المشهد السوري في تفاهمات واشنطن وموسكو ومبادرة أنان

22-04-2012

المشهد السوري في تفاهمات واشنطن وموسكو ومبادرة أنان

ما هو مصير "مبادرة" الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان نحو سوريا وبنودها الست؟ هذا التساؤل مرده ما يحيط بهذه المبادرة من تشكيك علما بأنها تحظى بمظلة دولية عنوانها الأساسي "تفاهمات بين واشنطن وموسكو". وهي "تفاهمات غامضة" محكومة بموازين القوى في "الداخل السوري" بين السلطة والمعارضة. وغموض هذه "التفاهمات" هو ما يفسّر الحذر المتبادل في نقاشات مجلس الأمن وفي خشية موسكو من تكرار التجربة الليبية في سوريا عبر تضمين قرارات المجلس لبنود تحمل أكثر من تفسير.
وفي العلاقة الأميركية – الروسية من الأزمة السورية ثمة قاسم مشترك وهو أن تبقى هذه الأزمة تحت السيطرة المشتركة. فعندما سئل وزير الخارجية الروسي في طائرة العودة من الولايات المتحدة الأميركية إلى موسكو عن معنى انتقاد وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للموقف الروسي من سوريا أجاب بما معناه أنه "انفعال عفوي يمكن فهمه وتجاوزه..". فالمصلحة الأميركية – الروسية تقضي بتهميش اللاعبين الإقليميين في الموضوع السوري وخصوصا في مسألة التدخل العسكري الخارجي أو تمكين أي طرف إقليمي من الإستحواذ على تطورات الوضع السوري أو التحكم به. فالنفاذ إلى أي دور ينبغي أن يتم عبر البوابتين الأميركية والروسية وكذلك الإصطفافات... وكل ذلك في إطار العلاقة المدروسة والمحسوبة بين واشنطن وموسكو.
لا شك أن المشهد السوري دخل في سياق أوسع من حسابات النظام السوري والمعارضة ومن توقعات تركيا ومما تريده كل من المملكة العربية السعودية وقطر وكذلك إيران نسبيا التي تطمح واشنطن إلى فتح قناة حوار مباشرة معها حول الملف النووي وغيره... فمن الواضح أن معالجة هذا الملف لها علاقة بالموضوع السوري مما يشي بأن مبادرة كوفي أنان وإن كانت لا تحمل حلا سحريا غير أنها تخدم فكرة تقطيع الوقت وتبريد العمليات العسكرية الكبيرة وتفتح الباب على الحل السياسي وإن كانت لا تتحكم بالإغتيالات والتفجيرات على الطريقة العراقية. وإنما على الأقل تؤكد على حاجة كل من السلطة والمعارضة إلى المعادلة الروسية – الأميركية حاليا عبر "مبادرة كوفي أنان" كون الفريقين (السلطة والمعارضة) غير قادرين على الحسم النهائي في المدى المنظور وإن كان للنظام السياسي في سوريا مصلحة في الحل السياسي استنادا لمبادرة كوفي أنان بعد أن عجز المجلس الوطني للمعارضة في إرساء تموضع عسكري كما كان يطمح إلى ذلك في حمص (بابا عمرو) أو في إدلب.
وحقيقة الأمر أن "الحسابات الدولية" ترتبط إلى حد كبير بالموقع الإستراتيجي لسوريا وحساسية أي مساس بهذا الموقع. فروسيا حتى في ظل النظام القيصري كانت تعتبرها "مفتاح موسكو" على حد تعبير الأمبراطورة كاترين الثانية. كما أن روسيا في ظل الإتحاد السوفياتي جعلت من دمشق عنصرا أساسيا في حربها الباردة مع الغرب الأميركي والأوروبي. وهذه حال روسيا مع الرئيس فلاديمير بوتين ذي النزعة الوطنية الروسية والذي