الإرهاب الإلكتروني والقوّة في العلاقات الدولية

02-03-2014

الإرهاب الإلكتروني والقوّة في العلاقات الدولية

«التقدّم التكنولوجي لا يمكن أن يسير أو يعمل بمعزل عن تقدّم قانوني يواكبه ويحافظ عليه ويكفل حمايته، ويضع حلولاً لما يطرأ من مشكلات تتأتى من استخدامه. وبذلك يصبح أداة للبناء وأساساً لكل تطوّر». هذا ما يؤكده الكاتب الصحافي عادل عبد الصادق في كتابه «الإرهاب الإلكتروني والقوّة في العلاقات الدوليّة: نمط جديد وتحدّيات جديدة» الذي صدر حديثاً عن «المركز العربي لبحوث الفضاء الإلكتروني» في القاهرة. ويرى المؤلّف، وهو باحث في الشأن التقني، أن الصراع الإلكتروني تحركّه دوافع سياسية، ويتميز بنمطين مختلفين، يتّسم أحدهما بالعنف، واستخدام قدرات هجومية ودفاعية بهدف إفساد الشبكات والنظام المعلوماتي والبنى التحتية باستخدام أحد الفاعلين داخل مجتمع المعلومات العالمي أسلحة وأدوات إلكترونية. ويتميّز النمط الآخر بطبيعته المرِنَة، ويسير في طريق الصراع والتنافس حول الحصول على المعلومات، والتأثير في المشاعر والأفكار، وشنّ حرب نفسيّة وإعلاميّة.

 ديبلوماسية افتراضيّة

ويورد الكاتب أن الفضاء الإلكتروني يدور في محاولة إحداث التحوّل والتغيير، في السياسة والاقتصاد والاجتماع داخل النظام الدولي. ويعمل على تعزيز الانفتاح السياسي، والتحوّل الديموقراطي، مع ظهور ما يعرف بـ «الديموقراطية الرقمية» Digital Democracy. كما ظهر الدور الإيجابي للفضاء الإلكتروني في العمل على تخفيف حدّة الصراعات عبر ما يطلق عليه «الديبلوماسية الإلكترونية» E- Diplomacy التي تعنى بنشر مبادرات السلام، وتعزيز الحوار والتعاون بين دول العالم، والانفتاح العالمي على الثقافات المختلفة. وكذلك عمل الفضاء الإلكتروني على زيادة الوعي العالمي بالخسائر الناجمة عن الصراعات وأثرها على المجتمع الدولي، وتكوين رأي عام دولي يدافع عن خيار السلام لا خيار الحرب، عبر الديبلوماسية الافتراضية Virtual Diplomacy، وتعزيز الديبلوماسية الشعبية القادرة على التأثير في الرأي العام العالمي.

ويمكن تعريف الإرهاب الإلكتروني بأنه «نشاط أو هجوم متعمّد، يملك دوافع سياسية ويسعى للتأثير في القرارات الحكومية والرأي العام العالمي، ويستخدم الفضاء الإلكتروني بوصفه عاملاً مساعداً ووسيطاً في عملية التنفيذ للعمل الإرهابي، أو الحربي. كما يسعى لإحداث تأثير معنوي ونفسي عبر التحريض على بث الكراهية الدينية وحروب الأفكار. ويأتي هذا العمل في صورة رقميّة عبر استخدام آليات الأسلحة الإلكترونية الجديدة في معارك تدور رحاها في الفضاء الإلكتروني، وقد يقتصر تأثيرها على بعدها الرقمي، أو تتعداه لتصل إلى الإضرار بأهداف مادية تتعلق بالبنية التحتية الحيويّة».

كذلك يعني الإرهاب الإلكتروني استخدام وسائل إلكترونيّة في عدوان أو تخويف أو تهديد له طابع مادي أو معنوي، ويصدر من دول أو جماعات أو أفراد عبر الفضاء الإلكتروني. كما يعني أن يسعى ذلك العدوان للتأثير على الاستخدام السلمي للفضاء الإلكتروني. ويأتي الإرهاب الإلكتروني أيضاً في صورة القيام بهجوم طبيعي، من طريق استخدام الأسلحة التقليدية في مهاجمة كابلات الاتصال ونقاط الإنترنت الرئيسية ومحطات البث. وينطبق التعريف نفسه على استخدام الطاقة الكهرومغناطيسية في مهاجمة أجهزة الكومبيوتر أو البيانات التي تحويها، بما يؤثر في عملها. ويشمل التعريف عينه، شنّ هجمات تستخدم أسلحة الفضاء الإلكتروني المتنوّعة بهدف إلحاق الضرر بمصالح المجتمع الدولي.

