التلوث البيئي وتلوث السدودوالتربةأسباب لتفشي الأمراض المزمنةفي درعا

23-08-2008

التلوث البيئي وتلوث السدودوالتربةأسباب لتفشي الأمراض المزمنةفي درعا

تزايدت نسبة الأمراض في محافظة درعا خلال الأعوام الأخيرة، واختلف مع مرور السنوات ميزان وترتيب هذه الأمراض من حيث زيادة عدد الوفيات في كل منها.

ومن الطبيعي أن تلجأ مديرية الصحة في المحافظة الى دراسة أسباب زيادة نسب بعض الأمراض وتناقص نسب بعضها من أجل اتخاذ الخطوات المناسبة للحدّ من تزايد هذه الأمراض، وقد لوحظ خلال الأعوام القليلة الماضية زيادة نسبة الوفيات ببعض الأمراض مثل الاحتشاء والسرطان وغيرها وذلك بسبب تزايد نسب مسبباتها. ‏

 التقينا الدكتور أيمن العاسمي رئيس دائرة الرعاية الصحية في المحافظة وحاورته حول أهم الأمراض التي تحتل المراتب الأولى في الوفيات فقال: ‏

بداية لابدّ لنا من القول: إن مديرية الصحة في محافظة درعا تعمل في مجال الرعاية الصحية الأولية على الاستفادة من الفرصة المتاحة أمامها للاستفادة من برنامج تطوير القطاع الصحي الممول من الاتحاد الأوروبي بما ينسجم مع الخطة الخمسية العاشرة والهادف الى تطوير ثلاثين مركزاً صحياً وفق معايير كثيرة لتصبح مراكز طب أسرة حسب معايير وأدلة سريرية معتمدة من قبل وزارة الصحة للوقاية الأولية من الأمراض التي تؤدي الى زيادة نسب الوفيات وتم حتى الآن الانتهاء من إعادة بناء البنية التحتية لعشرين مركزاً وهي جاهزة للعمل بعد تزويدها بالتجهيزات والمعدات والأثاث اللازم وتم تدريب عدد من العاملين على العمل بنظام طب الأسرة وحتى نهاية العام الحالي من المتوقع أن تنتهي المديرية من تدريب باقي العاملين في هذه المراكز أما المراكز الأخرى فالبعض منها شارف على الانتهاء والبعض تعثر لأسباب لانريد ذكرها لكن كل المراكز بدأ العمل بها. ‏

كل هذه الجهود لن تنجح إلا إذا اعتمدت كل المعايير التي وردت في الخطة الخمسية العاشرة وسيكون مصير هذه الجهود أن تعود المراكز التي تم بناؤها لتكون مراكز طب أسرة كباقي المراكز في الجمهورية العربية السورية ذات كفاءة متدنية وجودة خدمات صحية متدنية لا تنافس القطاع الخاص وإنتاجية لعاملين مثل باقي مؤسسات الدولة والمطلوب هو ليس الضمان الصحي ولا تفرغ الأطباء وفصل عمل الأطباء بين العام والخاص بل المطلوب هو اعتماد صندوق طب الأسرة الذي سيفصل ممول الخدمة الطبية عن مقدم هذه الخدمة ولا نعرف من يعطل هذا الصندوق ومن حقنا أن نسأل الحكومة لو كان هذا المطلب من القطاع الخاص بتخفيض الرسوم الجمركية أو بالسماح لبعض البضائع دخول السوق السورية أو بإعفاء ضريبي هل تتعامل الحكومة بالطريقة نفسها أم تستجيب لمطالب القطاع الخاص نحن أملنا أن تستجيب الحكومة باعتماد صندوق طب الأسرة من أجل إنجاح هذه التجربة لتعميمها على مستوى القطر لأن هذا المواطن الذي ينتج ويحمي هذا البلد من كل شر يستحق خدمات من نوع أفضل وليس الإهمال. ‏

