الحرب تسلب السوريين أدويتهم: المرض أصبح باهظ الكلفة!

20-08-2015

الحرب تسلب السوريين أدويتهم: المرض أصبح باهظ الكلفة!

قبل أيام، ضجت وسائل الإعلام السورية بخبر رفع وزارة الصحة أسعار الأدوية بنسب تتراوح بين 50 إلى 65 في المئة، الأمر الذي سبب صدمة للشارع السوري عموماً، وللمرضى الذين ضاعفت الأسعار الجديدة من مصروفهم، فعَلَت الأصوات المطالبة بإعادة النظر في هذه الأسعار، إلا أن صدى هذه الأصوات اقتصر على «السوشيال ميديا»، ولم ولن يجد طريقاً لآذان صاغية.
في صيدلية مزدحمة يقف أحمد حاملاً «روشيتة» لأدوية وصفها الطبيب لابنه الرضيع. يقرأ الصيدلاني الورقة المكتوبة بحروف غير مفهومة على عجالة، يمسك الآلة الحاسبة قبل أن يخبر أحمد أن ثمن هذه الأدوية يبلغ 6200 ليرة. يتوقف أحمد لبرهة، يتحسّس جيبه، قبل أن يدفع ثمن الأدوية.
يقول أحمد، وهو يراقب كيس الدواء بين يديه، «يعاني ابني من التهابات معوية، ولم أكن أتوقع أن يبلغ سعر الدواء هذا الحد، فراتبي لا يتجاوز 25 ألف ليرة سورية، دفعت أكثر من نصف راتبي للطبيب ومختبر التحليل والآن الأدوية».معمل «تاميكو» للأدوية في ريف دمشق مدمراً (عن الإنترنت)
حال أحمد قد يكون أفضل من حال معظم مَن وقف في الصيدلية المزدحمة. يشرح الصيدلاني أن معظمهم «زبائن دائمون، مصابون بأمراض مزمنة»، ما يعني أنهم سيتحملون المزيد من التكاليف.
وعلى الرغم من الارتفاع الكبير في أسعار الأدوية، لا يرى معظم الصيادلة، الذين التقيناهم، خلال إعداد المادة أنها أسعار غير منطقية. ويُصرّ بعضهم على أن الارتفاع ورغم أنه جاء بهذه النسبة الكبيرة إلا أنه لا يوازي نسب التضخم الكبيرة في الاقتصاد السوري الذي أنهكته الحرب، وهو ما يتوافق مع تأكيدات أحد موزعي الأدوية، الذي يشدّد خلال حديثه على أن «معظم المعامل اضطرت للتوقف عن إنتاج زمر دوائية كاملة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، فالمعامل تستورد المواد الأولية بالقطع الأجنبي، والذي ارتفع بدوره بشكل كبير جداً (متوسط سعر الدولار في السوق يبلغ نحو 305 ليرات سورية)، كذلك يضطر أصحاب المعامل لدفع مبالغ كبيرة لنقل الأدوية، وتأمين المعامل في مواقع عديدة».
بدوره، يؤكد نقيب الصيادلة في سوريا محمود الحسن، خلال اتصال هاتفي، أن الأسعار تم رفعها بعد دراسة معمّقة لتكاليف الصناعة، خصوصاً أن الأدوية لم تشهد ارتفاعاً في أسعارها منذ نحو عامين، في وقت ارتفعت فيه أسعار المواد الأولية بشكل كبير، موضحاً  أن «الأسعار الجديدة ستدفع المعامل لإعادة تشغيل خطوط إنتاج توقفت بسبب الأسعار، الأمر الذي يعني توافر أصناف عديدة من الأدوية كانت قد فقدت في العامين الماضيين».
