أطفال الحرب السورية: وقود العنف المستدام

17-03-2015

أطفال الحرب السورية: وقود العنف المستدام

أربعة أعوام من الحرب كانت كفيلة بأن يتعلم محمد استخدام السلاح، ليغدو ابن الـ14 عاماً مقاتلاً في صفوف جماعة متشددة في ريف حلب الشمالي، ويقتل بعد ثلاثة أشهر من انضمامه إلى المعارك، بعدما خاض دورة تدريبية سريعة، ساهم والده مساهمة كبيرة بدفعه إليها.
حكاية هذا المراهق، التي يرويها أحد أبناء عائلته، لا تتوقف عند حدود محمد نفسه، بل تتجاوزه إلى آلاف الأطفال ممن هم في سنّه، اختاروا العمل المسلح على امتداد الأرض السورية التي استقبلت العام الخامس لانفجار نبع الدم السوري، الأمر الذي يوفر «وقوداً مستداماً للحرب» وفق تعبير مصدر إغاثي.مراهقون يتدربون على السلاح في غوطة دمشق (ا ف ب)
وأشار المصدر الإغاثي، الذي ينشط في منظمة تعمل في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة، وفضل عدم الكشف عن اسمه،  إلى أن الكلام عن «تجنيد الأطفال لم يعد دقيقاً وفق تعريف الطفل ذاته، فالأطفال في هذه المناطق تنتهي طفولتهم مبكراً، ليصبحوا رجالاً، يتم تزويجهم، وتدريبهم، والزج بهم في المعارك»، موضحاً أن هذه الظاهرة لا تقتصر على مناطق نفوذ الجماعات المصنفة كـ «جهادية» فحسب «فالكل هنا يجند الأطفال رغم الضجة العالمية الموجهة ضد الفصائل الجهادية»، مشدداً في الوقت ذاته على أنه «شهد بنفسه تشييع أكثر من ستة أطفال في ريف حلب الشمالي خلال الشهر الماضي، تم تشييعهم على أنهم شهداء قتلوا في المعارك مع النظام».
الدكتور سليمان كاسوحة، الاختصاصي النفسي والمدرس في قسم علم النفس في كلية التربية بجامعة دمشق، يوضح، أنه من المعروف في كل حروب العالم أن «العنف يخفض سن الطفولة، وأن الأطفال يكبرون قبل أوانهم في هذا النوع من الظروف الدموية»، مضيفاً أن «الحرب والعنف يقدمان عوامل ويمهدان الطريق أمام دمج الأطفال في الأعمال القتالية لأسباب عديدة، أبرزها ضغط المستقبل، حيث يغدو المستقبل مجهولاً بالنسبة إلى اليافعين، والأطفال، وحتى أهالي الأطفال، الأمر الذي يدفع هذه الشريحة من المجتمع إلى الاندماج في العملية القتالية، سواء لدوافع إيديولوجية، أو لكسب المال، كونه العمل الأكثر رواجاً».
وخلال الحديث عن الأطفال، يشير الأخصائي النفسي، والذي يعمل ضمن عدة منظمات إنسانية، إلى أن الشريحة التي يمكن الحديث عنها تقع بين 6 و15 عاماً، من دون وجود دراسة دقيقة تحدد تأثير الحرب على سن الطفولة، ومقدار تراجع السن، إلا انه من المؤكد والمثبت أن «العنف دائرة مستمرة، يشكل الجيل الجديد فيها وقوداً لاستكمالها»، ما يعني أن الحل لهذه المعضلة يقضي بكسر هذه الدائرة «السرطانية» أولاً، سواء عبر حلول سياسية أو غير سياسية، ومن ثم يتم الحديث عن علاج آثار العنف في المجتمع ضمن عملية طويلة الأمد، من دون إغفال العمل الذي يجري حتى في فترات العنف ذاتها، والذي من شأنه تخفيف هذه الآثار، وتقويم الحالة السلوكية للأطفال.
