«مدام كلود» يكفي ذكراسمها كي يسري الرعب في أوصال واشنطن

12-05-2007

«مدام كلود» يكفي ذكراسمها كي يسري الرعب في أوصال واشنطن

«مدام كلود» الأميركية اسمها ديبورا جين بالفري, ويكفي ذكر اسمها كي يسري الرعب في أوصال واشنطن. انها تملك مفكرة تحتوي على عشرة آلاف اسم وخمسة عشر ألف رقم هاتف لكبار المسؤولين الأميركيين, وتؤمن خدمات جنسية خاصة لأهل النخبة, والقصة تروى.

تملك ديبورا شركة تدعى «باملا مارتن وشركاؤها». ظاهرياً يبدو الاسم تجارياً للغاية, لا يوحي بأي نشاط غير مشروع, لكن السلطات الاميركية اكتشفت انه غطاء لاعمال دعارة تؤمنها لكبار المسؤولين في واشنطن, وان ديبورا تدير بيتاً للبغاء. الضحية الاولى كان المسؤول عن برنامج للمعونات الخارجية في وزارة الخارجية راندل توبياس, واللافت انه كان يشترط على الدول التي تتلقى هذه المعونات ان تكافح الدعارة على اراضيها, وقد اعترف انه من زبائن ديبورا الدائمين وقدم استقالته من منصبه.
بعد هذه الاستقالة دب الرعب في قلوب النخبة السياسية الاميركية, وظهرت ديبورا في برنامج 20€20 الاستقصائي الذي تبثه شبكة «اي.بي.سي» وفيه اعلنت انها تملك ما بين 10 آلاف و15 الف رقم هاتف لزبائنها, فانهالت عليها الاتصالات من محامي اصحاب هذه الارقام وعرضوا عليها تسويات في مقابل عدم كشف هوياتهم.
وكانت ديبورا قد قررت الالتزام بالصمت وعدم التفوه بكلمة واحدة عن طبيعة عملها منذ ان دهمت السلطات الفدرالية منزلها في كاليفورنيا بعد تحقيقات استمرت سنين متعددة, وحجزت ممتلكاتها, وحساباتها المصرفية البالغة نصف مليون دولار واسهمها, كما صادرت وثائق تمت بصلة الى تبييض الاموال والدعارة. قبل هذه العملية كانت تمتنع عن اي مقابلة صحفية, الى ان عرضت عليها احدى محطات الاذاعة على الانترنت ان تكون الضيف الرئيسي في برنامجها «القضية من وجهة نظري», وقبلت العرض وبدأ نشر الغسيل الوسخ.
خلال البرنامج روت ديبورا معاناتها مع السلطات الفدرالية وتحدثت عن طبيعة عملها, واسباب استهدافها, وقالت ان الثورة الجنسية التي اجتاحت الولايات المتحدة في الستينيات أسقطت كل المحظورات, كما اسقطت الهدنة غير المعلنة بين الاعلام والوسط السياسي وتحولت نشاطات السياسيين غير المشروعة الى عناوين رئيسية في الصحف اليومية.
خلال المقابلة إياها اكدت ديبورا ان شركتها تقدم خدمات جنسية لزبائنها البالغين تغلب عليها «الفانتازيا» واكدت انها طوال فترة عملها التي تواصلت على مدى 13 عاماً لم تواجه اي مشكلة تذكر. والمقابلة مع المحطة الاذاعية استغرقت ست ساعات كاملة وهي اليوم معروضة للبيع بالمزاد على الانترنت وسوف تكون من نصيب الذي يدفع اكثر.
وكان من الطبيعي ان تثير اعترافات ديبورا عاصفة سياسية وشعبية في واشنطن, وفضائح السياسيين الجنسية في الولايات المتحدة غالباً ما تقضي على مستقبلهم السياسي, كما حصل للنائب ويلبر ميلز بعدما كشف ان له خليلة هي راقصة تعرٍّ ارجنتينية, وجاك ريان الذي اضطر الى الانسحاب من معركته في مجلس الشيوخ عن ولاية ايلونويز في العام 2004 بعدما ذكرت زوجته في الاوراق التي قدمتها الى المحكمة من اجل الطلاق منه انه كان يضغط عليها لمرافقته الى أندية الجنس.
