السياسة العراقية وموسم الهجرة إلى دمشق

25-08-2007

السياسة العراقية وموسم الهجرة إلى دمشق

الجمل:     تداعيات لقاءات القيادة السورية مع نوري المالكي، وما ترتب عليها من تصريحات نارية أطلقها نوري المالكي، بدأت تظهر أكثر فأكثر على الساحتين العراقية والأمريكية، ولأول مرة منذ ظهوره على الساحة السياسية العراقية الأمريكية، بدا المالكي في دمشق وهو أكثر تماسكاً وثقة بالنفس.
• السياسة العراقية وموسم الهجرة إلى دمشق:
الاتهامات الأمريكية التي كانت تصدر من إدارة بوش ضد سورية، واستخدام تدهور الأوضاع السياسية اللبنانية، وغيرها من أجل (تنميط) دمشق كمصدر للإرهاب في المنطقة، كانت جميعاً لا تهدف إلى عزل سورية عن المجتمع الدولي، ووضعها تحت طائلة العقوبات الدولية الأمريكية، وعرقلة مفاوضات السلام بينها وبين إسرائيل، وإنما إلى عزل المسؤولين والساسة العراقيين ومنعهم من (التواصل) مع سورية.
إن إبعاد وعزل الساسة والمسؤولين عن سورية، هو أحد الإجراءات الوقائية الهامة لاستمرارية وبقاء الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق، إضافة إلى أنه يمثل أحد قواعد لعبة (السيطرة على العراق). وما يبدو بوضوح هو  إدراك الأمريكيين والإسرائيليين التام لجذور العلاقات العميقة الجذور الذي ظل الساسة العراقيون يرتبطون بها بسورية على مدى السنوات الطويلة التي سبقت الغزو والاحتلال الأمريكي الذي تم في مطلع عام 2003م.
لم تحاول إدارة بوش ومن ورائها إسرائيل عزل الساسة العراقيين على المستوى القومي فقط، وإنما حاولت عزل الشعب العراقي، وعلى وجه الخصوص سكان غرب العراق (محافظة الأنبار)، وشمال العراق (الأكراد العراقيون) عن طريق السعي لإقامة جدار عازل (على غرار جدار الفصل العنصري الذي حاولت إسرائيل بناءه لتطويق الضفة الغربية) لفصل عشائر وقبائل محافظة الأنبار، أما بالنسبة لمنطقة شمال العراق، فقط سعت إدارة بوش ومن ورائها إسرائيل إلى استخدام المزيد من (العمليات النفسية) بالتعاون والاشتراك مع الحركات والفصائل الكردية الانفصالية، وذلك بهدف زرع الكراهية وبذور الفتنة وإثارة النزعات الانفصالية، على النحو الذي يؤدي إلى بناء (جدار عازل نفسي- اجتماعي يفصل بين الأكراد السوريين وانتمائهم إلى سورية.
• واشنطن دي.سي وتحركات ما بعد دمشق:
شكل لقاء القيادة السورية- المالكي، (بؤرة الزلزال) السياسي، الذي بدأت أول تداعياته بقيام الرئيس بوش بالتخلي فجأة عن انتقاداته الحادة والمتعجرفة إزاء نوري المالكي، واستبدالها بتصريحات تتعاكس معها تماماً، بحيث أصبح يصف نوري المالكي بالإيجابية والقدرة على أحداث التغيرات، والتأكيد على أن إدارة بوش سوف تستمر في دعم وتعزيز نوري المالكي.
وامتدت موجة الزلزال إلى جماعة المحافظين الجدد، وتحديداً معهد المسعى الأمريكي، الذي يمثل (المركز) الذي يشرف على كل ما يتعلق بإدارة السيطرة الأمريكية على العراق وذلك منذ لحظة غزو واحتلال عام 2003م، وحتى الآن.
