الفوضى المرورية سببها سوء تخطيط المحافظة وفريق أوروبي يستبعد تنفيذ المترو

18-01-2011

الفوضى المرورية سببها سوء تخطيط المحافظة وفريق أوروبي يستبعد تنفيذ المترو

بعد أشهر من المداولة والدراسة بين أعضاء فريق خبرة أوروبي قدم خصيصاً إلى دمشق لدراسة تحديث مخطط دمشق التنظيمي «الشهير بـ (إيكوشار) والذي بقي على حاله منذ أن وضع قبل سبعة عقود»، خلصت الخبرة الأوروبية إلى نتائج قدمتها في تقرير مطول، مفادها، أنه من الصعب إنجاز أي من المشاريع الطموحة «المترو - معالجة المخالفات» إذا بقيت دمشق على وضعها الراهن، وتفتقت أذهانهم عن اقتراح غريب يوصي بنقل العاصمة من دمشق إلى حمص وسط سورية لأنها على حد تعبيرهم «تغرق في فوضى عارمة يستحيل معها القيام بمشاريع إنشائية لتنظيم العاصمة دون تخفيف الضغط السكاني»، ولأن الاقتراح لم يأتِ من أهل حمص المعروفين بخفة ظلهم وحبهم للمرح، فقد أخذته الجهات الرسمية على محمل الجد، وشرعت بمناقشته، أما لماذا وقع الاختيار على حمص تحديداً؟!.
فيشير فريق الخبراء وبمزيد من الجدية التي لا تشوبها أي نية للمزاح إلى عدة أسباب تميز حمص عن غيرها، فهي تقع وسط سورية، وتعتبر طريقاً تجارياً إلى دول الجوار «العراق - تركيا - لبنان»، وهي مدينة صغيرة مهيأة للتوسع، كما أنها المدينة الوحيدة بين المدن الرئيسية التي لا تقع على الفالق الزلزالي، غير أن مصادر رفيعة كشفت أن المقترح عُدل، بحيث تصبح حمص عاصمة إدارية، وحلب عاصمة اقتصادية، والإبقاء على دمشق كعاصمة سياسية، قد يكون الأمر ممكناً في قادم الأيام.. وربما تكون فرصة للمدينة القديمة لكي ترتاح قليلاً من ضغط الازدحام والتلوث والضجيج، وفرصة للجزء المعاصر منها لكي يحظى بإعادة نظر مرورية وفق أسس حديثة ورؤية شاملة، خاصة أننا بتنا نشعر بالعبء الذي نحمله فوق ظهورنا عندما نقرر التنقل خلال ساعات النهار بين أجزاء المدينة الرئيسية، وكيف أن الشوارع لم تعد تحتمل المزيد من الضغط، ولا الهواء ولاحتى منظومة النقل الناقصة والمهترئة، على الرغم من محاولات تطعيمها بباصات جديدة، وغالباً ما نستغرق الساعات الطوال ونقضي الأيام بانتظار الفرج، لأننا نهدر جزءاً كبيراً من عمرنا على الطرقات لإنجاز ما يمكن إنجازه في يومين لو أننا وصلنا في الأوقات المناسبة، ولم نعلق في اختناقات مستعصية على الحل، والمشكلة الأكبر أننا لا نفكر في الحل إلا عندما تستعصي المشكلة، وغالباً ما تأتي الحلول مجتزأة وآنية، فيشد عناصر المحافظة الهمة ويعقدون العزم لتنفيذ نفق أو تحويلة لتخفيف الضغوط عن هذا الشارع أو ذاك، وبعد أن ينفذوا ويكلف الملايين نكتشف أننا نقلنا الأزمة من مكان إلى آخر، لنبدأ بعد أشهر بالتفكير بحل جديد لاستعصاء جديد، فإلى متى تبقى دمشق دون استراتيجية مرورية؟!.