والتاريخ الاميركي حافل بالفضائح الجنسية فالكسندر هاملتون كان يضاجع زوجة رجل آخر, وكذلك وزير الحربية في عهد اندرو جاكسون, كما كان غروفور كليفلاند يدفع نفقة طفل من امرأة سبق ان أقام معها علاقة جنسية, كما ان خليلة وارن هارونغ كشفت انهما كانا يمارسان الجنس في احدى خزائن البيت الابيض.
لكن الاعلام الاميركي كان يلتزم الصمت في تلك الايام ازاء هذه الامور. ففي العام 1903 قدم رئيس مجلس النواب ديفيد هندرسون استقالته من منصبه بسبب علاقة جنسية مع ابنة أحد الشيوخ, من دون ان تعرف اسباب استقالته في حينه, ولم تنبث الصحافة بحرف واحد عن علاقة جون كينيدي بمارلين مونرو لكن منذ الثورة الجنسية التي اجتاحت الولايات المتحدة في الستينيات سقط المحظور كما انتهت الهدنة غير المعلنة بين الاعلام والوسط السياسي, وصار مباحاً التحدث بهذه الامور التي باتت تحتل العناوين الرئيسية في الصحف اليومية.
وهكذا عرف الرأي العام الاميركي بعلاقة النائب راين هايز مع سكرتيرته التي لم تكن قادرة على طبع حرف واحد على الآلة الكاتبة وعلاقة المرشح الديمقراطي للرئاسة غري هارت مع دونا رايس, وكذلك شبكة الدعارة التي كانت تدار من شقة النائب بارني فرانك في الكابيتول هيل, وبالطبع قصة بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي.
نعود الى ديبورا. انها امرأة ذات وجهين. بهذه العبارة على الاقل يصفها أحد رفاق دراستها في الهاي سكول, وعارفوها يؤكدون انها شديدة الوثوق بنفسها, تخوض معاركها بقسوة بالغة, لكنها مليئة بالتناقضات. وذلك كله ظهر جلياً للعيان سواء في تعاطيها مع رفاق دراستها, او مع عشيقها السابق, او مع السلطات القضائية.
ولدت في العام 1956 في ولاية بنسلفانيا لوالد كان يعمل بقالاً. انتسبت الى ثانوية شارلوروا, لكنها لم تتخرج منها, مع ان صورتها نشرت في الكتاب السنوي, وفيها تبدو فتاة سمراء تعلو وجهها ابتسامة عريضة, وتم التعريف بها بأنها تهوى التطريز والرقص ورفقة الاشخاص الودودين, وتتطلع الى الالتحاق بمعهد للطيران.
لم تكمل دراستها في شارلوروا, وانتقلت الى فلوريدا حيث تخرجت من احدى الثانويات هناك, وقد فسرت لاحقا اسباب انتقالها بأنها كادت ان تصاب بانهيار عصبي جراء الاذى النفسي الذي كانت تتعرض له, لأنها كانت موضع مضايقات زملائهات كما ادعت.
عادت ديبورا الى الظهور مجدداً في شارلورا قبل اربع سنوات عندما اقامت موقع «ويب» لخريجي المدرسة, واخذت تلح على المسؤولين في البلدة لاستخدام الخريجين كموارد بشرية للمساهمة في انعاشها, وقد صدم رفاقها لاستخدامها هذا الموقع للنيل من بعض الذين تعرضت لمضايقاتهم حيث وصفتهم بأنهم من اكثر المخلوقات قسوة ولؤماً الذين يمكن لأي كان ان يلتقي بهم خلال حياته.