-وعن توزع المسؤوليات في الجانب الصحي قال الدكتور العاسمي: إن الوضع الصحي ليس مسؤولية وزارة الصحة فقط بل هو مسؤولية الجميع وخاصة الجهات التي يمكن لها أن تؤثر على الوضع الصحي للمواطن مثل وزارة الإدارة المحلية والصناعة والزراعة والإسكان والتعمير والنقل والري وغيرها من الجهات التي يقع على عاتقها اتخاذ الاجراءات الضرورية للحد من تكاثر الأمراض وخاصة من النواحي البيئية والتلوث وغيرها. ‏

وعن ترتيب الأمراض التي تؤدي الى كثرة الوفيات في المحافظة قال الدكتور العاسمي: ‏

في دراسة بسيطة عن العبء المرضي في محافظة درعا وجدنا أن السبب الأول للوفيات هو أمراض القلب والأوعية حيث بلغت نسبة الوفيات بسبب هذه الأمراض أكثر من 57% وعند سؤالنا: هل توجد برامج في وزارة الصحة بالتعاون مع الجهات الأخرى للحد من هذه الظاهرة؟ قال الدكتور العاسمي: نعم توجد برامج لكنها تفتقد للتكامل فبالرغم من وجود مراكز أمراض القلب وجراحتها مثل مركز الباسل في دمشق ومركز الباسل في حلب والوزارة تخطط لافتتاح مراكز في عدد من المحافظات ومنها محافظة درعا لكن هذه الخطوة ناقصة لا تشمل كل جوانب المشكلة ففي الرعاية الصحية الأولية في المحافظة لا يوجد برنامج خاص بهذه الأمراض وكذلك لا يوجد تعاون من باقي الجهات الحكومية لمعالجة هذه المشكلة فمثلاً التدخين هو من أهم الأسباب التي تؤدي لهذه الأمراض وما زالت سورية أكثر بلد يباع فيها التبغ رخيصاً وباقي أنواع التدخين مثل النرجيلة والسيجار ولا توجد ضرائب مثل باقي دول العالم على هذه المنتوجات بل الضرائب قليلة ولا توجد لدى الجهات الحكومية الأخرى برامج رادعة لمنع التدخين في الأماكن العامة باستثناء منع التدخين في وسائل المواصلات والنقل حيث التدخين السلبي له مضار التدخين نفسها، وكذلك كثرت ظاهرة تدخين النرجيلة وخاصة لدى الفتيات والنساء ولا توجد جهات أخذت هذه الظاهرة على محمل الجد لمكافحتها وتوعية المجتمع من هذه الظاهرة. ‏

أما العوامل الأخرى التي تساعد في انتشار هذه الأمراض فهي نوعية الحياة من حيث كثرة استهلاك الدسم والمواد المصنعة والمواد الكيميائية التي تستعمل في الزراعة بشكل عشوائي وكذلك المواد الكيميائية التي تستعمل في الصناعة الغذائية دون وجود رقابة صارمة على هذه المواد المستهلكة من قبل الجهات المختصة. ‏

ففي دراسة في محافظة درعا عن المبيدات الحشرية المستعملة والمتوفرة في السوق وجدنا أن أكثر من 60% من المبيدات هي مهربة وتلقى إقبالاً من قبل المزارعين، وبالعودة الى مخاطرها الصحية وجدنا أن الكثير منها هو جهازي وفي البلدان المتطورة يمنع استعمال هذه المبيدات، وكذلك يوجد الكثير من المبيدات معقمة للتربة لا تتفكك بمرور عشرات السنين، وتراكم هذه المواد في جسم الإنسان يساعد على ظهور أمراض مثل أمراض القلب والأوعية. ‏

