الشرق الأوسط : صراع سياسي طويل وحرب بلا نهاية

24-07-2006

الشرق الأوسط : صراع سياسي طويل وحرب بلا نهاية

الجمل :  في العشرين من الشهر الجاري أعلن شاؤول موفاز، وزير النقل الإسرائيلي، والعضو في مجلس الأمن الإسرائيلي، مصرحاً للصحافة، انه بعد مرور أكثر من أسبوع على العمليات العسكرية ضد لبنان، قد تم إنقاص وتقليل قدرات حزب الله الهجومية إلى حوالي النصف، وأضاف موفاز أن إسرائيل مصممة على إنجاز وإكمال المهمة، والقضاء بشكل نهائي على قدرات حزب الله.
بينما يشير السياق الاستراتيجي الإقليمي إلى أن الصراع الإسرائيلي اللبناني الجاري حالياً، يتطلب ويستلزم المزيد من التحليل على ضوء مصالح اللاعبين الإقليميين الآخرين في الشرق الأوسط، حيث أن أهداف وغايات الأمن الإسرائيلي الأساسية، أصبح يتم ربطها بترسانة حزب الله الهجومية.
وتشدد إدارة إيهود أولمرت على أن الأهداف والغايات الاستراتيجية لإسرائيل من عملية الصراع تتمثل في تدمير قدرات حزب الله على شن وإطلاق الصواريخ، واستئصال زعماء التنظيم، وتدمير سلسلة القيادة.
ففي الوقت الذي تبدو فيه مهمة القيام بعملية التدمير المادي لقدرات حزب الله الهجومية ممكنة –وفقاً لوجهة النظر الإسرائيلية- برغم الصعوبات التكتيكية، فإن هدف القضاء والإنهاء الواضح لحزب الله كتنظيم هو أمر غير ممكن، وسوف تكون له نتائج عكسية، وذلك لأن تنظيم حزب الله وجماعاته لها جذور عميقة في المجتمع اللبناني، وما هو أهم، يتمثل في أن القيام بمثل هذا العمل سوف يترتب عليه بشكل لا يمكن تفاديه وقوع أعداد هائلة من الضحايا المدنيين.
عند لحظة البدء في الصراع الحالي، بدأت أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية والغربية، أكثر اندهاشاً بترسانة حزب الله الصاروخية، والتي يعتقد أنه قد تم تقدير حجمها بأقل مما هو فعلاً. وبعد أن أطلق حزب الله صواريخ فجر3 (المدى 40 كيلومتراً أو  25ميلاً) على حيفا، وصل الصراع إلى نقطة تحول وانعطاف جديدة.
في الساعات الأولى للقتال، أعلنت أجهزة ووكالات المخابرات الغربية أن حزب الله يمتلك أكثر من 10 آلاف صاروخ كاتيوشا (المدى 20 كيلومتراً، أي  12ميلاً)، ومئات من صواريخ فجر-3 وصواريخ فجر-5 (المدى 40- 75 كيلومتراً، أي 25- 45 ميلاً) وعشرات من صواريخ سي-802 (المدى 120 كيلومتراً، أي 75 ميلاً)، وعدداً برغم قلته إلا أنه غير معروف من صواريخ زلزال-2 القادرة على الوصول إلى مدى 200 كيلومتر (أي 124 ميلاً)  ويحمل قدرة تدميرية  تبلغ 600 كيلوغرام.
المفارقة الكبرى، تتمثل في أن القدرات الإسرائيلية المتطورة المضادة للصواريخ البالستية، برغم كل تطورها وتحديثها، إلا أنها كانت مكشوفة تماماً أمام صواريخ حزب الله، ويبدو أن السبب في ذلك أن أنواع الصواريخ الأخيرة هذه (سكو وشهاد) تميزت بالحجم الكبير، وبالتحليق على ارتفاعات شاهقة، الأمر الذي يجعل من عملية إسقاطها أكثر سهولة. كذلك، فقد انكشف أن إسرائيل لا تملك تكنولوجيا الدفاع الليزري اللازمة، لمواجهة وتدمير الصواريخ الصغيرة، إضافة إلى أنها لن تستطيع الحصول على هذا النوع من التكنولوجيا قبل عام 2008م.
لقد جعلت هذه الترسانة حزب الله قادراً على ضرب المدن الإسرائيلية الرئيسة مثل حيفا، تل أبيب، و(أورشليم) القدس، وبالتالي أصبح يهدد منطقة القلب الحيوي في إسرائيل. هذا وبعد أن اتضحت قدرة حزب الله على الانتقام، بدأ العسكريون الإسرائيليون يدركون الخطر والتهديد بشكل مختلف، وذلك استناداً إلى ما قاله المحللون العسكريون بأن بعضاً من أسوأ مخاوف إسرائيل قد أصبح حقيقة وأمراً واقعاً. وبناء على ذلك، يبدو أن إدارة أولمرت قد نظرت بعين الاعتبار لمدى الخطر الذي تتعرض له المصالح الحيوية الإسرائيلية، ومن ثم قررت أن النصر الحاسم ضد حزب الله هو أمر يجب أن يتم تحقيقه بأي تكلفة.