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، في بيان في شباط الماضي لمناسبة «اليوم العالمي لمكافحة استخدام الأطفال وتجنيدهم»، من الاستمرار في عمليات تجنيد الأطفال في سوريا. وذكرت أنه «تم تجنيد عشرات آلاف الأطفال من قبل المجموعات المسلحة في الصراعات الدائرة في أكثر من 20 دولة حول العالم، ويقع الكثير منهم ضحايا لأحداث غاية في الوحشية، أو يشهدون مثل هذه الأفعال أو يجبرون على المشاركة فيها». وشددت على أن «تنظيم داعش في سوريا والعراق يوسع عمليات تجنيد الأطفال بشكل كبير، حيث يعمد إرهابيوه إلى إخضاع أطفال بسن 12 سنة للتدريب العسكري، ويتم استخدامهم كمخبرين وحراس لنقاط التفتيش والمواقع الإستراتيجية، كما يتم إجبارهم أحياناً على العمل كانتحاريين ومنفذين لعمليات الإعدام».
ورغم تشديد «اليونيسيف»، في بيانها، على أن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» يمثل الجماعة الأخطر من هذه الناحية، يؤكد المصدر الإغاثي أن «جبهة النصرة» و»حركة أحرار الشام»، المرتبطين بتنظيم «القاعدة»، هما من أكبر الفصائل المستقطبة للأطفال، حيث يقيم التنظيمان دورات مستمرة ومعسكرات تدريبية للأطفال، معتمدين على غياب المدارس وتوجه الأطفال لتلقي الدراسة في المساجد، حيث يبدأ العمل على الطفل منذ لحظة التحاقه بـ «حلقات العلم»، ليتم تحويله بعد فترة وجيزة إلى معسكرات تدريبية متتالية، كما يتم دفع مبالغ مالية كبيرة لأهالي الأطفال مقابل هذا «التجنيد»، الأمر الذي يدخل أيضاً في سياق جرائم «الاتجار بالأشخاص»، وفق المفاهيم الدولية.
وفي السياق ذاته، تفيد دراسة أجراها «المركز السوري لبحوث السياسات» بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن «التعليم (في سوريا) في حالة انهيار شامل، ووصل عدد الأطفال غير الملتحقين بالتعليم الأساسي إلى ما نسبته 50.8 في المئة خلال العام الدراسي 2014 – 2015، ونصف الأطفال السوريين لم يلتحقوا بالتعليم لمدة ثلاثة أعوام دراسية كاملة»، في حين تفيد تقديرات حكومية أن نحو ثلاث آلاف مدرسة تعرضت للتخريب والدمار، أو توقفت عن العمل، جراء الحرب.
أما عن الحلول التي يمكن إتباعها للحد من ظاهرة التحاق الأطفال بالأعمال القتالية، فيرى كاسوحة أن هناك ثلاثة سبل للحد من هذه الظاهرة، تتمثل بتغيير البيئة، أو زيادة معارف الطفل، أو دمج الخطوتين السابقتين عن طريق تغيير البيئة وزيادة المعارف في آن معاً، لإبعاد الطفل عن دائرة العنف «السرطانية»، موضحاً أنه وضمن الظروف المتاحة في الوقت الحالي يجري العمل على الطريقة الثانية (زيادة معارف الطفل)، وهو ما الأمر الذي انتبهت إليه وزارة التربية السورية، حيث قامت بتأهيل عدد كبير من كوادرها التربوية والتدريسية لإرشاد الأطفال نفسياً، إلا أنه ورغم هذه الجهود الكبيرة، ما تزال مناطق عديدة في سوريا تنزف أطفالها في الحرب.
ويشدد المدرّس في كلية التربية في جامعة دمشق على أن العنف وغياب المستقبل وموارد الدخل، وانخفاض مستويات التعليم، وسطوة السلاح، كلها عوامل تساهم بتنمية «الحاجات السلبية لدى الإنسان»، وهو ما يعول عليه مجندي الأطفال، لذلك يجب، عند حل هذه المعضلة، تأكيد تنمية الحاجات الايجابية لدى الطفل، وتوسيع أفقه، لإخراجه من هذه البوتقة الدموية المميتة، وإلا فإن ذخيرة الحرب ووقودها ستستمر بالتدفق، ما يعني أن المزيد من الدماء ستسيل، وسيطول أمد الأزمة، لتنشأ أجيال وأجيال أخرى، تخلق لتقتل أو تموت.

علاء حلبي 

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...