«مؤتمر بغداد» اللبناني

10-03-2007

«مؤتمر بغداد» اللبناني

الرئيس سليم الحص طرح السؤال يوم الخميس الفائت في عمان, والسؤال كان: ما الذي سيجري في لبنان وفلسطين بعد انتهاء مؤتمر بغداد؟وفي اشارة مباشرة الى مؤتمر اسطنبول الذي سيعقد مباشرة بعد انتهاء لقاءات بغداد, عرض الحص تصوراً خلاصته أن قوة اسلامية تشارك فيها سوريا وتركيا وايران €على غرار قوات الردع العربية التي دخلت لبنان في العام 1976€ قد تكون المدخل الى الحل في العراق لأن واشنطن لن تهتدي الى الحل لا في المدى القريب ولا في المدى البعيد.
وماذا عن لبنان؟
بعد خروج سوريا ­ والكلام دائماً للحص­ بات لبنان بصورة كاملة تحت المظلة الاميركية, وبات اسم رئيس وزرائه €لأول مرة منذ استقلاله€ على لسان الرئيس الأميركي وكبار مسؤولي الادارة الاميركية «وهذا الشرف لم يحصل لي طوال السنوات العشر التي كنت فيها رئيساً للحكومة ولا حصل للشهيد رفيق الحريري».
لماذا؟
لأن الادارة الأميركية تحتاج الى لبنان لممارسة الضغط على المنطقة, كما أن اسرائيل لن تسمح للولايات المتحدة بأن تتخلى عن لبنان كساحة لممارسة هذه الضغوط.
هذا الكلام, ولو في سياق محاضرة, أشبه بوضع الإصبع على الجرح, الجرح اللبناني وجروح المنطقة. وأهمية الحركة التي يقوم بها الحص في هذه المرحلة ليست في أنها تقدم حلولاً قابلة للتنفيذ, بل في أنها تضيء الجوانب المبهمة او الضبابية في الأزمة اللبنانية ­ الاقليمية المتشابكة الخيوط التي تبدأ بالجنوب اللبناني ولا تنتهي في الجنوب العراقي. والدليل أن جورج بوش نفسه قال قبل أيام ان «الفشل في العراق سوف ينعكس على المنطقة بأسرها» أي المنطقة التي تمتد من لبنان حتى خراسان والتي تعاني من هشاشة تركيبتها القبلية والاجتماعية والمذهبية والعنصرية القابلة للاختراق والاحتراق في أي لحظة.
بهذا المعنى يبدو «مؤتمر بغداد» لبنانيا بقدر ما هو فلسطيني, وعراقيا بقدر ما هو ايراني, وهو سوري­ تركي أيضاً, وسعودي الى حد كبير إذا افترضنا أن أمن دول الجوار جزء من الأمن العراقي, وأن «الفوضى البناءة» في العراق تصلح «علاجاً» أميركياً لكل دول المنطقة.
ودور الطاووس الذي تلعبه كوندوليزا رايس في المؤتمر هو نفسه الدور الذي تلعبه على امتداد المنطقة, والحشد العربي والدولي في اللقاء سوف يشكل على الارجح مظلة امنية بديلة بعد سنوات الاحتلال الأربع عندما يحين موعد الانسحاب الأميركي من بلاد الرافدين.
يبقى سؤال: ما هي حدود الدور العربي في العراق؟
الجواب جوابان: الأول أن الجامعة العربية فشلت حتى الآن في منع الغزو الأميركي, ثم فشلت في منع الاقتتال الداخلي كما فشلت في تأمين الحد الأدنى من المصالحة العراقية ­ العراقية؟
والجواب الثاني هو أن حظوظ الاطراف العربية في القيام بدور مؤثر في العراق متفاوتة, تحكمها عوامل التاريخ والجغرافيا, ودرجة التعاون والتنافر مع الولايات المتحدة, ومدى قبول العرب الآخرين أو رفضهم لهذا الدور. لكن هذا لا يمنع سوريا من المراهنة على «تغيير ما» في الداخل الأميركي أو في سياسة أميركا الخارجية, وهي تعتبر إعادة الوصل الأميركي الخجول مع دمشق, مؤشراً واضحاً على هذا التغيير.
والاتجاه الأميركي العام في المرحلة الأخيرة يحمل على الاعتقاد بأن علاقة واشنطن بدمشق لم تعد عدائية كما قبل عامين, وهي تتطور نحو قبول دور اقليمي ما لسوريا يشبه في بعض جوانبه الدور السوري في تطبيق الطائف, لكن داخل العراق هذه المرة.
ومن الواضح أن السوريين يأملون أن يعود الاعتراف الأميركي, مرة أخرى, بمصالحهم الحيوية الاستراتيجية في لبنان, من دون أن يعني ذلك بالضرورة عودة نفوذهم العسكري المباشر كما في التسعينيات حتى عام خروجهم من لبنان.
في هذه الحال تذهب دمشق الى قمة الرياض مطمئنة الى النيات الأميركية, ومن الطبيعي أن تسلم بالتقاطعات السعودية­ الايرانية في ما يتعلق بالملف اللبناني, بعدما سلمت بهذه التقاطعات في ما يتعلق بالملف الفلسطيني.
أما إذا أصر «الطاووس» على أن تبدل دمشق من سلوكها أولاً,وأن تتفاعل ايجابياً مع الشروط الأميركية والاجندة الأميركية في المنطقة, قبل أي كلام آخر, فإن التجاذبات الاقليمية والدولية سوف تظل تضغط على لبنان ولن يفلت منها إلا منهاراً.


فؤاد حبيقة
المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...