الأزمة في سوريا: عام على المراسيم والقرارات منذ إقالة محافظ درعا وصولاً إلى الاستفتاء

23-02-2012

الأزمة في سوريا: عام على المراسيم والقرارات منذ إقالة محافظ درعا وصولاً إلى الاستفتاء

كان يمكن لمجموع المراسيم والقرارات التي صدرت في العام الأخير أن تغير وجه سوريا، ربما لو جاءت ضمن توقيت مختلف، ولم لم تذهب حدة الأزمة السورية إلى مستوى حافة الهاوية، إن لم تكن قد تدلت من تلك الحافة فعليا.
ويأتي استذكار ما صدر من قرارات في هذا الوقت متزامنا مع قرار الدولة إجراء استفتاء الاحد المقبل، بعد أيام فقط على مشروع دستور يسمح بتعددية السلطة وتداولها، ويشرع لانتخابات رئاسية تنافسية حرة في المستقبل.
ومن المفيد التذكر أن أهم ما كانت تطالب به التظاهرات التي خرجت بشكل محدود ومناطق بعينها قبل اكثر من 10 أشهر هو التعديلات الدستورية المتعلقة بالمادة الثامنة من الدستور، والتي تمنح حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم السلطة المطلقة في البلاد، وتشكل روحية النص الدستوري الذي حكم سوريا لعقود، مستندا إلى البعث وتحالفه مع مجموعة من الأحزاب الصغرى.السفير الروسي لدى سوريا عظمة الله كولمحمدوف بين زعماء عشائر سورية خلال تكريمه في دمشق أمس (أ ف ب)
الدستور الحالي لا يلغي المادة الثامنة فحسب بل يستبدلها بمادة أخرى (الغرض الرمزية) تشير إلى التعددية السياسية «يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديموقراطياً عبر الاقتراع»، كما «تسهم الأحزاب السياسية المرخصة والتجمعات الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية، وعليها احترام مبادئ السيادة الوطنية والديموقراطية».
إلا أن المشروع يأتي متأخرا بالنسبة للمعارضة السورية بفصائلها المختلفة، وأهمها لجان التنسيق المحلية، هيئة التنسيق الوطنية، والمجلس الوطني. كما أنه يأتي في مناخ دموي، تخوض فيه الأطراف المختلفة معركة شبه مصيرية، ليس واضحا كيف ستنتهي.
وسيصوت السوريون على الدستور في 26 شباط الحالي، وذلك رغم الظروف الأمنية المعيقة وحالة الإحباط العام السائدة. إلا أن عددا لا يستهان به من المواطنين يرى في الدستور «فرصة لإرساء قواعد التغيير» في سوريا.
وكان سبق للرئيس السوري بشار الأسد أن اعتبر، خلال لقائه لجنة صياغة مشروع الدستور الجديد، أن الأرضية القانونية والتشريعية للإصلاح باتت جاهزة مع اكتمال مسودة دستور 2012. وقد حفلت هذه الأرضية بعدد كبير من القوانين والمراسيم والقرارات التي كانت تأتي في أوقات متفاوتة من حيث التصعيد ومستوى التوتر السياسي والأمني. وقد بدأ هذا المسار فعليا بالمؤتمر الصحافي الذي عقدته المستشارة الرئاسية بثينة شعبان في قصر الشعب في نيسان الماضي، والذي أذاعت فيه نتائج اجتماع للقيادة القطرية لحزب البعث، وكان أبرز ما جاء فيه تشكيل لجنة لبحث رفع قانون الطوارئ في سوريا وكان أبرز مطالب المحتجين، ولا سيما في درعا، وإعداد قانون للسماح بالتظاهر.
وبالفعل أصدر الأسد في اليوم التالي، وصادف يوم جمعة، أربعة مراسيم تنص على «إنهاء العمل بحالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا وتنظيم حق التظاهر السلمي واختصاص الضابطة العدلية باستقصاء الجرائم والاستماع للمشتبه بهم».
إلا أن كل تحرك كانت تقوم به السلطة كان الاحتجاج يسبقه بخطوة، الأمر الذي عزز شعورا بـ«اليأس» لدى القيادة من مجابهة الاحتجاج المنفلت بخطوات إصلاحية، وعزز الطرح الأمني في المواجهة، ولاسيما مع انتشار موضوع العصابات المسلحة وحالة الفلتان الأمني.
وكان الأسد استبق تلك المراسيم بأخرى اقتصادية وتنموية، بينها مرسوم بزيادة الرواتب لعامة المواطنين بنسبة تتراوح بين 20 في المئة و30 في المئة وفقا لفئة المدخول المستهدف، كما أصدر مرسوما بتخفيض سعر المازوت بنسبة عالية (من 25 ليرة سورية لليتر إلى 15 ليرة) وذلك لكون «هذا المطلب أكثر المطالب جماهيرية» وفقا لما نقل عن الرئيس السوري من انطباعاته خلال اللقاءات الشعبية التي عقدها مع وفود أهلية من المناطق المختلفة.
وجاء في سياق مشابه أيضا مراسيم عديدة أعفت صناعيين وتجارا ومدخرين من فوائد قروض وغرامات تأخير، ناهيك عن قرارات أكثر إستراتيجية كإحداث الهيئة العامة لإدارة وتنمية وحماية البادية بهدف تطويرها وتنمية مجتمعها المحلي ومواردها الطبيعية والبشرية، وذلك بعد انتقادات لسياسات الحكومات السابقة في هذا المجال والتي اضطرت مجتمعات البادية إلى الانتقال لمحيط المدن (خصوصا حمص)، ما أحدث خللا ديموغرافيا وضغطا اقتصاديا واجتماعيا على تلك المدن.