إن هذا النصر الحاسم، على أية حال، يمكن أن يكون أكثر تعقيداً إزاء التحقق، عما يبدو عليه. وبرغم أن إسرائيل من الممكن أن تتغلب على المصاعب التكتيكية مثل تتبع وتقفي كل البنى التحتية لمنصات إطلاق الصواريخ المنشورة بوساطة حزب الله في جنوب لبنان، إلا أن إسرائيل لن تستطيع الاعتماد فقط على الضربات الجوية وحدها في تحقيق هدف استئصال حزب الله من جنوب لبنان بشكل دائم وثابت.
كما يحدث على الأرجح في كل صراع، فإن من الصعب تنسيق ومواءمة الأهداف والغايات السياسية مع الأهداف والغايات الاستراتيجية.. فبينما يكون تدمير الصواريخ للبنى  التحتية المتعلقة بها مجدياً ومقبولاً من الناحية الدولية، فإن مطاردة وقتل الميليشيات يتطلب القيام بعملية غزو أرضي.
وبوضوح، فإن هذا الغزو من الممكن أن يفهم باعتباره مقدمة افتتاحية لاحتلال إسرائيلي لجنوب لبنان، وليس مجرد عملية سريعة خاطفة تهدف إلى (تنظيف) المنطقة.
على أية حال، فإن عملية الغزو الأرضي، والقتال المفتوح يصعب التكهن بوقوعها، وبلاشك سوف تطرح وتثير أسئلة سياسية مربكة. فالآن إسرائيل واقعة تحت الضغط بوساطة الأمم المتحدة وبعضاً من حلفائها الغربيين التقليديين بسبب حملة هجومها الجوي ضد حصون ومتاريس حزب الله المزعومة في بيروت، وبعض المدن اللبنانية الأخرى، على النحو الذي أوقع مئات الضحايا المدنيين وآلاف اللاجئين والنازحين. وهذه الحقيقة يمكن أن تعطي حزب الله –وهو منظمة تتخندق بقوة وعمق ضمن مجتمع الشيعة اللبناني- النافذة والفرصة ليرفع مجده والتأييد له، ونفوذه في لبنان، وذلك على النحو الذي سوف يمنع إسرائيل من تحقيق أي نصر سياسي، برغم كل تفوقها العسكري.
إضافة لذلك، فإن عسكريي حزب الله، يستطيعون المراوغة والانفلات من مطاردة القوات الإسرائيلية، وذلك على النحو الذي قد يجعل إسرائيل مضطرة لتوسيع أعمالها وإجراءاتها العسكرية، بشكل يمكن أن يؤدي إلى توسيع نطاق المواجهة والصراع.
على أساس اعتبارات هذه العقبات والموانع، من المتوقع أن تتبع إسرائيل بشكل ثابت هدف إكمال عملية تدمير ترسانة حزب الله، وأن تقوم بشن غزو خاطف على جنوب لبنان وذلك من أجل القضاء السريع على وجود حزب الله في المنطقة. وفي الوقت نفسه، سوف تسعى للاتفاق مع جيش لبنان والأمم المتحدة من أجل التفاوض على الانسحاب مقابل تنفيذ قرار الأمم المتحدة من أجل التفاوض على الانسحاب مقابل تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1559 (الصادر في سبتمبر 2004م) والذي طالب بنزع سلاح حزب الله.
من المتوقع أن تواصل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مستمر دعمها الكامل وتأييدها الشامل لأولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي- وذلك لأن واشنطن تسعى من أجل إضعاف نفوذ سورية وإيران في المنطقة، وهي بوضوح حريصة من أجل القضاء على قدرات حزب الله الهجومية.
وبرغم كل ذلك، فإن نفوذ حزب الله السياسي في لبنان، وحتى بين الفلسطينيين، من الممكن أن يتزايد بقدر كبير بعد انتهاء الحريق المدمر الحالي. وإضافة لذلك، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل سوف تواصلان النظر إلى حكومتي سورية وإيران باعتبارهما تمثلان التهديدات الرئيسة للمنطقة، وسوف تواصل أمريكا وإسرائيل العمل من أجل فرض المزيد من الضغوط على سورية وإيران. هذا، ويمكن القول: إن الشرق الأوسط قد أصبح مهيئاً من أجل صراع سياسي طويل، بشكل يعمق عملية الحرب. والتي على ما يبدو قد أصبحت وشيكة الحدوث في القريب العاجل.


الجمل: قسم الترجمة
المصدر:ياين آر

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...