يطمح إلى أن يكون شريكا في القطبية الدولية والذي يجد في دعم النظام السوري مدخلا إلى ذلك عبر تثبيت شراكته في الحل مصحوبا بتعزيز حضوره العسكري على بحر المتوسط عبر ميناء طرطوس والإنتشار البحري قبالة الشواطئ السورية. ومن هنا الإصرار الروسي على أن معادلة نظرية إسقاط النظام السوري قد سقطت ومعها المطالبة بتنحي الرئيس السوري والتدخل العسكري الخارجي. وقد نجحت الدبلوماسية الروسية في تحقيق مطلب وقف نار متبادل ومتزامن بين السلطة والمعارضة كما في جعل الحوار بين الإثنتين المخرج الوحيد لإنهاء الأزمة لأن البديل من ذلك هو "الحرب الأهلية" التي لا مصلحة لأحد فيها... وعلى ما يبدو أن هذه المقاربة الروسية تلقى آذانا صاغية أميركية وخصوصا وأن واشنطن تتخوّف من امتداد الحرب الأهلية إلى أماكن بعيدة حيث مصالحها النفطية الحيوية في الخليج. فواشنطن التي تركت لتركيا وقطر والسعودية أمر التدخل المباشر في سوريا نأت بنفسها عن ذلك. فما يناسبها هو أن تخرج دمشق ضعيفة جريحة من هذه الأزمة ومعها أيضا المعارضة. فالمطلوب عندها هو إضعاف الموقع الإستراتيجي لسوريا وكسر المعادلة التاريخية الثلاثية للدور العربي والمتمثل بالقاهرة ودمشق والرياض...
في كل الأحوال ثمة إدراك بأن النظام السياسي بسوريا بحاجة إلى إصلاح. فالنظام السابق أصبح من الماضي وخصوصا بعد الإستفتاء على الدستور الجديد وإلغاء المادة الثامنة التي لها علاقة بموقع حزب البعث في السلطة السياسية... وهكذا فإن أهمية مبادرة كوفي أنان أنها تطلق فكرة الحوار السياسي بين السلطة والمعارضة وتسقط الإعتراضات السابقة للمجلس الوطني الإنتقالي إلا إذا استمرت المواجهات العسكرية وحالت دون الدخول في الإجراءات السياسية التي تندرج في "المبادرة". إنما الدعم الروسي والصيني والإيراني لمبادرة كوفي أنان أمر محرج للأطراف التي لا زالت تراهن على التدخل العسكري أو على فشل مبكر لها. ومن الطبيعي أن احتضان روسيا لأطراف في المعارضة الداخلية وحذر واشنطن من دور متزايد لـ"القاعدة" سيساهم إلى حد بعيد في إعطاء "الغلبة" للحوار السياسي واعتبار أي عمل عسكري كأنه أمر نافر لا يلقى غطاء دوليا... وهكذا لا مفر من الجلوس إلى طاولة الحوار وإخراج سوريا من أن تكون ضحية لعبة الأمم وما يستتبع ذلك من فوضى هدامة على امتداد المنطقة بطولها وعرضها. فعلى ما يبدو أن المجتمع السوري يختزن من العنف ما فاجأ الذين كانوا ولا زالوا يطمحون إلى تغيير سلمي عبر الحوار وإنما أصبحوا في حنين لأمان وأمن فقدوه كان أحد رساميلهم الأساسية ومصدر اعتزازهم.
أيا يكن الأمر قد تكون التسوية الداخلية بين السلطة والمعارضة محكومة بالتلاقي مع مصالح الطرفين الدوليين الأساسيين واشنطن وموسكو. فالعامل الخارجي أصبح أكثر تحكما بالواقع السوري. وهذا ما يخالف التاريخ السوري الذي كان يعطي الأولوية لحسابات الداخل... ولعل هذه الحقيقة ينبغي أن تكون دافعا لتغليب الإعتبارات السورية الوطنية على ما دونها... ولكن...

عبد الهادي محفوظ

المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...