تقول المعلومات الواردة من واشنطن بأن معهد المسعى الأمريكي، الذي ظل يسهم بقدر كبير في أنشطة البروباغاندا والتخطيط من أجل غزو العراق، واحتلاله، وبقاء القوات الأمريكية فيه لأجل مفتوح غير محدد الأجل، قد بدأ الشروع في إطلاق حملة جديدة للدفاع عن استمرار الاحتلال والوجود العسكري الأمريكي، عن طريق الدفاع عن ضرورة الاستمرار في زيادة حشود القوات الأمريكية الموجودة حالياً في العراق. وذلك في مواجهة العواصف السياسية التي بدأت تداعياتها تضرب استراتيجية الإدارة الأمريكية الأخيرة إزاء العراق.. ومن أبرز المؤشرات على ذلك:
- تزايد انتقادات الكونغرس.
- تزايد ضغوط الرأي الأمريكي.
- اتساع دائرة الصراع العسكري الأمريكي- العراقي.
- التحول في مواقف الزعماء العراقيين المتحالفين مع أمريكا.
- الاقتحام التركي الوشيك.
- فشل عمليات المصالح الوطنية وخطة تأمين بغداد، وإجازة قانون النفط العراقي.
• وما هو أكثر خطورة: العامل السوري ودوره القادم:
ويقول الخبراء بأن قراءة جماعة المحافظين الجدد، والإدارة الأمريكية لكل أجندة استراتيجية العراق، هي قراءة سوف تتغير بتأثير (العامل السوري)، وذلك لأن كل النتائج التي توقعتها الإدارة الأمريكية سوف تنقلب رأساً على عقب، ويرى البعض بأن الضربة التي سوف تكسر ظهر إدارة بوش في العراق، سوف تتمثل لا في تزايد الهجمات ضد القوات الامريكية، وإنما في قيام حلفاء أمريكا من الساسة العراقيين الحاليين بتغيير مواقفهم إزاء أمريكا ووجودها في العراق، وبكلمات أخرى، فإن خسارة أمريكا لحلفائها العراقيين مثل نوري المالكي وغيره، بسبب العامل السوري، معناها الواضح والمباشر أن أمريكا قد خسرت كل رصيدها الذي ظلت تعتمد عليه حالياً من العراق الآن، وتعول على الاعتماد عليه في كامل مخططاتها المستقبلية القادمة إزاء العراق.
يقول الصحفي الأمريكي جيم لوبي بان معهد المسعى الأمريكي التابع لجماعة المحافظين الجدد، قد قام –على عجل- بتكوين لجنتين:
- اللجنة الأولى: وسوف تضم الثلاثي: كاغان، الجنرال المتقاعد جاك كياني، وميشيل أوهانلون، وهم أكبر مهندسي استراتيجية زيادة القوات الأمريكية وخطة أمن بغداد التي بدأت إدارة بوش تنفيذها منذ مطلع هذا العام، وكان التقرير الذي لعبا دوراً رئيسياً في إعداده هو المخطط الرئيسي الذي اعتمدته إدارة بوش بدلاً من توصيات مجموعة دراسة العراق (لجنة بيكر- هاميلتون.
- اللجنة الثانية: وسوف تضم كاغان أيضاً، إضافة إلى دونيللي، وغاري شميث. وسوف يكون عمل هذه اللجنة إعداد وإصدار تقرير يحمل عنوان (لا حل وسط)، والذي سوف يركز من جهة على انتقاد وجهات النظر الأمريكية التي تنتقد أداء الإدارة الأمريكية في العراق، وتطالب بالانسحاب، وأيضاً مشروعات الانسحاب، ومن الجهة الأخرى على مدى الفوائد والنجاح الكبير الحاسم الذي يمكن أن تحققه الإدارة الأمريكية في العراق، إذا قامت بالاستمرار في إرسال المزيد من القوات والعتاد العسكري إلى العراق.
خلفيات تحرك جماعة (المحافظين الجدد تشير إلى ملامح توجهات إدارة بوش خلال الفترة المتبقية من ولايتها إزاء منطقة الشرقين الأوسط  والأدنى.
