إدارة متوازنة للثروة المائية تعزز التنمية العربية

28-06-2011

إدارة متوازنة للثروة المائية تعزز التنمية العربية

الانشغال بآفاق اقتصاد الثورات والاحتجاجات التي يشهدها العالم العربي، لا يقلل من أهمية الحديث عن الثروة المائية التي تشكل مصدر الحياة وأساس التنمية والرفاهية، خصوصنا إذا أخذنا في الاعتبار العجز الخطير الذي تشهده الدول العربية في كميات المياه السطحية نتيجة تزايد عدد السكان والجفاف ومتطلبات الزراعة من جهة، والمشاريع المائية التي تنفذها دول الجوار العربي على النيل والفرات ودجلة من جهة أخرى. وكان من نتائج هذا العجز التوجه المتزايد لهذه الدول إلى استغلال المياه الجوفية لأغراض زراعية بالدرجة الأولى، من طريق ضخّها من أعماق تزايدت يوماً بعد يوم لتصل في بعض المناطق إلى مئات الأمتار بعدما كانت توجد على عشرات الأمتار أو أقل.

ولعل أوضح الأمثلة على ذلك منطقتي وادي سوس المغربية والجزيرة السورية. ففي الأولى كان المزارع يحفر في المعدل عشرة أمتار للوصول إلى المياه اللازمة لري حقله، في حين يحتاج اليوم إلى حفر ما لا يقل عن مئتي متر في المعدل من أجل ذلك بسبب الانخفاض المتزايد في منسوب المياه. أما في الجزيرة السورية فإن المشكلة لم تعد في انخفاض منسوب المياه، بل في ندرتها وجفافها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه المشكلة مرتبطة أيضاً بالسدود الضخمة التي تبنيها تركيا على نهري دجلة والفرات.

وعلى رغم تفاقم المشكلة يستمر استغلال المياه، الجوفية منها والسطحية، في شكل غير مدروس في غالبية الدول العربية، ويزيد حدة المشكلة غياب سياسات فعالة لإدارتها بطرق تجعل استهلاكها أكثر عقلانية. ويظهر هذا الأمر على سبيل المثال من خلال استمرار الهدر في استعمالاتها الشخصية والزراعية والصناعية. وفي هذا الإطار تقدر مؤسسات دولية أن معدل استهلاك الفرد السنوي من المياه في دول كالسعودية ومصر والعراق والكويت ولبنان والإمارات يراوح بين 70 و100 متر مكعب، في حين يبلغ في بلد مثل ألمانيا أقل من 60 متراً مكعباً. أما على الصعيد الزراعي فحدّث ولا حرج عن الهدر المائي بسبب طرق الري التقليدية التي تعتمد على الغمر، بدلاً من طرق حديثة كالتنقيط والرش. وتفيد تقديرات جهات عربية ودولية مختصة في شؤون المياه وإدارتها بأن الزراعة العربية لوحدها تستهلك أكثر من ثلثي المياه العذبة. ويضيع نحو 60 في المئة من المياه التي تنقلها الشبكات المائية بسبب قدمها وأعطالها وتلوث المياه وضعف صيانتها وفقاً لرئيس مؤسسة «لاماير» الدولية الألمانية المختصة في إدارة الموارد المائية، بيرند كورده. ولا يلتزم معظم المؤسسات الصناعية بضوابط استهلاك المياه وتصريفها ومعالجتها في شكل لا يضر بالبيئة. وهو أمر لا يؤدي إلى تلويث التربة الزراعية فقط وتصحرها، بل يلوث المياه العذبة.

إن استمرار هدر المياه وترك المبتذل منها ينفذ إلى التربة، لا ينذر فقط بتفاقم مشكلة العجز المائي وتلوث البيئة في الدول العربية، بل بتهديد أسس عيش سكانها ومصادر حياتهم ونموهم الاقتصادي. وستشكل مواجهة هذا العجز أبرز التحديات التي تواجه الحكومات العربية خلال السنوات المقبلة، بصرف النظر عن اختلاف مشاربها السياسية. أما العمل على حل المشكلة من طريق بناء محطات لتحلية مياه البحر فليس بالضرورة الحل الأمثل، لا سيما في الدول التي لديها مصادر مائية متجددة. ويعود السبب في ذلك إلى أن محطات كهذه عالية التكلفة، وتصبح مشكلة مستعصية مع لزوم بناء شبكات ضخمة وصيانتها لإيصال المياه المحلاّة من مناطق إنشاء المحطات على السواحل إلى المناطق الداخلية. وهو أمر يصعب تخيّله في الدول التي تتمتع بمساحات كبيرة. يضاف إلى ذلك، وبصرف النظر عن ضرورة إقامتها، ان الحلول المستدامة تقتضي في الوقت الحاضر إعطاء الأولوية لبرامج الحد من استهلاك المياه عبر الحوافز والتوعية. ومن بين هذه الحوافز على سبيل المثال لا الحصر، دعم المزارعين بتقنيات الري الحديثة من طريق تقديمها لهم بأسعار زهيدة أو بقروض ميسّرة. ولا يعني ذلك فقط توفير المعدات، بل أيضاً تقديم الاستشارة والرعاية في الفترات الأولى التي يمكن أن تشكل أرضية ناجحة لتعميم استخدامها.

وإذا كانت التقنيات الحديثة أحد مفاتيح الحل لمشاكل الهدر القائمة، فهناك مفاتيح أخرى شديدة الأهمية، بينها على سبيل المثال تشجيع الزراعات البعلية وتلك التي لا تتطلب استهلاكاً مكثفاً للمياه كالزيتون والحبوب والبقول والنخيل، على حساب زراعة الخضار والفواكه المخصصة للتصدير، والتي تستهلك المياه بكثافة عالية. وفي هذا المجال هناك فرص كبيرة لتطوير بذور ونباتات جديدة منها أكثر قدرة على تحمل الجفاف والظروف المناخية الصحراوية، من طريق إنشاء مراكز بحوث مختصة تعتمد على الخبرات المحلية والدولية. ومقارنة بمحطات التحلية، فإن تكاليف هذه المراكز لن تشكل سوى جزء يسير مما تتطلبه المحطات.

إبراهيم محمد

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...