وقد ركزت مراسيم الإصلاح في سوريا على شرائح بعينها أحيانا، وعلى المجتمع عموما أحيانا أخرى. فاستهدف الأسد تفاهما مع القيادات الدينية وقاعدتها، عبر مراسيم سمحت بإعطاء أصحاب هذا الفكر منابر مثل قناة «نور الشام» الدينية، وإحداث «معهد الشام العالي للعلوم الشرعية والدراسات والبحوث الإسلامية»، إضافة إلى تنفيذ بعض المطالب العامة، ومن بينها إغلاق الكازينو الوحيد في دمشق على طريق مطار دمشق الدولي بعد أشهر فقط على افتتاحه، كما السماح بعودة المنقبات إلى الجامعات السورية.
والواقع أن هذا التوجه لقي صدى لدى قادة الشرائح المحافظة في سوريا وغير المنخرطة في الاحتجاج. وأصبح هؤلاء يلعبون دورا موازيا لبعض علماء الدين داخل سوريا أو خارجها ممن يعادون النظام ويدعون لإسقاطه. كما منحت القيادة السياسية الأكراد من غير المجنسين في سوريا حقوق التجنس، وذلك بعد عقود على المطالبة بهذا الحق، وبالفعل بعد صدور القرار في نيسان الماضي تحدثت المصادر الرسمية عن تجنيس ما يزيد عن 100 ألف كردي حصلوا بموجب القانون على الهوية السورية.
كما غيرت القيادة السورية محافظين، وأقالت مسؤولين في سياق فهمها لمطالب الشارع، خصوصا حين كانت مطالب هذا الشارع تدعو علنا لـ«إسقاط محافظ في مدينة معينة»، كما اتبعت سياسات «تلبية المطالب الخدمية» خصوصا في المناطق التي رأى البعض أن جذور الاحتجاج فيها تنموية، فألغيت استملاكات في درعا وتم وضع سياسة جديدة لرخص آبار المياه، كما تم الاعتماد على وجهاء المدن ورجال دينها لوضع حد للاحتجاج. ومن بين ما تم الوصول إليه كان الشروع في تسوية «مظالم ملف حماه في الثمانينات»، حيث نقلت وسائل الإعلام المحلية، بعد لقاء للأسد بوفد من حماه، شروع إدارة المدينة بقبول طلبات التظلم وإعادة المستملك من الدولة لأصحابه، ولكن من دون أن تسهم كل هذه الإجراءات فعليا في تراجع الاحتجاج، خصوصا مع ارتفاع وتيرة القتل وسيلان الدم في الشارع.
وكانت أول خطوة في هذا المجال إقالة محافظ درعا فيصل كلثوم نهاية آذار تبعها تغيير الحكومة القائمة وتكليف رئيس الحكومة الحالي عادل سفر بتشكيل حكومة أخرى. كما شرعت القيادة السورية في ظل ما سبق بالإعلان عن خطة إصلاحية تقوم على إصدار قانون للأحزاب يتيح التعددية السياسية في سوريا عبر انتخابات حددت في آذار المقبل، وصيغ لها قانون جديد صدر في الأسبوع الأول من آب الماضي، وتغيير قانون الإعلام ليصبح تحت إدارة مجلس أعلى في ظل رغبة بالانفتاح إعلاميا (صدر القانون في نهاية آب الماضي)، كما وضعت أسس تغيير دستوري ودعيت اللجنة المكلفة في تشرين الأول لمناقشة مشروع دستور جديد للبلاد. وكان سبق أن أقر مجلس الوزراء في 24 تموز مشروع قانون تشكيل الأحزاب الذي يحدد بنود تشكيل الأحزاب السياسية الجديدة.
وأقر بعده بيومين مشروع قانون الانتخابات العامة، الهادف إلى تنظيم عملية الانتخابات العامة التشريعية والمحلية وضمان سلامتها. وبعدها بأسبوعين أصدر الأسد قرارا جمهوريا يقضي بتشكيل هيئة مهمتها وضع الأسس لحوار وطني وتحديد آلية عمله وبرنامجه الزمني، وهي لجنة ساهمت لاحقا بالإعداد وتنفيذ اللقاء التشاوري الذي اعتبر أرضية لمشروع الحوار الوطني بين الأطياف السورية المختلفة، وما لم يجر حتى اللحظة، وإن كان الأسد أعاد التذكير بإمكانية حصوله خلال لقاء جمعه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في دمشق مؤخرا.
وتزامنت هذه الوقائع مع قرارات تتكرر بين الوقت والآخر، ولاسيما قرارات ومراسيم العفو التي صدرت أكثر من مرة، والتي تزامنت مع إنذارات أيضا على المستوى الحكومي بأن الدولة لن تفرط بسلطتها في البلاد.
وقد جاء المشروع الدستوري ليتوج ما ذكر باعتباره يمهد لبنية تشريعية جديدة في البلاد، الذي يفترض أن يتحول نظامها السياسي من نظام الحزب الواحد نحو نظام تعددي، وإن أبقى على طابعه الرئاسي الجمهوري. وتقوم أجندة التغيير هذه على موعدين أساسيين الأول في 26 الحالي موعد الاستفتاء، والثاني موعد انتخابات مجلس الشعب المرتقبة في أيار، والمتوقعة قبل ذلك.
ولاشك سيكون تحدي نجاح استفتاء الدستور في ظل الوضع الأمني والسياسي الحالي، من ابرز تحديات السلطة في الوقت الراهن، فيما تبقى التحديات الأخرى مرهونة بحجم التطورات التي ستحصل ونوعيتها، على الرغم من تأكيدات الجانب الرسمي دوما أن «برنامج الإصلاح ماض من دون توقف، ولكن بتزامن مع تحقيق الأمن والاستقرار».

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...