وقد بدأ رفاقها يتوجسون منها عندما اعلنت في أحد لقاءات لم الشمل انها سوف تعود مجدداً لابلاغ بعض الذين تعرفهم بما تشعر به نحوهم, علماً ان اياً من هؤلاء الرفاق لم يتذكر انها كانت تتعرض للمضايقات او انها قد اسيئت معاملتها بطريقة او بأخرى.
وكشف رئيس جمعية الخريجين انها اقترحت بعض الافكار من اجل انعاش شارلوروا, ولم يوافقها على ذلك فطالبت باقالته.
وقد تباهت امام رفاقها بأن لديها صلات مع اشخاص يملكون «الملايين والملايين» إلا انها لم تتبرع بأي دولار للمدرسة. وقد ذكرت على موقع الخريجين انها ناشطة في برامج تقوم بها منظمات في كاليفورنيا لمساعدة السجناء الذين تمت ادانتهم خطأ, إلا ان المسؤولين في المنظمتين نفوا مشاركتها في اي من هذه البرامج باستثناء انها عرضت قضية تم رفضها.
بعد حصولها على درجة بكالوريوس في القضاء الجزائي انتقلت الى سان دييغو حيث التقت توماس تشيزش, وهو من «المارينز» الذين شاركوا في حرب فييتنام. ويذكر توماس انها حدثته في موعدهما الاول عن مطالعاتها الروحانية, وقد تواعدا مرات عدة, ثم اقترن بامرأة اخرى. وقد غضبت ديبورا جداً جراء ذلك, وأدعت انه كان متزوجاً عندما التقيا للمرة الاولى, وانه كذب عليها بشأن زواجه, اما توماس فقد نفى هذه الرواية.
وما حصل بعد ذلك انها بدأت تتصل بلا انقطاع, واحياناً تظهر فجأة امام باب منزله, وكانت تكتب اليه رسائل طويلة تقول له فيها انها روحانية وهي تعرف انه قد كتب لهما ان يكونا معاً. واينما انتقل كانت ديبورا تعثر على عنوانه وتقوم بالاتصال به, وقد توجهت مرة الى مزرعة امه في ايداهو وثارت ثائرتها عندما لم تجده هناك. وكانت تكرر دائماً الكلام إياه, وهو ان قراءتها الروحانية تقول ان قدره هو ان يكون معها.
في وقت لاحق اخذت رسائلها تأخذ طابعاً يثير القلق, وبدأت تقول انه سوف يموت ميتة مروعة ووحيداً اذا هو لم يعد اليها. وفي العام 1989 حصل توماس على امر قضائي بمنعها من الاتصال به او بأي من أقاربه, بعدما ابلغ القاضي ان زوجته الحامل تخشى ان تجهض جراء الضغوط التي تتعرض لها. ورداً على ذلك بعثت ديبورا برسالة الى محامي توماس قالت فيها انها لن ترحمه في الدعاوى المدنية والجزائية التي سترفعها ضده وضد زوجته. وعندما انتهت فترة قرار الحظر بعد عام تقدمت ديبورا بدعوى طالبته فيها ان يدفع لها مبلغاً زهيداً في مقابل كلفة الرحلة التي قامت بها الى ايداهو حيث تشاجرت مع امه, وقد اسقط القاضي الدعوى ولم يعقد اي جلسة بخصوصها.
بعد انتقاله الى فيرجينيا بيتش اتصلت والدة ديبورا به وطلبت منه مساعدة ابنتها لأن حياتها تنهار, ثم جاءت ديبورا نفسها الى فيرجينيا بيتش. وكان توماس يقول لها دائماً: انني متزوج ولا يمكن ان تكون لي علاقة معك, بدورها كانت تقول: هذا الامر لا ينبغي ان يشكل عائقاً.