ويؤكد عبد الصادق أن عدم وجود اتفاق دوليّ واضح في التعامل مع ظاهرة الفضاء الإلكتروني وتنظيم استخدامها وتحديد الحقوق والواجبات، قد يجعل الدول لا تشعر بأي إلزام في التعاون مع غيرها. ويلاحظ أن عدم التعاون بين الدول يشكّل جزءاً مهمّاً من تعقّد المشكلة، ما يؤثر في معرفة الهجمات الإلكترونيّة ومواجهتها، إذ يتمثّل هدف التعاون في حماية السيادة والأمن والمصالح الأساسيّة المشتركة. كما أن تعرّض الدول لهجمات الشبكات وقواعد البيانات، يمثل تهديداً لمصالحها الوطنيّة ويؤثر في تطوّرها تكنولوجيّاً، وفي مساعيها لحماية أمنها وخصوصية مواطنيها.

وتشكّل القواعد القانونية ضغطاً ديبلوماسياً على الدول التي لا تدرك أو تعترف بأن الإرهاب الإلكتروني يعتبر جريمة دولية. وبقول آخر، يمهّد الضغط الديبلوماسي الطريق أمام تعزيز الرؤى حول خطورة استخدام الهجمات الإلكترونيّة في الصراعات، ما يحتّم نمطاً جديداً من التعاون بين الدُوَل.

ويخلص عبد الصادق للقول بأن هجمات الإرهاب الإلكتروني هي نوع من ممارسة القوّة في العلاقات الدوليّة. ويشير إلى إمكان استخدام تلك الهجمات في ضرب مراكز التحكّم والسيطرة، والهجوم على شبكات الطاقة وأنظمة التسلّح. وينتج من تلك الهجمات تدمير مادي وآثار تدميرية تشبه ما ينتج من استخدام أسلحة تقليدية وغير تقليدية. ويتولّد الضرر من طريق توظيف الهجمات على شبكات الكومبيوتر في مستويات عملانيّة واستراتيجية، إضافة إلى الآثار الواسعة التي تترتب على هجمات الفضاء الإلكتروني ماديّاً ونفسيّاً.

الفكرة محرك للقوّة

يقترح الكاتب مواجهة الإرهاب الإلكتروني عالمياً عبر ثلاثة مستويات: الرقمي والمادي والفكري. وفي المستوى الرقمي، يجب انتهاج سياسة تقنيّة في أمن المعلومات للمنشآت الحيويّة، مع مكافحة المواقع التي تحضّ على الإرهاب والكراهية أو التي توفر معلومات مساعدة للعمل الإرهابي.

ويتمثّل المستوى الثاني في العمل على مكافحة الإرهاب بشكل «مادي». إذ يتطلّب نجاح مكافحة الإرهاب في الفضاء الإلكتروني، مواجهته على أرض الواقع، والعمل على تأمين شتي المنشآت الحيوية، وتدريب المسؤولين عن مكافحة الإرهاب على استيعاب السياسات الأمنية الإلكترونيّة.

ومن المستطاع النظر إلى المستوى الفكري باعتباره الأهم، لأن الفكرة هي التي تحرك القوّة. وبذا، يجب التركيز على المواجهة «الليّنة» مع الإرهاب عبر دحض أفكاره وعزله عن المجتمع، مع بثّ أفكار مضادة لما يروّج الإرهابيون له. كذلك يجدر إتاحة الفرصة أمام حريّة التعبير، ما يعزل الأفكار المتطرّفة ويمنع تضخيم حجمها وحجم المؤيدين لها، وكذلك مكافحة استخدام الفضاء الإلكتروني في بث الكراهية الدينية وازدراء الأديان.

ومن المستطاع النظر إلى الفضاء الإلكتروني من منطلق كونه وسيلة إعلام دوليّة يجب أن تتمتع بحرية التعبير عن الرأي، وتلعب دوراً مهماً في السلام والحوار بين الشعوب والثقافات. كذلك يجب أن يؤخذ في الاعتبار، وفق الكاتب عبد الصادق، الموازنة بين الحريّة والحفاظ على الأمن، باعتبار أن الحريّة هي ركن أساسيّ في حقوق الإنسان. ويستتبع هذه الأمور ضرورة أن تتبلوّر ثقافة عالمية تنبذ العنف، وتجتث جذور الصراع والكراهية والفقر والظلم والجهل التي تشكل بيئة دولية لتوالد العنف والإرهاب والحروب. كما يجب أن يجري العمل على توفير بيئة آمنة للاستخدام السلمي للفضاء الإلكتروني، لأنها تعزّز الأمن الجماعي والإنساني المشترك الذي بات ممتزجاً مع الأمن الإلكتروني الدولي.

هيام الدهبي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...