تحضر التوجهات وتغيب الرؤية الشمولية، نسعد بالنوايا الطيبة وينقصنا العزم، ولا نعرف حتى اليوم ما الذي نريده حقاً من أقدم العواصم وهي تحمل على ظهرها «إرثاً حضارياً وتاريخياً ثقيلاً» ولم تنضج لدينا بعد هوية محددة المعالم تليق بكل هذا الإرث، وترانا ننتقل من الأبنية المعتقة المغرقة في القدم، بسرعة تفقدنا التوازن إلى أحياء حديثة وأبنية برجية وشوارع عريضة واوتسترادات.
وحتى في قلب المدينة القديمة، تغرق دمشقنا القديمة في نشاز يقترب من الفوضى، وتبدو بيوتها وحاراتها المتداخلة مع تاريخ بأكمله غريبة وقادمة من عصر آخر لا يتناسب والمشهد الذي يدور حولها من ازدحام وتلوث وضجيج وملصقات، كلوحة فريدة في صورة مشوشة.
فهل أصبحت دمشق حقل تجارب للحلول الممكنة، ولماذا لم نمتلك بعد رؤية واضحة للصورة التي نريد لدمشق أن تظهر فيها بعيدة عن الاختناقات المرورية والازدحام والتلوث؟!.
لدمشق القديمة حلول خاصة
 يرى الدكتور عمر قوتلي، خبير استشاري في تخطيط المدن  أننا هنا يجب أن نفرق بين المدينة القديمة التاريخية «دمشق ضمن الأسوار» وتوسعاتها اللاحقة عبر الحقب التاريخية، والمدينة المعاصرة، لأن للمدينة القديمة والشرائح الأثرية التاريخية الملحقة بها تعاملاً خاصاً وحلولاً مرورية للنقل العام، تتناسب مع خصوصية المدينة القديمة.
أما باقي المدينة، فله حلول مختلفة، مشيراً إلى أن التقنيات المرورية وتقنيات النقل الجماعي قد تطورت كثيراً، ولا بد من الاستفادة من التجربة العالمية في هذا المجال لمدن ذات قيمة تاريخية مميزة، طبقت حلولاً مرورية دون أن تمس بخصوصية مدنها العريقة مثل: «فيينا - باريس - براغ - زيوريخ»، لأن التقنيات تطورت والمركبات تطورت والطاقة أصبحت لها أشكال جديدة ومواد العزل الصوتي والنقل البيئي.
ويعتبر الدكتور عمر قوتلي أنه حتى الآن لم يتم تطبيق حلول مرورية متكاملة لمنظومة النقل والمرور واقتصرت الحلول الحالية على تطبيقات جزئية في بعض المواقع، ولكن ليس ضمن نظرة شمولية لكامل المدينة أو دراسات نوعية، ومتكاملة لحلول النقل والمرور، مشيراً إلى عدة نقاط لابد أن نتوقف عندها عندما نتحدث عن الواقع المروري بدمشق:
 - عدم وجود نظام معاصر للنقل الجماعي المتكامل يحقق الانتقال من وإلى مركز المدينة بأسلوب حضاري وبيئي، مما يؤثر سلباً على الواقع البيئي، والاقتصادي و الاجتماعي، ويزيد في نسب اكتظاظ السيارات في الطرقات، وبالتالي اختناق المدينة وتشويه البيئة المحيطة والإعاقات المرورية المستمرة.
 - عدم وجود منظومة متكاملة لممرات وطرق المشاة بمختلف مستوياتها بما يتناسب مع قيمة المدينة والعاصمة مما يسيء للمدينة ومركزها الحيوي ككل، ويؤثر على التوازن الإنساني والسلامة المرورية.
 - الازدحام أمام الإدارات والهيئات الرسمية والتخديمية والمدارس في كل ساعات النهار مما يجعل الرحلات اليومية على الشبكة المرورية تشكل ضغطاً على البنية التحتية المرورية.
 - تلوث الهواء الناجم عن اكتظاظ المركز بالسيارات وارتفاع انبعاث غاز الكربون والرصاص والأزيستوس (مكابح السيارات) مما يؤثر سلباً على الصحة العامة وجو المدينة.