المرة الاخيرة التي اتصلت فيها ديبورا بتوماس كانت قبل سبع سنين. كان على الشاطئ عندما تلقى مكالمة منها على هاتف خلوي كان قد اشتراه لتوه. ويعلق توماس على هذا الاتصال بالقول: لقد ارتعدت فرائصي. الامر كان كابوساً, ,واقول بكل صدق انني تمنيت الذهاب مجدداً الى فييتنام على تلقي اتصالات منها. اما ديبورا فترد على توماس بالقول: لقد ذهب مرات عدة الى فييتنام, وقد كرهني دائماً لأنني كنت أصده امام اصدقائه وعائلته.
بعد حصولها على درجة بكالوريوس في القضاء الجزائي, قامت ديبورا بأعمال جانبية في هذا المجال, وقد اتاحت لها هذه الاعمال التعرف الى عالم المواكبة €ESCORT€ وهالها, كما تقول, الفساد والادارة السيئة, خصوصاً انتشار تعاطي المخدرات, مما حملها على انشاء شركة مواكبة بديلة خاصة بها, وقد اتهمت الشركات المنافسة بالكسل وعدم الاهلية.
وتم توقيف ديبورا بتهمة القوادة والابتزاز, ولم تظهر في الموعد الذي تقرر فيه البدء بمحاكمتها, وعوضاً عن ذلك بعثت برسالة الى القاضي كتبتها بخط يدها اتهمت فيها شرطة مكافحة الرذيلة بأنها تنوي الانتقام منها. قالت في الرسالة «اذا انا وضعت خلف القضبان فان سلامتي الجسدية, بل حياتي كلها معرضة للخطر».
واضافت, «الاغتصاب» والتعذيب, والتشويه والقتل ستكون في انتظاري».
بالرغم من ذلك تم القاء القبض عليها في مونتانا, وهي تحاول عبور الحدود الكندية,وقد اعترفت بالتهمة الموجهة اليها وحكم عليها بالسجن 18 شهراً. وخلال محاكمتها صرحت انها كانت تقوم بتوظيف النساء الذكيات اللواتي لا يتعاطين المخدرات, ويملكن مظهراً جسدياً لائقاً واناقة حقيقية, لأن «زبائني هم من المثقفين جداً ويتطلعون الى مرافقات لائقات». ديبورا قالت ايضاً انها كانت تبلغ العاملات لدى توظيفهن انهن مسؤولات عن ضرائبهن, باعتبارهن سيدات اعمال مستقلات.
ومرة اخرى وصفت ديبورا نفسها بأنها روحانية, وليس لديها رغبة في العودة الى عملها السابق, وسوف تقوم عوضاً عن ذلك بافتتاح شركة بيع الاعمال الفنية الهندية والاميركية القديمة, لكن ما إن اطلق سراحها حتى انشأت شركة «ابميلا مارتن وشركاؤها», وأدخلت اليها 132 من خريجات الجامعات.
منذ انشائها حتى اقفالها في آب €اغسطس€ 2006 درّت عليها الشركة اكثر من مليوني دولار في مقابل ممارسة الجنس في الفنادق والمنازل والمكاتب في فيرجينيا وماريلاند وواشنطن, وقد بلغت تسعيرتها ثلاثماية دولار عن كل لقاء وكانت تتقاسم المبلغ مناصفة مع العاملات اللواتي كانت تشجعهن على العمل ثلاث ليال في الاسبوع على الاقل.
الشركة الجديدة ادارتها ديبورا بالطريقة ذاتها التي ادارت بها اعمالها السابقة, إلا انها كانت تدقق في طلبات التوظيف وتلزم كل عاملة جديدة بممارسة الجنس مجاناً مع رجل تختاره للتأكد من انها ليست من مخبري الشرطة.
هل إن ديبورا امرأة ذات وجهين؟
من الاصح القول انها امرأة ذات وجه وقناع, وقد سقط قناعها وظهر وجهها الحقيقي, لكن ثمة قناع اكثر اهمية سقط بدوره مع سقوط قناع ديبورا, هو قناع واشنطن العاصمة الفدرالية ليبدو وجهها على حقيقته, اي بيت دعارة كبير.


حسان كورية
المصدر : الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...