كذلك في السنوات الأخيرة قامت وزارة الإسكان والتعمير بتنفيذ مشاريع صرف صحي شملت كل المدن ومعظم البلدات وبعض القرى، وتصب هذه المجاري في الوديان والسدود التجميعية، كما تم بناء محطتي معالجة في مدينتي درعا وداعل، لكنهما لم توضعا في التنفيذ حتى الآن لأسباب لن ندخل في تفصيلها، لكن الأهم هو أن هذه المحطات تقع في مناطق زراعية خصبة تحتاج لكميات كبيرة من المياه لريّها ما أدى الى استخدام مياه الصرف الصحي في ري المزروعات بشكل مفرط، وفي بعض الأحيان يقوم البعض بتربية الأسماك في بحيرات الصرف الصحي، وقد أدى تجميع مياه الصرف الصحي في مجاري الأودية الى وصول التلوث الى السدود وأعماق التربة، وأدى هذا الى تلوث ثلاثة سدود بشكل كبير هي سد غربي طفس وسد ابطع وسد عدوان، وكذلك خروج أكثر من أربعين بئراً لمياه الشرب من الخدمة وإغلاقها بسبب تلوث هذه الآبار إما بمياه الصرف الصحي أو استخدام الأسمدة بشكل عشوائي وانعكس هذا الأمر على صحة المواطنين وظهر ذلك جلياً بعدد الأطفال المتزايد الذين راجعوا ويراجعون المراكز الصحية والمشافي بسبب الإسهال. ‏

‏ وعن مرض السكري قال رئيس دائرة العناية الصحية: إن مرض السكري يصيب أكثر من 12% من السكان في محافظة درعاو ويكلّف مديرية صحة درعا أكثر من 25 مليون ليرة ثمن أدوية فقط دون حساب باقي تكاليف التحاليل المخبرية والتكاليف الأخرى وتقدّم مديرية صحة درعا خدماتها لمرضى السكري من خلال 12 مركزاً صحياً موزعة على مدن المحافظة وعيادة تخصصية واحدة، وتزداد تكاليف المريض أضعافاً مضاعفة إذا ما دخل في سبات ارتفاع السكر أو أحد اختلاطات هذا المرض مثل أذية الشبكية أو القدم السكرية أو الأذيات الوعائية الأخرى في الكلية والدماغ والقلب. ‏

وعن سؤالنا حول وجود برنامج متكامل للحد من انتشار هذا المرض قال الدكتور العاسمي: لا يوجد هذا البرنامج لأن السبب الأول لانتشار هذا المرض هو أنماط الحياة وثقافة المواطنين إذ تشكل السمنة السبب الأول لانتشار هذا المرض وهذه المشكلة لا يوجد برنامج وطني لمعالجتها، ووزارة الصحة لايمكنها وحدها القيام بهذه المهمة، ومن أسبابه أيضاً زواج الأقارب ولاسيما ممن يحملون مورّثات الإصابة بهذا المرض،وهي عادة مازالت قائمة ومعالجتها تحتاج الى تشريعات معينة وتحاليل مكلفة. ‏

‏ وعن مرض السرطان قال الدكتور العاسمي: مرض السرطان هو السبب الثاني للوفيات في محافظة درعا وتشكل نسبة الوفيات بهذا المرض من عدد الوفيات العام في محافظة درعا حوالي 11% والسرطان الذي يأخذ المكانة الأولى بين الذكور هو سرطان الرئة، وبين الإناث سرطان الثدي. ‏