 دمشق الكبرى
 لذلك يرى الدكتور قوتلي أن الدراسات يجب أن تتم بالتناغم على مستوى المدينة والمناطق المرتبطة بها حيوياً واقتصادياً وجغرافياً من خلال تقسيم المدينة إلى مناطق وحلقات تبدأ من مركز المدينة الحيوي وتكبر لتغطي المدينة ككل، ويدرس فيها حركة السكان على مستويين: مستوى سكان المدينة نفسها، ومحيطها الحيوي، وسكان الأطراف المرتبطة بالمدينة اقتصادياً وخدماتياً، بدءاً من رحلات الذهاب والإياب إلى أماكن العمل والمدارس والخدمات الاجتماعية والجماعية والتسوق، وانتهاء بدراسة أماكن الاستقطاب الإدارية والتجارية والثقافية، التي تشكل مناطق جذب لحركة السكان في أيام العمل العادية وأيام العطل، وكذلك دراسة ساعات الذروة ومناطق الاكتظاظ المروري على نطاق المدينة، ومركزها الحيوي وعقدها المرورية، ويرى الدكتور قوتلي أنه من الأجدى أن يضم الريف للمدينة ( دمشق الكبرى)، لأن الريف هو المخزون الغذائي والمائي لدمشق وهما مترابطان ترابطاً وثيقاً ، لذلك لابد من دراسة إقليمية متكاملة- لهما ككل، وإعطاء التوجهات للتطور اللاحق للمدينة، وتحديد المناطق التي يمكن أن تتطور والوظيفة المناسبة لها (محميات بيئية - مناطق زراعية مناطق سكنية) وتحدد حركة السكان من خلال هذا المخطط، ولا بد أن يترافق ذلك مع نظام مواصلاتي عالي الجودة، ونقل متكامل معاصر وبيئي على مستوى القطر( باصات- ترومواي- ميترو)
في مطبخ المحافظة
 قد تكون كل تلك الأفكار قابلة للتطبيق ولكنها لم ترد بعد على بال من يخطط لأزماتنا المرورية ، أو لم تستقر على سلم أولوياته، فنحن لم نعرف بعد المطبخ الذي تخرج منه حلول أزماتنا المرورية، وأي رائحة تنبعث منه، ومن الذي يقرر أن حل هذه الأزمة أو تلك سيكون في نفق أو تحويلة أو توجيه اتجاه السير.
 السيد ابراهيم فارس، مدير الدراسات في محافظة دمشق، يؤكد أن دور مديريته منحصر فقط في إجراء الدراسات الإنشائية والمعمارية والكهربائية على المشاريع المقترح تنفيذها بعد إقرارها من محافظة دمشق، فهم معنيون بالتفاصيل الفنية، أما المقدمات التي أدت لاعتماد المشروع، فتناقش في اجتماعات المحافظة ولجنة السير.
ويوضح السيد معن قنواتي، مدير دائرة الإشراف في محافظة دمشق،أن المشكلة المرورية في دمشق بدأت تتفاقم منذ أكثر من خمس سنوات بسبب التدفق الكبير للآليات والسيارات، وقد أجرت المحافظة رصداً في ذلك الوقت لحجم السيارات وكان الرقم كبيراً، 250 سيارةجديدة يومياً تدخل دمشق، ولاحظنا أنه لاتوجد أماكن لإيقافها ليلاً، فلدينا حجم سيارات كبير جداً لاتكفي دمشق بكاملها كمرائب لها، وإذا لم نجد حلولاً لن يكون هناك متسع لحركة السيارات في الشوارع، ويضيف: عملنا على بعض الاقتراحات لإيجاد حلول لهذه المشكلة عبر البحث عن مرائب في المدينة، واتباع حلول المرائب الذكية وتطبيق فكرة المرآب المأجور لنمنع التواجد الدائم والطويل لبعض السيارات في أسواق المدينة التجارية .