وخلال حديثه، يشرح نقيب الصيادلة أن عبئاً كبيراً وضعته الحرب على عاتق أصحاب معامل الأدوية، وخصوصاً تلك التي تابعت عملها وإنتاجها، موضحاً أن «آخر تعديل لأسعار الأدوية كان في 12 تموز العام 2013، حيث تمّ تسعير المستحضرات الدوائية في وزارة الصحة بالنسبة للأدوية المصنعة محلياً حينها على أساس سعر صرف الدولار بمبلغ 61 ليرة، في حين يبلغ سعر الصرف في الوقت الحالية خمسة أضعاف هذا الرقم»، مشدداً، في الوقت ذاته، على أن «معامل الأدوية تعهّدت بإعادة إنتاج كافة أنواع المستحضرات الدوائية التي تم التوقف عن إنتاجها»، متسائلاً «أيهما أفضل، توقف إنتاج الأدوية واستيرادها من الخارج بأسعار مضاعفة، أم رفع الأسعار بنسب مقبولة وضمان وجود وتوفر الأدوية؟».
وتأتي خطوة وزارة الصحة السورية في وقت تعاني فيه سوق الأدوية من نقص حادّ في زمر دوائية عدة، إضافة إلى الانتشار الكبير للأدوية المهرّبة والمزورة، وهو تحد آخر تواجهه الصناعة الدوائية السورية، خصوصاً أن الأدوية المزورة تباع بأسعار منخفضة جداً، بسبب التلاعب بالمواد الفعالة فيها، الأمر الذي ربما يدفع المواطنين من ذوي الدخل المحدود، وحتى المعدوم، للجوء إليها حتى مع توافر الأدوية الوطنية المضمونة، وفق رأي مصدر طبي.
وتأتي محاولات إنعاش الصناعة الدوائية السورية، في العام الخامس للحرب، بعد أن خرج 22 معملاً دوائياً عن الخدمة، من أصل 61 معملاً دوائياً في سوريا، بينها 15 معملاً من أكبر معامل الأدوية كانت تنشط في حلب، فيما تعاني بعض المعامل التي مازالت تنتج الأدوية في محافظة حلب من مصاريف إضافية تدفعها مقابل الحفاظ على العمل وحماية المعمل من سرقة الفصائل المسلحة، في وقت منحت فيه الحكومة السورية أكثر من 200 ترخيص لإنشاء معامل أدوية، إضافة إلى السماح بنقل المنشآت إلى المناطق الساحلية الآمنة، إلا أن هذه الإجراءات لم تأت بنتائج تذكر، وفق تأكيد مصدر طبي.
وقبل اندلاع الحرب، كانت سوريا تعتبر من أكثر الدول تصديراً للأدوية في الشرق الأوسط، وفق تقديرات مصدر صناعي، كذلك كانت تغطي نحو 94 في المئة من الحاجة الدوائية المحلية، إضافة إلى إنشاء معمل مختص لتصنيع الأدوية السرطانية، إلا أنه لم يرَ النور بسبب اندلاع الحرب، والتي تسبّبت بتراجع تغطية معامل الأدوية لحاجة السوق المحلية بنسب تتراوح بين 30 إلى 40 في المئة، إضافة إلى توقف تصدير الأدوية.
ومن المعوقات التي تعترض عمل معامل وشركات الأدوية، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية، عدم توافر موارد الطاقة اللازمة لتشغيل المعمل من جهة، وارتفاع أسعار المحروقات. ووفق إحصاءات وزارة الصناعة السورية فإن خسارة القطاعين، الدوائي والكيميائي، في سوريا تجاوزت العشرين مليار ليرة سورية، كما تسبّبت الحرب بتدمير معمل شركة «تاميكو» الحكومية، والتي كانت تغطي نحو 30 في المئة من الحاجة الدوائية في السوق السورية.
وعلى الرغم من المبررات المنطقية والعديدة التي تقدمها وزارة الصحة، والتي تهدف للإبقاء على معامل الأدوية في حالة نشاط لتأمين الأدوية والعلاج للمواطنين، لا تجد هذه الإحصاءات والتبريرات طريقاً لإقناع المواطن السوري الفقير، الذي سلبته الحرب بيته ولقمة عيشه، ورمته يصارع أمراضه على قارعة الطريق، لتأتي هذه الإجراءات وتجعل من مرضه أيضاً أزمة أخرى، تضاف إلى سلسلة أزماته.


علاء حلبي

السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...