لم تمنع الدمشقيين من الاحتفاء «بالفالنتاين» ولو بخجل.
ستفاجئك دمشق دائماً بقدرتها على احتضان كل تلك التناقضات وصهرها بلون واحد في يوم عيد الحب.

سناء علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...