التخمينات الأولية التي استنبطها المراقبون من المقال الذي كتبه زعيم وعراب جماعة المحافظين الجدد وليم كريستول الـ(ويكلي ستاندارد)، تقول بأن تحركات جماعة المحافظين الجدد سوف تركز على الآتي:
- التأكيد على أهمية استمرار الوجود العسكري الأمريكي المفتوح في العراق، وذلك تحت ذريعة تضخيم التأكيدات القائلة بأن العراقيين لن يستطيعوا القتال بمفردهم إذا تخلت الإدارة الأمريكية عنهم.
- التأكيد على أن السنة العراقيين قد شرعوا في عملية تعاون كبير مع القوات الأمريكية من أجل القضاء على الجماعات الإرهابية الموجودة في المناطق السنية، كتنظيم القاعدة مثلاً.
- التأكيد على ضرورة الإدارة الأمريكية  بالمزيد من الضغوط في مواجهة دول الجوار الإقليمي العراقي، وعلى وجه الخصوص: سورية، تركيا، إيران، والسعودية.
- التأكيد على أن التخلي عن العراق سوف يضعف الوجود الأمريكي في تركيا، وهو أمر سوف يؤدي إلى القضاء على أهم عناصر السيطرة الأمريكية على منطقة الشرق الأدنى، وسوف يفتح المجال التركي لصعود الأصولية الإسلامية، والتي ستؤثر سلباً على موقف أمريكا في الشرق الأدنى ومنطقة القفقاس وآسيا الوسطى.
- التخلي عن العراق سوف تتيح لروسيا والصين، استغلال الفرصة الاستراتيجية التي ستنشأ في منطقة الشرقين الأوسط والأدنى من جراء ظاهرة فراغ القوة والنفوذ الاستراتيجي الذي سوف يحدث وينشأ بعد انسحاب أمريكا.
- التخلي عن العراق سوف يؤدي لتعزيز دور إيران، والتي ستستغل الحكومة العراقية الضيقة التي سوف تبقى في العراق بعد الانسحاب، وبالتالي سوف تسعى إيران لتمديد مشروع الثورة الإسلامية الإيرانية واستغلال فرصة تصديره بالكامل إلى العراق كمرحلة أولى، بحيث تعقبها المرحلة الثانية التي تتمثل في تصدير نموذج هذه الثورة إلى السعودية وبقية مناطق الخليج العربي، الأمر الذي يجعل 60% من احتياطيات النفط العالمي تحت دائرة النفوذ الإيراني المباشر.
وعموماً الصحفي الأمريكي جوان كولي في مقاله الذي نشرته صحيفة آسيا تايمز اليوم والذي حمل عنوان (بوش: على خطا نابليون) قارن بين قيام جورج بوش بغزو واحتلال العراق، وقيام نابليون بونابرت بغزو واحتلال مصر.
يقول جوان كولي بأن مصر فرنسا، وعراق أمريكا، قد سجلهم التاريخ الامبريالي الحديث الخاص بمنطقة الشرق الأوسط، وذلك على أساس اعتبارات أن صيغة إدارة بوش الخاصة باحتلال العراق قد فشلت، وبرغم ذلك مازال بوش يلح على الاستمرار فيها، أما صيغة نابليون لاحتلال مصر، فإن نابليون لم يلح على الاستمرار فيها، وقد قام بإلغائها والانسحاب، ليس عندما فشلت، وإنما عندما تأكد له بأنها سوف تفشل.. والفرق بين نابليون وبوش يكمن ليس في استمرار بوش برغم الفشل، وعدم استمرار الثاني عندما أدرك عدم النجاح.. وإنما يكمن الفرق بين بوش ونابليون، الذي يجسد الفرق بين ذكاء وعبقرية نابليون كقائد مستقل الإدارة، وغباء وحماقة بوش كتابع مسلوب الإدارة لجماعة المحافظين الجدد وإسرائيل.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...