ويذكر من بين المشاريع التي نفذت لتوفير مرائب تفيد الشارع المتجه من (الشام سنتر ) إلى المتحلق الجنوبي نفذ خلال فترة قياسية (90يوماً) بأسلوب حديث يراعي ضرورة وجود مرائب مباشرة وفرعية ويستوعب 500 سيارة باركينغ .
وفي حديثه عن الحلول المرورية الممكنة لمدينة مكتظة كدمشق، يشير إلى أن الحلول أحياناً تكون بسيطة تتطلب توحيد اتجاه مثل (شارع عرنوس- دوار السبع بحرات ) أو توسعة طريق، بحيث لايؤثر على حركة المشاة، ففي بعض الأماكن هناك إمكانية لتوسعة الطريق على حساب الأرصفة الكبيرة ( المنطقة بين ركن الدين باتجاه نادي الوحدة، كانت الأرصفة ضاغطة علىالطريق ) وأحياناً لا يحتاج الأمر لأكثر من تنظيم حركة الإشارات المرورية من قبل عناصر المرور أو هندسة المرور والتحكم فيها .
وفي أحيان أخرى تحتاج لحلول كبيرة تتطلب إنشاء جسرأونفق أو تنفيذ بعض التعديلات التنظيمية وهي تناقش وتقر في لجنة السير.
نقل الأزمات
لكن الحديث يدور دائماً بأن الحلول التي تتبعها الجهات الإدارية لحل أزمة مرورية ما غالباً ما تكون مؤقتة أو مجتزأة لمعالجة مشكلة آنية وتنقل الأزمة من مكان لآخر، فنفق كفرسوسة الذي استغرق وقتاً وتكاليف كبيرة مالبث أن صدّر الأزمة إلى مكان آخر، وهنا يقاطعني ضيفي ويشير مصححاً بأن نفق كفرسوسة هو جزء من منظومة متكاملة من سبع عقد، ولم ننفذه ليحل مشكلة المرور بكفرسوسة، بل الغاية منه أبعد من ذلك و المنظومة تبدأ من عقدة الشامي إلى عقدة المواساة وعقدة الكارلتون وعقدة كفر سوسة ومن ثم تقاطع المجتهد وتقاطع باب مصلى وصولاً إلى جسر الخراط والغاية منه أن يؤمن حركة عبور سريعة للسيارات ضمن المدينة ويمكن أن يكون طريقاً عابراً بقصد التفريغ السريع للمدينة من السيارات ويضيف ( نأمل أن نعمل محوراً سريعاً 'المحور الشمالي ' الذي سيصل مدخل المدينة الشمالي من حرستا باتجاه منطقة القابون - ركن الدين -أسد الدين ومن ثم منطقة المهاجرين، وسيؤمن حركة الدخول للمدينة بحيث يصبح هناك أكثر من مجال لدخول المدينة عبر عدة محاور (شرق غرب -شمال جنوب )
نحاول من خلاله تنشيط المحور الشمالي، خاصة أن المحور الجنوبي مكتمل وسينتهي خلال النصف الأول من هذا العام، حيث سيصب المحوران الشمالي والجنوبي باتجاه الجندي المجهول، وبذلك سنؤمن الحركة للمواطنين سواء الدخول للمدينة بشكل مباشر أو بمحور عابر كما يمكنه تأمين خدمات عديدة للمواطنين لأن أجزاء منه ستمر ضمن مناطق مخالفات بحيث يتيح لنا مستقبلاً إعادة تطوير هذه المناطق كما يؤمن الالتفاف على المدينة من شمالها .
- يهمنا كثيراً أن تأخذ هذه المشاريع طريقها إلى التنفيذ وتغادر الأحلام والورق دون عرقلة أو تأخير، ويهمنا أكثر أن نرى الحلول التي يتحدث عنها كل المسؤولين تثمر ونرى بأعيننا قبل أحفادنا منظومة النقل المتكاملة التي وعدنا بها منذ عقود قبل أن تتدهور أحوالنا المرورية والبيئية وتستعصي على الحل .


سهام طلب

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...