القبض على عصابة المقاسم السكنية بالحسكة

27-08-2008

القبض على عصابة المقاسم السكنية بالحسكة

كثيرون كانوا يتساءلون عن سر العلاقة التي كانت تجمع بين أمجد ومحرّم الموظفيَنْ في مجلس مدينة الحسكة، ويقولون في سرهم ترى ما الذي جمع الشامي بالمغربي.

إذ إن فارق السن والخبرة الوظيفية بينهما واضح. فأمجد من مواليد 1949، ولم يكد يتخرج من كلية الهندسة المدنية في جامعة حلب سنة 1977 حتى توظف في مجلس مدينة الحسكة، وتدرّج بالمهام الوظيفية حتى صار عضو مكتب تنفيذي. وبالمقابل محرّم شاب في مقتبل العمر، خدمته الظروف وصار فجأة رئيساً لمكتب الاستملاك في المجلس....(ونود أن نشير إلى ملاحظة مهمة وهي أن جميع الأسماء الواردة في هذه المادة غير حقيقة حيث تم استبدالها بالأسماء الحقيقية لاعتبارات مهنية). ‏

أي أنه لا توجد أية قواسم مشتركة بين الاثنين. لكن يبدو أنهما أحبا بعضهما من أول نظرة، وأصرا على أن تربطهما روابط قوية. أساسها المصالح الشخصية القائمة على المبدأ الميكافيلي القائل بأن الغاية تبرر الوسيلة. فكانت غاية الاثنين جمع أكبر قدر من المال خلال أقصر فترة ممكنة، والوسيلة هي التزوير الهادف إلى اختلاس المال العام. وبما أن محرّم رئيس مكتب الاستملاك وتعويضات المتضررين من الهدم تمر من بين يديه، خطرت على بال الاثنين فكرة جهنمية، لم يترددا في تنفيذها في صيف 2006، وبعد شيء من الدراسة والتفكير وضعا خطة محكمة لذلك، وشرعا بتنفيذها. ‏

عدة النصب: بطاقات شخصية وسكنر لكن كيف يمكن تنفيذ هذه الخطة الرهيبة لوحدهما؟ ومن أين يأتون ببطاقات شخصية لعدد كبير من الناس غير متضررين من الهدم دون أن تنكشف الخطة؟. ولهذا كان عليهما البحث عن شركاء آخرين يساعدونهما. ففاتح أمجد زميله المهندس سليمان رئيس مكتب الدراسات بالموضوع، وأفهمه بأن دوره ينحصر بتأمين بطاقات شخصية لأناس غير متضررين من الهدم. ومن المستحسن ضم أشخاص آخرين إليهم. فوافق سليمان وقام بمفاتحة زميله يوسف رئيس مكتب التخطيط والإحصاء في المجلس، وأعلمه أن دوره يتضمن مساعدته على تأمين بطاقات شخصية لأناس غير متضررين من الهدم، تمهيداً لتخصيصهم بمقاسم سكنية على أساس أنهم متضررين. والشهادة لله أدى يوسف دوره على أكمل وجه، وقام بتأمين 47 بطاقة شخصية لأناس من معارفه وأقاربه، وسلمها لزميله سليمان الذي سلمها بدوره لأمجد. ‏

تبقى هنا حلقة مفقودة وهي تأمين إنذارات بالهدم لتلك الأسماء. وهنا جاء دور سليمان الذي قام بالاتفاق مع محرّم بشراء آلة ( سكنر ) ووَضَعَها في منزله، وقام من خلالها بتصوير نسخة من إنذار حقيقي بالهدم يحمل تواقيع اللجنة الفنية ورئيس الدائرة الفنية ورئيس مجلس مدينة الحسكة، وبعد أن قام من خلال الحاسوب بمسح رقم الإنذار واسم المتضرر، طبع منه 101 نسخة. ثم دوّن عليها أسماء هؤلاء الأشخاص على أنهم متضررين بالهدم. و سلّمها إلى محرّم الذي كان يدوّن عليها الرقم الصادر ويختمها بخاتم الديوان ويرفق بها كتاب دائرة الاستملاك الذي يتضمن جداول بأسماء المتضررين. ثم يسلم الجداول لأمجد الذي يقوم بالتوقيع عليها كونه مقرر المكتب التنفيذي، ثم يقدمها لرئيس المجلس آنذاك المدعو فاروق، و يوقع عليها هو الآخر دون علمه بوجود أسماء أشخاص غير متضررين فيها. وبالتالي تمر اللعبة. ويتم تصديق الجداول من المكتب التنفيذي لمجلس المدينة، وتصدر قرارات التخصيص لأولئك الأشخاص. ‏