ومرض السرطان هو من أكثر الأمراض المزمنة في محافظة درعا ولا يوجد لكثير من حالاته علاج شاف وعند تشخيص هذا المرض يكون في مراحل متقدمة، وتصبح كل التداخلات تلطيفية، أي ليعيش المريض بقية حياته بمعاناة أقل، أما بعض السرطانات والتي يمكن كشفها في مراحلها الأولى فتصبح فرص الشفاء منه كبيرة مثل سرطان الثدي حيث يوجد برنامج خاص في وزارة الصحة للكشف المبكر عن الإصابة بهذا المرض ويوجد في محافظة درعا جهازان لتصوير الثدي في كل من مشفى درعا الوطني ومشفى نوى، وخضع أكثر من ثلاثة أطباء اختصاصيين لدورات تدريبية لقراءة صورة الثدي، واستثنى السيد الوزير نظام الإحالة حالات السيدات المحولات من القابلات حيث يمكن للقابلة في أي مركز صحي أن تحيل السيدات لصورة الثدي في هذين المشفيين دون توقيع أو تصديق طبيب المركز، وكذلك يوجد برنامج خاص في وزارة الصحة، وهذا البرنامج نشيط وهو برنامج الكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم، ويوجد في محافظة درعا ثلاثة أجهزة تنظير لفحص عنق الرحم عند السيدات المشتبه بإصابتهن بأي مرض لنفي الإصابة بسرطان عنق الرحم وكذلك كل المراكز الصحية تتوفر فيها أدوات لأخذ لطاخة من عنق الرحم للسيدات عاليات الخطورة للإصابة بهذا المرض وتوجد أربعة مخابر في المحافظة يوجد فيها مخبريون لقراءة اللطاخة وترسل 25% من اللطاخات الى مخبر مرجعي يقرؤها طبيب اختصاصي تشريح مرضي... أما باقي السرطانات فلاتوجد لها برامج خاصة للكشف المبكر مثل سرطان الكولون والبروستات والرئة والسرطانات الأخرى. ‏

أما هموم الأشخاص المصابين بهذه الأمراض في محافظة درعا فهي تتمثل بعدم وجود أطباء اختصاصيي أورام في محافظة درعا وعدم وجود مركز لمعالجة الأورام أما بعد تشخيص المرض ووضع الخطة العلاجية فأكثر المرضى الذين يتناولون جرعات دوائية يحولون الى مشفى البيروني في دمشق وهنا تكمن الدوامة والمعاناة للمرضى وذويهم أو عندما يتقرر إخضاعهم للمعالجة الشعاعية كذلك يعاني المرضى كثيراً. ‏

‏ والسبب الثالث للوفيات في محافظة درعا هو الحوادث ولاسيما حوادث المرور ومنها حوادث الدراجات النارية بالدرجة الأولى إذ تبلغ نسبة الوفيات بسبب الحوادث 8% وهي في ازدياد، وكلف مريض العناية المشددة بسبب الحوادث تصل أحياناً الى أكثر من مئة ألف ليرة سورية والفئة العمرية الأكثر تعرضاً لحوادث السير هي فئة الشباب والأطفال من عمر خمس سنوات حتى سن ثلاثين سنة. ‏

أما الأمراض الانتانية في محافظة درعا فإنه من الملاحظ ارتفاع في عدد الإصابات في بعض أنواع هذه الأمراض مثل السل الرئوي وكذلك حالات الحمى المالطية والتيفية، وتبلغ نسبة الوفيات بهذه الأمراض من عدد الوفيات العام في محافظة درعا 2.8%. ‏

‏ وعن التوصيات والمقترحات لتفادي الاصابة بهذه الأمراض القاتلة قال الدكتور العاسمي: إن الأمر يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الدولة والمواطن حيث يطلب من المواطن تحمل مسؤولياته في مجالات حوادث السير وعدم تعريض ابنائه للحوادث ولاسيما حوادث الدراجات النارية، اما مسؤولية الدولة فتتمثل في اقامة مشاريع الصرف الصحي بشكل كامل والاهتمام أكثر بالواقع البيئي وتشديد الرقابة على محلات بيع الادوية والأسمدة الزراعية ومراقبة الأثر المتبقي لهذه الأدوية والمبيدات وترشيد استعمالها، ومراقبة المواد التموينية والغذائية في الكشف عن مدى صلاحيتها، وتشديد الرقابة في المنافذ الحدودية لعدم ادخال المواد الضارة بصحة الانسان ومعاقبة كل من يستخدم المواد السامة بقسوة. ‏

حسين قاسم

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...