أربعة ملايين ونصف في سنة ونصف والآن بعد أن صارت المقاسم السكنية بحوزتهم تأتي مرحلة البيع. و عليهم إيجاد شخص يكون ثقة يشتري تلك المقاسم. ولهذه المهمة انبرى يوسف وقام بالاتفاق مع قريبه سمسار العقارات في حي مشيرفة المدعو مصلح على شراء المقاسم. لا بل إن مصلح لم يكتف بذلك بل ساعد يوسف في الحصول على الـبطاقات الشخصية الـ 47. وكان سعر المقسم يتراوح بين 125و325 ألف ل.س حسب الموقع والمساحة والسعر الرائج. والدفع كان يتم في مكتب محام ٍ قريب مصلح دون أن يعرف المحامي بالقصة الحقيقية. باستثناء 400 ألف ل.س سلمها مصلح لسليمان مباشرة في أوائل شهر تموز 2007، لأن يوسف كان حينها في دمشق. ‏

ولأن اللعبة إحلوّت مع مصلح، أدخل صديقه ممدوح شريكاً معه في شراء المقاسم، وأخذ منه مبلغ مليون و 800 ألف ل.س، واتفقا على تقاسم الأرباح مناصفة، حيث كان يتراوح الربح في كل مقسم بين 40و50 ألف ل.س. كما قام ممدوح بتأمين 12 بطاقة شخصية لمعارفه وأقاربه، تم تخصيصهم بمقاسم سكنية بنفس الطريقة السابقة. وما إن تصدر قرارات التخصيص حتى يسرع مصلح إلى أخذ الأشخاص الواردة أسماؤهم في القرارات، وهم على الأغلب أميّون ولا يعرفون ما هي القصة، إلى مكتب ذلك المحامي، لتنظيم وكالات ببيع المقاسم باسم مصلح. ‏

في هذه الأثناء كانت المجموعة تسدد قيمة المقاسم لمجلس المدينة، وهي قيمة رمزية لا تتجاوز 20 ألف ل.س لكل مقسم. و كان يوسف يسلم المبالغ التي يستلمها من مصلح لسليمان، بعد أن يتقاضى بين 5و10 آلاف ل.س عن كل مقسم. ثم يسلم سليمان باقي المبلغ لأمجد بعد أن يقتطع منه حصته البالغة بين 50و25 ألف ل.س عن المقسم الواحد. وبهذه الطريقة استلم أمجد 5،4 ملايين ل.س، دفع منها لشريكه في الخطة محرّم 600 ألف ل.س، وسدد الديون المترتبة عليه. ‏

- وهكذا استمرت المجموعة بجريمتها إلى أن انكشفت، وتم القبض عليها قبل أيام من قبل إحدى الجهات المختصة، الأمر الذي أشاع جواً من الارتياح الكبير في نفوس سكان مدينة الحسكة، وكانت كلمات الشكر لتلك الجهة، تتردد على لسان كل من يسمع بالقصة. وأثناء التحقيق اعترف الجميع بما فعلوه، مؤكدين عدم اشتراك المدعو فاروق رئيس مجلس المدينة السابق، و المدعو أكرم رئيس الدائرة الفنية الحالي في المجلس معهم. في حين مازال محرّم متوارياً عن الأنظار. كما لقيت هذه الجريمة استنكار جميع العاملين في مجلس المدينة. ‏

وأثناء مثولهم أمام قاضي التحقيق الأستاذ سالم الصياح، حاولوا المراوغة وإنكار التهم المنسوبة إليهم. لكن الأستاذ سالم تمكّن بذكائه وحكمته من دفعهم طواعية نحو الاعتراف الكامل بالجريمة التي ارتكبوها من بدايتها وحتى نهايتها. كما طلب من مجلس مدينة الحسكة التدقيق في كافة أضابير توزيع المقاسم على المنذرين بالهدم خلال السنوات السابقة. وبما أن التحقيقات مازالت في بدايتها فإننا سنوافي القراء الأعزاء بتفاصيلها أولاً بأول. ‏

خليل اقطيني

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...